توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحي والضفتان

  مصر اليوم -

الحي والضفتان

بقلم - سمير عطا الله

كان اسمه «الحي اللاتيني»، وقلائل كانوا يعرفون، أو يهمهم أن يعرفوا، لماذا سُميَّ كذلك. لكنه كان يعني حيّ النخبة وحيّ الجامعات، ومنها السوربون، وحيّ المثقفين وحيّ الكتّاب، وحيّ الفنانين، وحي الجدل والنقاش، واليسار والتائهين والمتمردين والشباب والرفض، والمطاعم الرخيصة، والطالبات بجدائل ثورية، والمكتبات المدرسية على طول بوليفار السان ميشيل وكآبته، ومكتبة الفلسفة، وكلية الطب، ورصيف الذين بلا مأوى، والرجال الذين يحدثون أنفسهم في الشوارع، والهارعين إلى سماع المحاضرات قبل امتلاء المقاعد وفيض القاعات.

كانت تسمى أيضاً باسمها المعاصر، «الضفة اليسرى»؛ لأن «الحيّ اللاتيني» من القرون الوسطى، يوم كان العلم كله باللغة اللاتينية. ثم انقرضت إلاًّ عند الأرستقراطيين والمتفذلكين وطويلي البال. وقد أمضيت ردحاً من زمني وشبابي في الحي اللاتيني لا أملك حق العبور إلى الضفة اليمنى، حيث الهندام أكثر كلفة، والمطاعم أكثر صعوبة، والفتيات أكثر دقّة. ومع العمر، خرجت من دائرة الحي اللاتيني طوعاً، تاركاً المكان للشباب الجدد والقادمين إلى باريس لكي يتقدموا إليها لطلبات الأحلام، والكتب، والحصول على شهادة التشرد، على ضفاف السين. بدرجة امتياز.

أصبحت غريباً في الضفة اليسرى، ومغترباً في الضفة اليمنى. وصرت إذا عدت إلى مقهى اللوكسمبور أشعر أنني وصلت للتو من النصف الأول من القرن السابع عشر. تغير كل شيء. الآن أشعر أنني وصلت إلى «كوينز» في نيويورك. المكتبات تبيع بناطيل جينز، ووجبات هامبورغر وسجق. ولا أعرف إلى أين ذهب الحي اللاتيني من هنا. ولا عاد أحد يعرف ماذا تعني بالاسم الرومانسي «الضفة اليسرى». كل الضفاف خلعت عنها نهر السين. ولم تعد باريس حريصة على أنها تاج المدن وعروس الأنهر. مدينة تمضي في طريقها على عجل. وبين حين وآخر ينزل حطّابو الجمال إلى الشوارع ومعهم حجارة وبشاعات وسخافات الثورة البالية. لم تخرج الثورة الفرنسية من الحي اللاتيني. خرجت من مكان أبعد قليلاً يدعى الباستيل، أو ساحة الباستيل. وترجمته السجن المريع. وقد حطّمه الفرنسيون في سبيل الحرية، لكن لا أحد يعرف لماذا يحطّمون المدينة اليوم. وضد من هذا التوحش. كان يقال إن نسبة المثقفين في المتر المربع في الحي اللاتيني هي الأكثر كثافة على وجه الأرض. لا أعرف من هي المدينة التي تملك هذا التميز الآن. محزن أنها ليست مدينة الضفة اليسرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحي والضفتان الحي والضفتان



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 01:52 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة
  مصر اليوم - منى واصف تكشف عن أمنيتها بعد الوفاة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon