توقيت القاهرة المحلي 06:52:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأسياد العريانين

  مصر اليوم -

الأسياد العريانين

بقلم - د. محمود خليل

الدرويش أو المجذوب زمان كان مجرد رجل على باب الله، يعاني من مرض عقلي أو نفسي، أو رجل يعرف من أين تؤكل الكتف لدى شعب يحركه الخوف والقلق من المستقبل والتدين النفعي. وسواءاً كان الدرويش مريضاً يستغله أحد، أو صحيحاً يستخدم قدراته في الخداع والتمويه، فقد كان الهدف الرئيسي للدرويش هو جمع المال ، وفي سبيل ذلك لم يكن يتوانى عن الإتيان بالغريب والفريد من الأفعال التي تضغط على أعصاب الجمهور، فيفسر أفراده هذه الأفعال كتعبير عن حالة الانجذاب نحو السماء التي يعيشها الدرويش والتي تصرفه عن التفكير في أحوال الأرض وآداب أهلها. وأكثر الدراويش الذين عرفتهم مصر خلال القرن التاسع عشر كانوا يتعمدون خلع ملابسهم أمام الناس ويهرولون وراءهم في الشوارع في مشاهد شديدة الإثارة.مشاهد العراة في شوارع القاهرة في ذلك الوقت كانت معروفة ومشهورة، ورغم أن المصريين كانوا يتفاعلون مع شذوذهم بالضحك، إلا أنهم كانوا مهيأين نفسياً لقبولهم كأولياء.

فالشاذ في نظر الأهالي حينذاك كان له خطره كما أن له دلالته. فخطره مرتبط بـ"شربة الولاية" التي تعاطاها الولي فأسكرته وأفقدته عقله ووعيه، وبالتالي فخلع الملابس هنا لا يدل على عته أو سفه، بل يؤشر إلى مرحلة قد اجتازها "العريان" ومقاماً قد حازه. فالعري هنا دليل الشربة والشربة دليل الولاية.من نماذج "الأسياد العريانين" في القرن التاسع عشر السيد علي البكري الذي يرقد جثمانه بمسجد "الشرايبي" القريب من "الرويعي".

ولا ينتمي علي البكري عائليا إلى طائفة السادة البكرية، لكنه اكتسب هو وشقيقه لقب "البكري" بسبب محل سكنهم بسويقة البكر، كما يقرر "الجبرتي". اعتاد علي البكري أن يخلع ملابسه في الشوارع ويسير عارياً في الشارع وفي يده عصا أو جريدة يضرب بها كل من يقابله. استغل شقيق علي البكري الحالة التي يعاني منها أخوه، فأخذ يروج بين الناس أن شقيقه يفعل ما يفعل لأنه شرب شربة الولاية وأصبح قطباً من أقطاب الغوث، وما إن انتشر خبر الدرويش أو الولي المزعوم حتى هرول نحوه الرجال والنساء من كل حدب وصوب، للزيارة والتبرك والشكوى وقضاء الحاجات، والشيخ أمامهم يهذي بكلمات غير مفهومة.

وبمرور الوقت كثر زوار الشيخ حتى ضاق بهم المكان فأصبحوا يقفون طوابير على عتبته، وكان من بينهم كما يقول "الجبرتي": "نساء الأمراء والكبراء".لم يكن الزوار يسمعون من الشيخ أكثر من الهذيان والخلط اللفظي، لكن شقيقه الداهية أقنع الجميع بأن الشيخ يطلع على خطرات القلوب وينطق بما في النفوس عبر هذا الهذيان والتخريف، فطفق كل من يزوره ينصت إلى هذيانه وتخريفه ليلتقط منه كلمة أو همسة أو حركة قام بها ويؤولها بما في نفسه، ويردد أمام الآخرين بأعلى درجات الانبهار أن الشيخ تمكن من قراءة ما يجول في خاطره ونجح في اكتشاف مكنون نفسه، وليس هناك خلاف على أن أمثال هؤلاء كانوا يتحولون إلى دعاة للولي المزعوم فيجذبون غيرهم إليه فزاد جمهوره بصورة كبيرة.

ومع زيادة الجمهور وتعاظم الزوار تعاظمت المدخولات التي تأتي إلى الشيخ، وكانت المدخولات عبارة عن أموال ومأكولات وهدايا ونذور وغير ذلك، كان الشقيق يحتجز المال لنفسه دون أخيه، ويأكل من الطعام قدر ما يستطيع، ويترك الباقي لسيده الشيخ، وكان الباقي كثيراً، وكان الشيخ شرها للأكل، وقادراً على التهام كميات كبيرة من الطعام، بسبب مكوثه دون عمل أو شغل طول اليوم فسمن وربرب. تضخم الشيخ وسمن من الأكل والدسومة والفراغ حتى أصبح مثل الجمل العظيم إلى أن دهمه هادم اللذات فلقي وجه ربه والطعام في فمه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأسياد العريانين الأسياد العريانين



GMT 16:07 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 05:34 2024 الأحد ,12 أيار / مايو

اتفاق غزة... الأسئلة أكثر من الإجابات!

GMT 00:17 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

في معنى «التنوير»

GMT 19:46 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

قراءة في مذكّرات يوسف حمد الإبراهيم

GMT 19:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

محاولة بعث الصدام الحضاري

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 14:14 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

أمير المصري يكشف عن شخصيته في فيلم Giant
  مصر اليوم - أمير المصري يكشف عن شخصيته في فيلم Giant

GMT 19:30 2018 الأربعاء ,24 كانون الثاني / يناير

طريقة إعداد ورق عنب مع كوسا وريش

GMT 08:40 2014 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

التونة والدجاج تساعدان في زيادة خصوبة الزوجين

GMT 08:42 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ريم البارودي تبدو أنيقة في بدلة وردية اللون

GMT 05:38 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الدكتور محمود الموجي يُبيّن أسباب رائحة الفم الكريهة

GMT 20:55 2014 الخميس ,14 آب / أغسطس

استقرار اﻷوضاع اﻷمنية في شوارع الأقصر

GMT 05:44 2015 السبت ,03 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل مربى التفاح بالقرفة

GMT 16:29 2021 الإثنين ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شركة سكودا تطلق الجيل الجديد من موديل سوبيرب

GMT 11:12 2021 الجمعة ,03 أيلول / سبتمبر

حمو بيكا يدعم طفلة مريضة سرطان ويقدم لها هدية

GMT 16:42 2021 السبت ,12 حزيران / يونيو

فساتين صيفية بتصميمات مُريحة من وحي النجمات

GMT 17:36 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

تراتيل
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon