توقيت القاهرة المحلي 12:45:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قول يا باسط

  مصر اليوم -

قول يا باسط

بقلم - د. محمود خليل

كثيرون يقولون إن أبناء العصر الحالى يعانون إفلاساً على مستوى الأخلاق، قياساً إلى أبناء عصور سابقة تمتعوا بثراء أكبر على هذا المستوى، وهم من هذا المنظور يؤكدون على النظرية التى تذهب إلى أن منحنى الأخلاق يسير -مع مرور الزمان- إلى أسفل، شأنه شأن العديد من المنحنيات الأخرى المعبرة عن عناصر الحياة. وما أكثر ما تسمع منهم كلاماً عن الزمن الجميل أو الماضى الأكثر اتزاناً وإنسانية مقارنة بالزمن الحاضر.

تبدو الحقيقة فى تقديرى غير ذلك. فمنسوب الأخلاق منخفض بين البشر فى كل العصور، ومساحات القبح فى علاقاتهم ببعضهم البعض تزيد على مساحات الجمال. يمكن أن نستدل على ذلك من العديد من آيات القرآن الكريم التى تتحدث عن تراجع الأخلاق عموماً لدى غالبية الأفراد داخل أى مجموع بشرى.

يقول الله تعالى: «وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ».. ويقول: «وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ».. ويقول: «وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ».. ويقول: «إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ».. وقس على ذلك آيات كريمة عديدة تؤكد على حقيقة انخفاض منسوب الأخلاق بين البشر، على اختلاف الأزمنة والأمكنة، وأن غالبيتهم هذا.. ولا ينجو من هذا التيار الغالب إلا الأقلية القليلة.

لذلك فلا تفكر فى منسوب التدين كمؤشر على منسوب الأخلاق داخل مجتمع معين. مؤكد أن المتدين الحقيقى يعتمد فى سلوكياته قيم الدين وأخلاقياته، وبالتالى يرتقى فى أدائه مع الآخرين، لكن كم من المتدينين تمكنت منهم المعانى الحقيقية للدين، وكم منهم يعد تدينه عملة مزيفة فى سوق كثر فيه المزيفون. لقد كان الإمام الحسين يقول: «الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم.. يدارونه ما دارت معايشهم.. فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون».. فتدين البعض يشبه العملة المزيفة التى سرعان ما يكتشف زيفها عند أدنى اختبار أو أقل ابتلاء.

العامل الأهم والأشد تأثيراً فى منسوب الأخلاق الإنسانية فى أى زمان أو مكان هو العرف. فابن آدم يمكن أن يخضع للأعراف الاجتماعية أكثر مما يخضع للدين. وكأن سلطان العرف أقوى من سلطان الدين. والعرف يشتمل على قائمة المعايير التى تحدد المقبول أو غير المقبول اجتماعياً فى سياق مجموعة بشرية معينة فى إطار زمكانى معين.

عندما كتب نجيب محفوظ رواية «القاهرة الجديدة» ليعبر فيها عن أحوال المجتمع المصرى فى الثلاثينات من القرن الماضى -أى منذ ما يقرب من 100 سنة من الآن- قدم لنا شخصيتين رسم من خلالهما الحالة الأخلاقية التى كانت تميز قطاعاً لا بأس به من المصريين حينذاك، سواء كانوا متعلمين أو أشخاصاً عاديين. الأولى هى شخصية محجوب عبدالدايم، الطالب بالسنة النهائية بكلية الآداب، الذى يؤمن أن أصدق معادلة فى الدنيا هى: الدين + العلم + الفلسفة + الأخلاق = طظ، لكن «محجوب» هذا الذى كان يدوس على كل القيم اهتز هزة عنيفة عندما انكشف أمام المجتمع وعرف الجميع شغلته!.. أما الشخصية الثانية فهى المعلم «شحاتة تركى»، والد إحسان شحاتة، الذى لم يتردد عن تقديم ابنته للباشا المرموق نظير المال، ويعتمد فى الحياة شعار: «قول يا باسط».

إنه اللعب على أعراف المجتمع أكثر من أى شىء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قول يا باسط قول يا باسط



GMT 09:27 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (7)

GMT 09:25 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

اتصالٌ من د. خاطر!

GMT 09:23 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

دومينو نعمت شفيق

GMT 09:21 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

نجح الفنان وفشل الجمهور

GMT 09:18 2024 الأحد ,28 إبريل / نيسان

معايير عمل البلدية
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء

GMT 15:16 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة "الكهرباء" تستعرض خطط التطوير في صعيد مصر

GMT 19:26 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمن الجيزة يكشف عن تفاصيل ذبح شاب داخل شقته في منطقة إمبابة

GMT 22:47 2018 الجمعة ,31 آب / أغسطس

أمير شاهين يكشف عن الحب الوحيد في حياته

GMT 00:49 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

أيتن عامر تنشر مجموعة صور من كواليس " بيكيا"

GMT 04:18 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

اندلاع حريق هائل في نادي "كهرباء طلخا"

GMT 22:56 2018 السبت ,02 حزيران / يونيو

فريق المقاصة يعلن التعاقد مع هداف الأسيوطي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon