توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أول عرب فى حياتى

  مصر اليوم -

أول عرب فى حياتى

بقلم : جميل مطر

يا الله يا كريم، ما أكثر العرب الذين أنعمت علىَّ بهم فى حياتى! كثيرون بالعدد والفعل والأثر. أعرف أن مقالا بالحجم المقرر لى فى هذه الصفحة لن يعرض لهؤلاء العرب الذين دخلوا حياتى أو مروا بها بما يناسب عددهم

ويناسب الحكايات التى خاضوها أو نسجوها معى. أعرف أن مقالا بنظرة طائر لن يفى بالغرض من النشر أيا كان الغرض. ومع ذلك أجد لزامًا أن أعترف بحاجتى إلى التخلص من الضغط المتواصل الذى يمارسه معى موضوع هذا المقال بسبب خشية وقوع بعضه فى براثن النسيان، وهو الخطر الذى يواجه كل من كان فى مثل عمرى، أو بسبب خشية وقوع بعض آخر منه فى قبضة ظروف متخيلة أو واقعة تحول دون نشره، وهو الخطر الذى يهدد نشر كل موضوع له علاقة بالسياسة أو التاريخ.
كنت تحت الثامنة عشرة من العمر أو فيها على ما أذكر عندما رأيت عربًا لأول مرة وناقشت معهم قضايا تهمهم وتهمنى كطالب علوم سياسية. قابلت الفلسطينيين فى ملاجئهم ومخيماتهم فى غزة ودارت معهم مناقشات فى نواديهم حول مستقبل قضيتهم، أذكر أيضا مسئوليتى عما أصاب شابًا منهم تطوع لتسهيل وإرشاد رحلتنا بالدراجات الهوائية إلى الحدود لنشبع فضولنا عن الإسرائيليين وحياتهم فى المستوطنات. رأيت عربا آخرين فى ليبيا بعد رحلة شاقة بحافلة نقلتنا من القاهرة مرورا بمرسى مطروح فالسلوم فطبرق وبنغازى فسرت ومسراطة حتى طرابلس الغرب. هناك لبينا دعوة السيد المنتصر رئيس وزراء المملكة الليبية على عشاء بالفندق الفاخر، ألقى خلاله خطابا رحب فيه بنا وأشاد بالعلاقات الثنائية وبدور العائلة السنوسية فى تطوير هذه العلاقات. خلال الخطاب مال ناحيتى الدكتور حجازى المشرف على الرحلة لتكليفى بإعداد رد سياسى على خطاب رئيس الوزراء. أعددت الرد وألقيته ولم تفتنى الإشارة إلى الوحدة العربية كحل لجميع مشاكلنا مع الاستعمار. كان السودان آخر رحلاتى الجماعية خلال سنوات المراهقة. هناك وفى الخرطوم اجتمعنا، نحن طلبة جامعة القاهرة، مع شباب الحزب الوطنى الاتحادى، فى شكل مظاهرة سياسية، واستمعنا إلى خطاب ألقاه السيد الأزهرى زعيم الحزب.
• • •
تركت الجامعة لأنضم ملحقًا سياسيًا إلى السلك الدبلوماسى. كانت نيودلهى العاصمة التى دشنت مرحلة الدبلوماسية فى حياتى العملية وكانت أيضا شريكًا للصدفة، هذا العامل الحيوى والدور المحروم من الاعتراف الواجب بقيمته فى صنع مستقبلات البشر. لم يكن قد مر على وصولى واستلامى العمل بالسفارة سوى يومين عندما أبلغتنى سكرتيرة السفارة أن مكتب السفير السعودى اتصل ليدعو السيد الملحق الجديد لمأدبة غداء بعد يومين بالنادى الأشهر فى العاصمة.
لبيت الدعوة. هناك اكتشفت أن المدعوين جلهم من السفراء المعتمدين وزوجاتهم باستثناء سفير واحد لم يصطحب زوجته. هذا السفير كان يمثل دولة عربية، وهى سوريا، وقد حلت ابنته محل زوجته التى استيقظت صباح ذلك اليوم بصداع شديد اعتذرت بسببه عن عدم المشاركة فى المأدبة فاقترح السفير السعودى أن تحل ابنتها محلها، وهكذا صار محتومًا حسب المراسم الدبلوماسية أن أجلس فى آخر المائدة، بصفتى احتل المرتبة الأدنى فى التراتيب الدبلوماسية، إلى جانب ابنة السفير التى لا تشغل منصبًا رسميًا أو مراسيميًا.
• • •
الصدفة التى جعلتنى أصل إلى مقر عملى الجديد البعيد بآلاف الكيلومترات عن وطنى قبل أربعة أيام من موعد انعقاد هذه المأدبة، وأن تمرض حرم السفير السورى وتقبل ابنتهما أن تحل محلها فى مناسبة لا يحضرها عادة إلا كبار السن والمقام، وأن لا يوجد بين المدعوين من يمكن أن يملأ فراغًا فى مقعد خالٍ بالضرورة فى الطرف الأقصى من المائدة، وأن يتقارب العمران، عمر الملحق الجديد فى السفارة المصرية وعمر شاغلة المقعد المجاور لمقعده، إذ لم يفصل بينهما سوى أربعة أعوام. هى فى السابعة عشرة وهو فى منتصف الحادى وعشرين. هى الصدفة أو مجموعة صدف، واحدة منها على مستوى جيو استراتيجى، وهى الوحدة المصرية السورية وهذه تدخلت لاحقا، صنعت جميعها مستقبلا للاثنين مليئًا بالأحداث والحكايات وزاخر بصدف أخرى جاءت لتخدم نفس المستقبل الذى خططت له الصدفة الأولى.
• • •
بفضل هذه الصدفة الأولى زرت بيروت وعاليه ودمشق لألتقى بقيادات الطريقة الشاذلية القادرية وأغلبها من النساء لنحصل كزوج وزوجة على البركة، وهى البركة التى حلت فى أحد تجلياتها بعد حوالى خمسة عشر عاما فى عاصمة دولة إفريقية. الطائرة التى حملتنا من موزمبيق، أنا وصبحى خضير زميلى العراقى العضو الثانى فى وفد الجامعة العربية، بدأت هبوطها فى مطار العاصمة. حذرتنى المضيفة من أن المطار مزدحم بتظاهرة ضخمة. قال الزميل لعلهم توهموا أنك بصفتك مدير صندوق المعونة جئت تحمل أموالاً مهداة من الجامعة إلى الدولة حديثة الاستقلال.
• • •
المهم أنه ما أن انفتح باب الطائرة إلا واندفع منه إلى داخلها عدد من رجال الدين وكبار القوم، أحدهم انحنى والدموع فى عينيه ليقبل يدى. فهمت بعدها أن جاءهم ما، أو من، ينبئهم بأن وفدًا من الجامعة العربية سوف يصل وعلى رأسه رجل ينتمى بالمصاهرة إلى الطريقة الشاذلية القادرية. لم يهتم أحد منهم، خلال الزيارة، بأننا جئنا لندرس ونناقش حال اللغة العربية فى هذه الدولة النائية جغرافيا عن عالمنا العربى، خاصة وأن هناك فى الجامعة العربية وفى أوروبا من بدأوا يطرحون فكرة انضمامها إلى الجامعة.
• • •
هبطنا إلى أرض المطار ليقتادنى وفد الكبار إلى منصة يتصدرها مكبر للصوت فالجمهور وبعضه قادم من جزر أخرى يتطلع بشغف وإيمان لكلمة ألقيها يتبركون بها. لوهلة بسيطة تذكرت تكليف الدكتور حجازى لى بإلقاء كلمة، بدون إعداد مسبق، فى حضرة رئيس وزراء المملكة الليبية قبل حوالى عقدين من الزمن.
• • •
واستمرت الصدف تؤدى أدوارًا خارقة فى علاقاتى بالعرب استطرادًا للصدفة الأولى، مأدبة غداء فى الهند لم أستعد لها ورفقة عمر من صنع القدر ونسب مع طريقة صوفية واسعة الانتشار وذرية لا أطيب منها ولا أجمل ولا أصدق.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أول عرب فى حياتى أول عرب فى حياتى



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt