توقيت القاهرة المحلي 01:14:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مفكرة القرية: أشكال الظل

  مصر اليوم -

مفكرة القرية أشكال الظل

بقلم - سمير عطا الله

لم يكن أيٌّ منَّا يملك لعبةً مصنعةً. أي لعبة. لذلك علينا أن نخترع. أن نتخيل. وأن نجعل من الأشياء أشياء أخرى. كل حسب مهارته. من قضبان التوت، ومن القصب، ومن الورق. نصنع سيارات وطائرات وخيولاً ونسابق الريح حتى المساء. وكان حلول المساء مزعجاً، يرغمنا على العودة إلى البيوت.

وكان وصول المساء إلى الساحة يعلن عن نفسه من خلال تغير ظلنا على الأرض. يروح يطول وتبهت كثافته، ويظل يلازمنا كأنه يشاركنا مسابقات النهار، إحدى ألعاب اليوم. في الشتاء، لم يكن هناك ظل. لأنه لم تكن هناك شمس. وكان عتم. والغروب يحل ساعة يشاء، تحمله غالباً سحب ملبّدة، داكنة، وتبعث الخوف مما تحمل في عبابها.

لم نكن نحبّ الشتاء، وأكثر أولاد الضيعة ليس لديهم ما يكفي من ثياب الدفء. ولا من يملك شيئاً من ألعاب الداخل. وكنا نفتقد خصوصاً إلى لعبة الظل. نمازحه، نهرب منه، نعود إليه، يطول، يقصر، نقلده، يقلدنا، نخادعه، يخادعنا، يبدد الوقت معنا، ويسلينا.

ذات يوم قمنا إلى الساحة، فوجدنا أن ثمة من سبقنا إليها. رجال غرباء ومعهم آلات وحبال حديدية ضخمة، وكانوا يعملون بانهماك شديد، ولا يلتفتون إلى أحد. ثم ازداد عدد الفضوليين من أهالي الضيعة. وبدأ الهمس يعلو. إنها الكهرباء، وهؤلاء «المعلمون» يمدّونها بدءاً بالساحة. شعرنا بفرح. لكن الأكثر معرفةً بيننا حذّر من أن الكهرباء سوف تخرّب علينا لعبة القامة والظل. سوف تضيء الساحة ويتلاشى الفارق بين الغياب الطبيعي والنور الاصطناعي. هذه لعبة أخرى نفقدها.

ودار نقاش، وكان بعضنا حفاةً. وقال صبي عنيد ومتفلسف ومتكبّر إن الكهرباء شيء عظيم. وسوف يكون في إمكاننا أن ندرس ونكتب فروضنا على أضواء الساحة. بل ثمة ما هو أهم من ذلك بكثير يا أولاد. سوف نتمكن من التحدث إلى البنات من خلف الشبابيك. ولتذهب الظلال حيث تشاء، فمن هو الأهم، قال الفيلسوف، الظل أم الحقيقة.

لم نكن ندرك أن ثمة متغيراً أكثر عمقاً في عالم الساحة ودنياها: نحن! نحن، الواقع، كنا ننمو ونكبر. ولم نعد نلتفت إلى الظل، نداعبه ويلاعبنا. وصار الحفاة منا، يسمعون ملاحظات جارحة: تدبروا الأمر. لا تأتوا حفاة إلى المدرسة. وذات ليلة قررت أن أحصي أملاكي وموجوداتي قبل النوم: قصب، وبزر مشمش، وطائرة ورق، وكمشة حصى ملونة بدل «الكلل» المرمرية، وكتاب عتيق لتعليم الإنشاء، وقلم «كوبيا» بنفسجي الحبر. ولم يفتني أن أعدد ظلي ضمن الممتلكات. لكن على أي درجة؟ على أي طول، على أي وقت؟ الضحى أم الزوال أم العصر؟ إنه مثلي، تماماً، يتغير مع الشمس، أحياناً يسير جنبي، أحياناً يسير خلفي، أحياناً. لكنه نادراً، أو أبداً، ما يهتم بالتفاصيل. فهو، مثلاً، حاف على الدوام. كما أنه مثال صاحبه، لا يغني. ويحلم كثيراً، خصوصاً في صحوه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية أشكال الظل مفكرة القرية أشكال الظل



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

نادين نسيب نجيم تتألق بإطلالات لافتة في عام 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 00:46 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يهدد بضربة عسكرية ضد طهران ويطالب حماس بنزع السلاح
  مصر اليوم - ترامب يهدد بضربة عسكرية ضد طهران ويطالب حماس بنزع السلاح

GMT 15:46 2025 الإثنين ,29 كانون الأول / ديسمبر

انخفاض جماعي في أسعار المعادن والفضة تهوي لأقل من 80 دولارًا
  مصر اليوم - انخفاض جماعي في أسعار المعادن والفضة تهوي لأقل من 80 دولارًا

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 09:35 2025 الأحد ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

الرقة والأناقة ترافق العروس آروى جودة في يومها الكبير

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 12:36 2017 الخميس ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

زهير مراد يستوحي تصاميم الخريف من عالم الأساطير

GMT 05:47 2022 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فيرستابين بطلا لجائزة المكسيك الكبرى للفورمولا 1

GMT 03:43 2021 السبت ,01 أيار / مايو

تامر حسني يطرح بوستر فيلم ”مش أنا”

GMT 03:30 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الدفاع يغادر إلى البرتغال لدعم علاقات التعاون العسكري

GMT 09:04 2020 الإثنين ,27 إبريل / نيسان

تعرف على مواعيد قطارات السكة الحديد الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt