توقيت القاهرة المحلي 12:04:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل يعمِّق الشرق الأوسط الانقسام الأميركي؟

  مصر اليوم -

هل يعمِّق الشرق الأوسط الانقسام الأميركي

بقلم - إميل أمين

 

هل كان المجتمع الأميركي في حاجة إلى المزيد من مسببات الانقسام، لتأتي المواجهات المسلحة مؤخراً في الشرق الأوسط، لتعمِّقها على معظم الأصعدة، سياسياً ومجتمعياً، عقائدياً وفنياً، إعلامياً وأدبياً؟

المؤكد أنه لم تكن أميركا في يوم من الأيام، منقسمة في داخلها، كما حالها في حاضرات أيامنا، وقد كان الجميع يتوقع أن تنطلق معركة المشارعات والمنازعات الكبرى، على عتبات الانتخابات الرئاسية القادمة 2024، غير أن نوازل صراع غزة، وردّات الفعل الإسرائيلية، عجَّلت بالموعد.

غريب شأن الداخل الأميركي هذه الأيام، فقد درج الأميركيون تاريخياً، على نُصرة إسرائيل في كل الأحوال، غير أن المتابع لما يحدث هناك من بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، يدرك أن شيئاً ما تغيَّر في المزاج الأميركي. لتكن البداية من قلب الدبلوماسية الأميركية، حيث تتبدى هناك حالة إحباط واسعة لدى قطاع عريض من الدبلوماسيين، غير القابلين لمواقف إدارة بايدن.

لم يتوقف المشهد عند مجرد المشاعر أو الأحاسيس، بل تحول إلى ما يشبه الحركة التي تنذر بتمرد يختمر في الأروقة، وفق صحيفة «هافنغتون بوست»، التي أشارت إلى تجاهل وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وكبار مستشاريه لما يجري، لا سيما في ضوء إعداد المعترضين «وثيقة معارضة» رافضة للنهج الأميركي تجاه الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

بعض هؤلاء مثل الدبلوماسي المخضرم جوش بول تقدم باستقالته بالفعل، ما عُدّ خسارة كبرى للوزارة. مثل هذه الوثائق المعارضة، لا سيما إذا كانت جماعية، تعكس في واقع الأمر «طريقة حيوية لرفع وجهات النظر المعارضة من دون الخوف من تلقي ضربات انتقامية، لأن سياسات الوزارة تمنع الانتقام من الأشخاص الذين يستخدمونها».

يتساءل المراقبون لمشهد الخارجية الأميركية: «هل ما يحدث انقسام أم تغيير جوهري في مكونات الدبلوماسية الأميركية؟».

الجواب يحتاج لقراءة قائمة بذاتها، وبخاصة في ظل الفارق الكبير بين الخارجية الأميركية في عام 1967 واليوم، حيث التركيبة الديموغرافية للبلاد تتحول في غير صالح جماعات «الواسب»، والموالين لإسرائيل بشكل مطلق، المتحررين من النظريات الدوغمائية التاريخية التي ربطت بين أميركا التي عدّها البعض أرض كنعان الجديدة، وبين إسرائيل التوراتية التي كانت.

هنا تبدو النتيجة الحتمية، صعود فريق جديد في داخل صفوف الدبلوماسية الأميركية، يأخذ في الاعتبار مستقبل العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة الأميركية، وبقية العالمين العربي والإسلامي، فهناك من هو حريص عليها، ضمن رؤى استشرافية تتجاوز الأطر القديمة، ومن غير خوف من توجيه اتهامات بمعاداة السامية في الداخل الأميركي. تقودنا لفظة السامية إلى الانقسام الذي طال التجمعات اليهودية الأميركية، التي كانت ولا تزال من أهم ركائز دعم دولة إسرائيل من خلال «اللوبي اليهودي» الشهير.

بدأ الاهتمام الإسرائيلي بحال ومآل اللوبي بنوع خاص، بعد أزمة حرب السويس 1956. حيث ضغط أيزنهاور على إسرائيل للانسحاب، ويومها أدرك قادة الدولة العبرية، كما تحدّث بن غوريون أن «أي كونغرس قوي قادر على تدمير إسرائيل بأقوى صورة من الجيوش العربية».

اليوم يزداد انقسام هذا اللوبي، الذي انشقّت منه بالفعل جماعة عريضة مثل «جي ستريت»، الرافضة للنهج الإسرائيلي التي تَعد تصرفات حكومات تل أبيب في آخر عقدين بمثابة كارثة تصب على رأس اليهود في العالم كله. تابعَ العالم المظاهرات الحاشدة للجماعة اليهودية العلمانية، «منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام (JVP)»، التي ارتفع صوتها قائلة: «نحن نرفض مشاهدة ارتكاب الحكومة الإسرائيلية إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة».

تؤمن الجماعة، حسب منشوراتها، بأن «جذر العنف هو القمع»، ولهذا احتشدوا داخل الكونغرس، في إشارة رمزية لا تخلو من الدلالات، كي يُعدل صاحب الموازين، ساكن البيت الأبيض من الاختلالات الجوهرية في سياساته الدولية.

عُرف يهود نيويورك بنوع خاص بحضورهم الفاعل في دعم إسرائيل، وقد تابع صاحب هذه السطور في مايو (أيار) 1998، أي في الذكرى الخمسين لمولد دولة إسرائيل، كيف تم إغلاق شوارع مانهاتن للاحتفال بالحشود المؤيدة.

اليوم يشارك المئات من أعضاء الجالية اليهودية في نيويورك رفضاً للاعتداءات ضد غزة، وقد حمل بعضهم لافتات كُتب عليها: «اليهود يقولون أوقفوا الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين»، فيما يصرح البعض الآخر بالقول: «كيهود نحن هنا اليوم لنقول: لا تفعلوا هذا باسمنا. ليس باسمنا». الرافضون من اليهود الأميركيين المتدينين، مثل جماعة «ناتوري كارتا» أو «حراس المدينة»، وهي حركة عقائدية تأسست عام 1935 وترفض قيام دولة يهودية، انضموا بدورهم إلى هؤلاء وأولئك. بلغ الانقسام تجاه معارك الشرق الأوسط ساحة هوليوود، وقد جرى العرف أنها منصة إطلاق صواريخ فنية، تدعم السياسات الأميركية المؤيدة لإسرائيل كافة. غير أن المشهد هذه المرة أخذ يتحول بدوره، فعلى الرغم من قيام عدد من مشاهير هوليوود بالتوقيع على رسالة لدعم قوات الاحتلال، فإن طائفة أخرى، ومن بينهم الكوميدي جون ستيورات وخواكين فينيكس وغيرهما، وجّهوا رسالة إلى الرئيس الأميركي بايدن يحثونه فيها على الضغط من أجل وقف إطلاق النار في إسرائيل وغزة.

الانقسامات الأميركية طالت الكثير من الإعلاميين والكتاب، والأدباء والمبدعين، ما يقطع بأن شيئاً ما عميقاً تغيَّر في العقلية الأميركية.

أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة «سي بي إس نيوز» أن 56 في المائة من المشاركين لا يوافقون على تعامل بايدن مع الأزمة الراهنة، في حين يعتقد 53 في المائة أنه لا ينبغي للولايات المتحدة أن ترسل لإسرائيل المزيد من الأسلحة. نسبة عدم الموافقة على تعامل إدارة بايدن بين الناخبين الجمهوريين وصلت إلى 72 في المائة، فيما ذهب 61 في المائة من الديمقراطيين إلى ضرورة أن يبذل بايدن المزيد من الجهد لتشجيع الحل الدبلوماسي وبعيداً «عن لغة البندقية».

هل أميركا على مشارف المزيد من التشظي والانقسام؟ ومَن سيدفع الثمن: بايدن من فرصة رئاسة ثانية، أم الإمبراطورية المنفلتة من استقرارها في الداخل أول الأمر، ووزنها الأخلاقي في الخارج تالياً؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يعمِّق الشرق الأوسط الانقسام الأميركي هل يعمِّق الشرق الأوسط الانقسام الأميركي



GMT 06:36 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

الهوس بالمرأة

GMT 06:30 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

لطمة كبرى!

GMT 06:28 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

فلتبدأ الوزيرة فؤاد

GMT 06:25 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

نبوءةُ الرجل المثقف!
  مصر اليوم - أول تعليق من حماس على إعلان فلسطين دولة مستقلة

GMT 10:59 2024 الأربعاء ,22 أيار / مايو

وقت ممارسة الرياضة مهم لفقدان الوزن
  مصر اليوم - وقت ممارسة الرياضة مهم لفقدان الوزن

GMT 06:15 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

نيكي هايلي تخرج عن صمتها وتعطي صوتها لترامب
  مصر اليوم - نيكي هايلي تخرج عن صمتها وتعطي صوتها لترامب

GMT 06:44 2024 الخميس ,23 أيار / مايو

أفضل 10 وجهات سياحية دافئة للشتاء

GMT 02:42 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

جدول ترتيب الدوري الإيطالي عقب فوز ميلان على تورينو

GMT 23:03 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عائلة مشجع الزمالك تناشد مرتضى منصور لمساعدته

GMT 01:01 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اغسلي المفارش الهندي بالطريقة الصحيحة

GMT 21:30 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عاشور يؤدي جلسة في الجيم ومروان يواصل التأهيل في مران الأهلي

GMT 19:45 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

طائرة الأهلي تحقق الفوز ال83 على التوالي

GMT 14:15 2019 الثلاثاء ,16 إبريل / نيسان

هرتا برلين يُنهي تعاقده مع مدربه نهاية الموسم

GMT 23:57 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

تدشين مشروع لاكتشاف المواهب في الملاعب المصرية

GMT 09:23 2019 الأربعاء ,27 شباط / فبراير

طريقة إعداد وتحضير ماكرون فرنسي ملون
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon