توقيت القاهرة المحلي 12:11:12 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يستحيل ضمان سلام غير عادل

  مصر اليوم -

يستحيل ضمان سلام غير عادل

بقلم - بكر عويضة

حل، أمس، سيد البيت الأبيض، الرئيس جو بايدن، في أرض الأجداد الآيرلنديين قادماً إليها عبر المحيط الأطلسي، بأمل أن يشارك، وسط أجواء تتسم بأقل قدر من التوتر الأمني، في الاحتفال بمرور خمسة وعشرين عاماً على اتفاق «الجمعة العظيمة»، الذي أطْلق عليه هذا الاسم لأنه ارتبط بيوم التوقيع عليه، بين أطراف الحرب الأهلية في آيرلندا الشمالية. هل ثمة موجب للتحوط، رغم أن السلام موجود، كما يُفترض، منذ عاشر أبريل (نيسان) عام 1998؟ نعم، الواقع يثبت دائماً أن الافتراض شيء، وما يجري من وقائع على الأرض شيء مختلف تماماً. ضمن هذا السياق، فإن توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، الذي شهد عهده التوصل إلى ذلك الاتفاق، برعاية أميركية تولاها سيناتور جورج ميتشيل، زمن الرئيس بيل كلينتون، قد أصاب إلى حد كبير، عندما أطلق، مساء الجمعة الماضي، صيحة تحذير خلاصتها ألا يؤخذ سلام آيرلندا الشمالية من منطلق أنه قائم «FOR GRANTED»، أي «مضمون» باستمرار.
إذا كان هذا هو حال السلام الهش، حيث وُلد صراع ذو بعد ديني - قومي قبل قرن وعام واحد فقط، أي مع ولادة «آيرلندا الحرة» - جمهورية آيرلندا حالياً - في العام 1922، فهل مِن عجب إذا استحال ضمان شروط تعايش فلسطيني - إسرائيلي؟ من جديد، كلا، فأرض فلسطين، كما هو معروف لكل متابع، لم تزل تشهد الصراع تلو الآخر طوال قرون تمتد آلاف السنين، ومن ثم فإن القتل الذي وقع وأسقط ضحايا، فسال الدم وعاد الحزن، يفرض وجوده تحت أسقف البيوت على الجانبين، جراء العنف الذي حدث طوال الأسبوع الماضي، بعد اقتحام قوات تتبع «جيش الدفاع الإسرائيلي» حرم المسجد الأقصى والاشتباك مع معتكفين داخله، مما أدى إلى تواصل التوتر على مدار الأربع وعشرين ساعة مذ ذاك الوقت، ولو بشكل متقطع، هذا الدم الذي طفق ينزف مجدداً في الجانبين، إنما يُضاف إلى أنهار سبقته سالت من دماء طرفي صراع ليست تبدو له في نهاية النفق أي نهاية يمكن القول إنها جادة فعلاً، ويمكن بالتالي ضمان أن تعيش قروناً تلي التوصل إليها.
الواقع أن أي صراع ذي طابع ديني سوف يصعب دائماً، وقد يستحيل، الجمع بين الأطراف ذات الشأن المباشر فيما يخص أساس نشوئه، جمعاً يوصل إلى توافق جدّي بينها. مصالح القائمين على إدارة هكذا صراع، سواء آنية كانت، أو آجلة، تدفعهم في المراحل كافة للنفخ في جذوة النار كلما بدا أنها بدأت تخمد. التاريخ معلم حاضر لكل راغب في التعلم. بوسع كل دارس الرجوع إلى وثائق حروب اندلعت بين شعوب عدة؛ كي يرى أن السلام الذي استمر، فعاش وعمّر، هو ذاك الذي قام وفق أسس كان ممكناً ضمان استمرارها زمناً يطول على نحو يتيح قيام فرص وئام فعال، وبالتالي سلام إيجابي، من شأنهما معاً فتح المجال أمام الأجيال الشابة من الناس العاديين، وليس القياديين، على طرفي الصراع كي تلمس بنفسها المعنى الحقيقي للسلام بعد قرون طالت من تبادل سفك الدماء وتضييع الوقت، بل إفناء أعمار أجيال بأكملها في خنادق وملاجئ ومخيمات، عوض استثمار الطاقات والعقول وإمكانات الإبداع في إعمار الأرض، وإسعاد البشر بدل إزهاق الأرواح.
في حالة الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، قليلاً ما وفر الوقت الذي تبع كل هدوء مؤقت، للقطاع الأعم من الناس غير الجالسين في مواقع قيادية، الفرصة كي يجنوا بأنفسهم، كما أشرت أعلاه، ثمار توقف المدافع، وصمت القذائف، فيصبح السلام في منظورهم كبشر، وعند التأمل في مصالح أجيالهم الآتية، مكسباً يستحق الدفاع عنه، والإصرار عليه. لنأخذ مثلاً، أوضاع بسطاء الناس في قطاع غزة - مع الأخذ في الاعتبار أن المعاناة في الضفة الغربية ليست هينة إطلاقاً - ذلك وضع لم يتوقف عن التدهور من سيئ إلى أسوأ منذ اندلاع أول انتفاضة (1987)، مروراً بمجيء حكم «فتح» من تونس إلى غزة (1994)، وصولاً إلى استيلاء «حماس» على الحكم صيف 2007. إلقاء مسؤولية التدهور على أكتاف «حماس» وحدها ليس دقيقاً، ولا هو موضوعي أيضاً. أطراف عدة تتحمل المسؤولية، وفي مقدمها إسرائيل. أما سلام «اتفاق أوسلو» فغير مضمون أصلاً؛ لأنه في الأساس بلا أساس عادل. في انتظار أن تتبدل هكذا حال، يجب ألا يفاجأ أحد بمزيد من العنف... والدماء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يستحيل ضمان سلام غير عادل يستحيل ضمان سلام غير عادل



GMT 00:24 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

مصر وتوجيه بوصلة العلم إلى الشرق

GMT 00:24 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

الفسيخ وبيان الصحة!

GMT 00:24 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

شروق غزة !

GMT 00:24 2024 الثلاثاء ,07 أيار / مايو

مصر والأزمات الإقليمية

GMT 15:58 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

روح نيفين مسعد (الفرفوشة)

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - نتنياهو يجدد رفض مقترح الهدنة ويتمسك بعملية رفح

GMT 17:22 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اتحاد الكرة يرفض دفع مستحقات فتح الله المتأخرة

GMT 06:38 2016 الجمعة ,26 شباط / فبراير

انجي المقدم تكشف أحداث دورها في مسلسل "سقوط حر"

GMT 09:27 2023 الخميس ,09 آذار/ مارس

تونس تسترد قطعا أثرية نقدية من النرويج

GMT 01:00 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

441 مليون دولار صادرات بترولية مصرية مطلع 2021

GMT 04:02 2021 الإثنين ,22 شباط / فبراير

أبرز إطلالات شتوية رائعة من وحي هايلي بيبر

GMT 22:11 2021 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل الرواني باحترافية

GMT 19:43 2021 الإثنين ,11 كانون الثاني / يناير

يوفنتوس الإيطالي يقترب من أولى صفقاته الشتوية

GMT 08:56 2021 الخميس ,07 كانون الثاني / يناير

أوزيل يقترب من الانضمام لـ دي سي يونايتد الأمريكي

GMT 15:47 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

حقيقة ظهور حالات إنفلونزا الطيور في محافظات مصر

GMT 06:57 2020 الخميس ,31 كانون الأول / ديسمبر

تشير الأوضاع الفلكية الى انشغالات عديدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon