توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إلى الطوائف والعشائر... در

  مصر اليوم -

إلى الطوائف والعشائر در

بقلم : حازم صاغية

في 2015، حين انفجرت مشكلة النفايات في لبنان، داهمتنا حالة غريبة: كلّ اللبنانيّين، بلا أيّ استثناءٍ طائفيٍّ أو مناطقيٍّ، يعانون المشكلة. في الوقت نفسه راحت قرى وبلدات كثيرة تصرخ: لا تطمروا نفايات «الغرباء» عندنا. «الغرباء» لم يكونوا سوى أبناء قرى وبلدات ملاصقة للقرى والبلدات المُحتجّة.
اليوم، مع الانهيار الكبير، تُسمع صرخة مشابهة في محطّات البنزين: «غرباء» يملأون سيّاراتهم في محطّاتـ«نا» ومن وقود«نا».
انبعاث الولاءات الصغرى، بعد اكتمال الانحطاط الذي ضرب الدولة والسياسة وجفّف الاقتصاد، صار أوسع وأشمل وأعلى صوتاً ممّا كان في 2015. قبل شهر مثلاً، وفيما كانت تحلّ الذكرى السنويّة الأولى لتفجير مرفأ بيروت، اندلعت اشتباكات ذات خلفيّة ثأريّة بين «حزب الله» و«العشائر العربيّة» في خلدة، جنوب العاصمة. الاشتباكات سقط فيها قتلى وجرحى.
يومذاك قيل أنّ الطائفيّة كشفت وجهها المسلّح، لأنّ الطرفين المتقاتلين شيعيّ وسنّيّ. لكنّ الأيّام الأخيرة أظهرت أنّ الأمر يتعدّى الطائفيّة إلى ما بين الطائفة نفسها. في عكّار، في شمال لبنان، استُخدمت الأسلحة المتوسّطة والثقيلة بين بلدتي فنيدق وعكّار العتيقة السنّيّتين، فسقط قتيل من كلّ منهما. الاشتباكات حصلت على خلفيّة قطع حطب في منطقة متنازع عليها بين البلدتين.
حال مدينة طرابلس وصفتْه جريدة «النهار» على النحو التالي: «دخلت المدينة اليوم شوطاً من الفلتان الأمنيّ المتدحرج في سائر مناطقها، لا سيّما في متفرّعاتها الشعبيّة، حيث تخرق سماءها ليلاً قنابل يدويّة، خصوصاً في محيط نهر أبو علي، فتتحوّل أحياؤها إلى ساحات للتصفيات بالسّلاح».
الزميل يوسف بزّي كتب عن «حرب تعبئة البنزين» التي قد تغدو، في أيّة لحظة، مواجهة مسلّحة بين الكلّ والكلّ. لقد وصفها بالتالي: «الزعران سيأتون ويحاولون اختراق الطابور. فتيان الدراجات الناريّة سيقتحمون المحطّة بالتأكيد. أصحاب النفوذ بسيّاراتهم الضخمة وزجاجها الداكن، هم أيضاً سيستولون على دَورنا بحقارة علنيّة ووقاحة استعراضيّة. دوريّات الأمن التي ستنظّم وتضبط، هي أيضاً ستصحب معها سيّارات المحظيّين وتمنحهم الأولويّة، عدا الغالونات التي سيملأونها قبل سيّاراتنا...».
هذا التذرّر الاجتماعيّ ليس جديداً، وإن بلغت درجة انفجاره الحاليّ مستوى غير مسبوق. الأشياء التي كانت ترعى التذرّر وتُديمه كثيرة: سياسة تقوم على توزيع الحصص، واقتصاد خدميّ لا يدمج السكّان ولا يخفّف من تنافرهم، وقانون انتخابيّ يردّ المقترعين إلى مسقط الرأس... العلاجات الرسميّة كانت بدورها تافهة: حتّى الشهابيّة، التي حقّقت إنجازات جدّيّة، توهّمت حلّ المشكلة الطائفيّة عند المسلمين بتسليم السياسة الخارجيّة لجمال عبد الناصر ففاقمت المشكلة الطائفيّة عند المسيحيّين، خصوصاً بعدما أسقطت في الانتخابات النيابيّة بعض أبرز رموزهم. توهّمت أيضاً حلّ المشكلة العشائريّة بانتزاع العشائر من الأجهزة الأمنيّة السوريّة وربطها بالأجهزة اللبنانيّة.
على العموم، وكائنة ما كانت العلاجات، ظلّت قدرة الحرب على التهديم أكبر من قدرة الدولة على البناء. الأحقاد والمخاوف من جهة، وفرز المناطق طائفيّاً من جهة أخرى، صلّبت حالة الصفاء وأبلسة الآخر. في وقت لاحق، عزّز سلاحُ «حزب الله» إحساس أكثريّة اللبنانيّين بضرورة الحماية الذاتيّة.
لكنّ فضيحة الأفكار لم تكن أقلّ من فضيحة الدولة. فاللبنانيّون عرفوا صحوة لبنانويّة قالت لهم: كونوا لبنانيّين وتوحّدوا كأسنان المشط في لبنانيّتكم. ثمّ عرفوا صحوة عروبيّة قالت لهم: قفوا صفّاً واحداً لتحرير فلسطين، أو أقلّه لمقاتلة إسرائيل. وأخيراً، عرفوا صحوة إسلاميّة رعاها «حزب الله» قالت لهم: اتّحدوا وراء السلاح الذي يحميكم. وعلى الهامش، كانت هناك دوماً صحوة طبقيّة تقول لهم: اتّحدوا تبعاً لمصالحكم في مواجهة أعداء طبقيّين.
أصحاب هذه الصحوات، المبشّرون بوحدةٍ ما تنهي البعثرة والتشتّت، راهنوا كلّهم على قضيّة جامعة تُغري بالتوحيد: اللبنانويّون رأوا القضيّة في بناء بلد تصاغ إنجازاته فولكلوريّاً. العروبيّون والإسلاميّون رأوها في إسرائيل. اليساريّون، في البورجوازيّة الكومبرادوريّة أو الطغمة الماليّة معطوفتين على إسرائيل. لكنّهم كلّهم كانوا يطالبون قطاعاً عريضاً، إن لم يكن أكثريّاً، بنسيان أشياء عزيزة عليهم، إمّا دينيّة أو مذهبيّة أو ثقافيّة. هذه المطالبة بالنسيان بلغت ذروتها مع «حزب الله» الذي طالب السنّة والمسيحيّين والدروز أن يكفّوا عن كونهم سنّة ومسيحيّين ودروزاً وأن ينخرطوا في مشروع شيعيّ.
الصحوة الوحيدة التي كانت صريحة وواضحة هي صحوة الطوائف والعشائر حين لا يرافقها تزويق آيديولوجيّ: كانت، ولا تزال، تقول: تذكّروا أنّنا متكارهون، ولا تنسوا أنّ ما من قضيّة تجمع بيننا.
وحين تنحطّ الدولة، كما هو الحال الآن، يغدو التذكّر الطائفيّ والعشائريّ هو التذكّر الوحيد لشيء ملموس والإحراز الوحيد لعوائد ملموسة. الدولة، في المقابل، هي الجحيم، وأصحاب الصحوات المشوبة بالآيديولوجيا هم الجنّة المُتوهَّمَة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إلى الطوائف والعشائر در إلى الطوائف والعشائر در



GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt