توقيت القاهرة المحلي 12:08:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الميراث القاتل

  مصر اليوم -

الميراث القاتل

بقلم - د. محمود خليل

كلمة الميراث من الكلمات التى تحمل معانى إيجابية إذا كان الموروث قيمة، أو حيازة، أو مالاً، أو غير ذلك من عناصر تحسن شروط الحياة، أما إذا كان المتروك للورثة مشكلات، فإن الكلمة تمسى شديدة السلبية، وما أكثر ما يتردد على لسان الوارث فى مثل هذه الأحوال: «مات واستريح وساب لنا المشاكل».

ومن أصعب أنواع المشاكل التى يمكن أن تظهر فى هذا السياق هى مشكلة الديون التى يمكن أن تكون على الراحل ويتوجب على الوارث أن يسددها، والديون أشكال وألوان.لم يمت الخديو إسماعيل بعد عزله من عرش الخديوية المصرية عام 1879، بل عاش فى إسطنبول، وأورث ولده «توفيق» الحكم.

يحكى الزعيم أحمد عرابى فى مذكراته أن «توفيق» جمع رجال الدولة -ومن بينهم «عرابى»- فى عزومة رمضانية وأسرَّ إليهم بحديث دار بينه وبين أبيه «إسماعيل»، قال لهم فيه إن أباه «إسماعيل» ركب الباخرة المحروسة التى ستقله إلى نابولى وفى حوزته 13 مليون جنيه، ثم أردف: «يا ليته ترك للحكومة ولو ستة ملايين لإصلاح شأنها»!.

اللافت أن «توفيق» فضفض بعد ذلك بحديث أسرَّ به «إسماعيل» إليه أثناء وداعه بمحطة مصر.

فقد عانق «إسماعيل» نجله واغرورقت عيناه بالدموع وقال له: «لقد اقتضت إرادة سلطاننا المعظم أن تكون يا أعز البنين خديو مصر.

فأوصيك بإخوتك وسائر الآل براً.

واعلم أنى مسافر وبودى لو استطعت قبل ذلك أن أزيل بعض المصاعب التى أخاف أن توجب لك الارتباك»!.

تركة ثقيلة بالفعل خلَّفها «إسماعيل» لولده، فناهيك عن الأزمة المالية التى عصفت بالبلاد، كان هناك التدخل الأجنبى من جانب إنجلترا وفرنسا، والذى مهد للاحتلال الإنجليزى فيما بعد، وكان هناك الحراك الثورى الذى قاده «عرابى»، وحالة الغضب والاحتقان التى تسيطر على الشعب.

تفاعلت المشكلات التى ورثها «توفيق» عن أبيه، فزادت وطأتها عليه، وحاصرته من كل اتجاه، وبلغت الأحداث ذروتها بمذبحة الإسكندرية، وبدأ التدخل الإنجليزى فى مصر، وقرر الخديو، فى مواجهة ذلك، عزل «عرابى» من منصبه كناظر للجهادية والبحرية، لم يسكت «عرابى» على الخطوة فدعا إلى مؤتمر عام للقوى الوطنية انعقد فى ديوان الداخلية يوم 6 رمضان 1299 تصدره مشايخ الإسلام.

اتخذ المجتمعون قراراً سياسياً خطيراً، بعزل «توفيق» من خديوية مصر بناء على فتوى شرعية من الشيخ العارف بالله شيخ الإسلام والمسلمين السيد محمد عليش، وشيخ الإسلام الشيخ حسن العدوى، كما يذكر أحمد عرابى فى مذكراته.

ونصت الفتوى على مروق الخديو توفيق باشا، وخيانته لدينه، ووطنه وانحيازه لعدو بلاده!.

الكلام كان خطيراً على المستوى النظرى، لكن عملياً لم يكن بمقدور «عرابى» ومشايخه تفعيل هذا القرار على الأرض.

تواجه «عرابى» ومؤيدوه من الأهالى مع الإنجليز، ولهجوا فى الشوارع كما يسجل «عرابى» فى مذكراته: «اللهم إن تهلك هذه العصابة الموحدة - يقصد عرابى ومن معه- فلن تعبد بعدها فى مصر. اللهم عليك بالإنجليز.

اللهم اشدد وطأتك عليهم، وأنزل بهم بأسك الذى لا ترده عن القوم المجرمين، اللهم إنا نجعلك فى نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، اللهم احصدهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا ترد منهم أحداً، إنك على كل شىء قدير»!.

وكانت الهزيمة.عاش الخديو توفيق بعد الاحتلال عشر سنوات حتى عام 1892، هده فيها المرض، والإحساس بالإحباط والعجز عن حل المشكلات التى ورثها عن أبيه، وانتهى به الأمر إلى «قصر حلوان» الذى حاول عبثاً الاستشفاء فيه، حتى وافته المنية فى 7 يناير 1892، فى حين كان أبوه «إسماعيل» لم يزل على قيد الحياة، ويعيش فى إسطنبول، حيث مات بعد رحيل ولده بثلاث سنوات، عام 1895.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الميراث القاتل الميراث القاتل



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 08:11 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

رحلة سياحية لاكتشاف فرنسا بعيون جديدة في عام 2026
  مصر اليوم - رحلة سياحية لاكتشاف فرنسا بعيون جديدة في عام 2026

GMT 08:26 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

نباتات تضيف لمسة طبيعية إلى ديكور منزلكِ في 2026
  مصر اليوم - نباتات تضيف لمسة طبيعية إلى ديكور منزلكِ في 2026

GMT 17:18 2025 الثلاثاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يوضح موقفه من المناورات الصينية حول تايوان
  مصر اليوم - ترامب يوضح موقفه من المناورات الصينية حول تايوان

GMT 11:45 2025 الأربعاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

ناسا تحدد “الموقع المثالي” للهبوط البشري على المريخ
  مصر اليوم - ناسا تحدد “الموقع المثالي” للهبوط البشري على المريخ

GMT 09:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العقرب الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:55 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الأسد الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحمل الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:56 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 03:47 2018 الجمعة ,05 كانون الثاني / يناير

المقاولون العرب يفوز على المقاصة بهدفين نظيفين

GMT 02:11 2016 الثلاثاء ,09 آب / أغسطس

باسم مرسي يتسبب في اصابة سعد سمير

GMT 12:49 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

اجتماع امني بين مصر واسرائيل حول معبر رفح ومحور فيلادلفيا

GMT 08:22 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

وصفات طبيعية للعناية بالشعر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt