توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كيف لا يكون الحاكم حاكماً؟

  مصر اليوم -

كيف لا يكون الحاكم حاكماً

بقلم : حازم صاغية

بين الأساطير والخرافات فوارق كثيرة قد يكون أهمّها التالي: إنّ الأساطير تنجب الخارق الذي يأتي ما لا يستطيعه البشر، سلباً كان ذلك أم إيجاباً. لا نصدّق ما يُنسب إليه لكنّه يدهشنا، وقد يستثير تمجيدنا، وقد يحرّك مخيّلاتنا، وهو يمثّل لأدباء وفنّانين حالات وأنماطاً مثلى من السلوك الإنسانيّ. ومن يدري، فالأسطورة قد تخاطب طموحات متضخّمة لدى بعضنا وقد تُغريهم بالتقليد. الخرافات، في المقابل، تنجب ما لا يصدّقه البشر لأنّ وجوده يتحدّى عقلهم. أحياناً تُضجرهم. أحياناً تسلّيهم أو تُضحكهم، إلاّ أنّ مُتلقّيها يمرّون عليها مرور الكرام ويمضون في سبيلهم.
أن تقول لواحد: أنت خرافة، فهذا إهانة وشتيمة وتشكيك في وجوده. أن تقول له: أنت أسطورة، فهذا مديح وتكثير لوجوده.
عهد نابليون أسطورة. عهد ميشال عون خرافة...، لا بمعنى أنّه لم يحصل، بل بالضبط لأنّه حصل. كيف يمكن أن يحصل؟ هل تغدو الخرافة واقعاً جاثماً على صدورنا؟
يعبّر عن الحالة هذه ذاك التساؤل الذي بات اللبنانيّون غالباً ما يستهلّون به كلامهم: «هل يُعقَل؟». هل يُعقَل أن ينهار كلّ شيء ولا يستقيل رئيس الجمهوريّة؟ هل يُعقَل أن يؤدّي تمسّكه بـ «الثلث المعطّل» إلى كلّ هذا التعطيل لتشكيل الحكومة؟
كيف نفهم ميشال عون والحال هذه؟ كيف نفسّره؟ كيف نتدبّره؟
يبدأ طلّاب العلوم السياسيّة دراستهم تلك المادّة بالإيطاليّ نيكولو ماكيافيللي والفرنسيّ جون بودان: الأوّل لنظريّته في فصل أخلاقيّة السياسة عن الأخلاقيّات بمعناها الشائع، والثاني بسبب نظريّته في السيادة.
يمكن اقتراح بداية مختلفة لدراسة العلوم السياسيّة يطغى فيها التطبيق العمليّ على الاجتهاد النظريّ، على أن تُشتَقّ الخلاصات النظريّة من ذاك التطبيق في وقت لاحق. يمكن، في حالة الطلّاب اللبنانيّين مثلاً، اقتراح كتيّب تعليميّ يكون دليلاً (manual) يُرشد الطلّاب الجدد إلى كيف لا يكون الحكم حكماً، وكيف لا يكون الحاكم حاكماً، قبل أن يُستنتَج كيف يكون الحكم حكماً والسياسة سياسة. بطل هذا الكتيّب، ومن دون منازع، سيكون الرئيس اللبنانيّ الحاليّ. معه، مع رئاسته، يُبدأ بالخرافيّ، بالذي لا يمكن، فضلاً عن كونه لا يجوز، كمدخل إلى فهم نقيضه الواقعيّ الذي يمكن ويجوز.
صحيح أنّ عون ليس الصانع الوحيد للمأساة اللبنانيّة الراهنة، ولا هو الصانع الأوّل. مع هذا، وبسبب استمراره في رئاسة الجمهوريّة، فهو ممثّلها، والرمز الذي يوفّر غطاءها الشرعيّ. إنّه، رسميّاً، المسؤول الأوّل عنها والمُطالَب الأوّل بعلاجها. وبهذا المعنى، يبقى من المستغرب أن يكون انتقاده، إنْ لم يكن هجاؤه، أقلّ كثيراً ممّا تدفع إليه مأساة كهذه.
أغلب الظنّ أنّ الاقتصاد النسبيّ في النقد المكتوب عائد إلى خرافيّة الأوضاع التي ترتبط بعون. هذا ما يتولّاه الكلام الشفويّ المتخم بالانتقادات القاسية التي تتردّد في البيوت والشوارع. النصوص الكتابيّة، في المقابل، يحول العقلانيّ فيها دون امتلاك التعابير التي تصفه. فكرة البناء التي يستدعيها النصّ تطرد منها هلهَلة الخرافة.
فميشال عون هو اليوم الرئيس المضادّ لفكرة المعنى نفسها، بل للمعاني التي شاء هو ذاته أن يقدّمها كمعانٍ جليلة متماسكة: إذا قيسَ بقياس الوصف القائل إنّه «رئيس الجمهوريّة القويّ»، أو إنّه «حامي حقوق المسيحيّين ومصالحهم»، أو إنّه رمز «استعادة الدولة هيبتَها»، أو إنّه ضامن «السيادة والاستقلال اللبنانيّين»، جاء استقبال الكلام أشبه باستقبال مهزلة مصحوبة إمّا بالقهقهة المتمادية أو بالكلام البذيء. وهي النتيجة نفسها التي تداهمنا حين نتعامل مع وصفه ووصف محازبيه له كمكافح للفساد والمحسوبيّات ذات المصدر العائليّ، أو كـ «بيّ الكلّ» (أبي الكلّ) الحريص على أبنائه فرداً فرداً والبالغ الحساسيّة حيال معاناتهم.
وإذا كان مفهوماً أنّ بلداً كلبنان يستبعد الانقلاب العسكريّ، وأنّ سلاح «حزب الله» يزيد في استبعاد التغيير الشعبيّ والمدنيّ، ظلّ من المدهش أنّ الموقع الذي يحتلّه عون، نيابةً عن الوضع الراهن وعن فداحة مأساته، لا يسنده حدّ أدنى من الكاريزما. لا هو عبد الناصر ولا بيرون، ولا حتّى حافظ الأسد. إنّ هذا الرجل بمواصفات شديدة التواضع يفعل ما يفعله!
لقد بات رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة يشخصن عدداً من الافتقارات والنواقص التي يرفدها سجلّ سياسيّ شديد التقلّب، وهو ما بات معروفاً جيّداً. صحيح أنّه ليس كلّ المشكلة، ولا هو أصل المشكلة، لكنّ استقالته لو تمّت لوفّرت مدخلاً لمعالجتها، أو حتّى لترقيعها. معه، يبدو الترقيع، حتّى الترقيع، صعباً جداً.
هذا بالفعل درس باهر في كيف لا تكون السياسة سياسة، ولا الحكم حكماً، فيما يكونان فعليّاً كذلك. وهو درس في كيف تستطيع الخرافة أن تتربّع في قصر جمهوريّ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف لا يكون الحاكم حاكماً كيف لا يكون الحاكم حاكماً



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt