توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أي مستقبل للشراكة الأوروبية ــ المتوسطية؟

  مصر اليوم -

أي مستقبل للشراكة الأوروبية ــ المتوسطية

بقلم :ناصيف حتّي*

في الثامن والعشرين من هذا الشهر تكون قد مرت عقود ثلاثة على ولادة الشراكة الأورو-متوسطية التي تعرف بـ«مسار برشلونة» (نسبة لمكان الولادة)، التي ضمت دول الاتحاد الأوروبي ودول الجوار المتوسطي. وللتذكير فمن الأمور التي ساهمت في ولادة هذا المسار انطلاق عملية السلام في مدريد نهاية أكتوبر (تشرين الأول) 1991، الأمر الذي أوجد زخماً حول إمكانية الذهاب إلى السلام الشامل والدائم والعادل على أساس قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة وحل الدولتين. ولكن سرعان ما تبخر ذلك الزخم مع السياسات الإسرائيلية غداة «مدريد» الرافضة للسلام على أساس ما أشرنا إليه من قرارات ومبادئ. «السلال الثلاث» للتعاون والتشاور، التي تشمل: السياسي والأمني، الاقتصادي والمالي، والثقافي، لم تشهد ما كان منتظراً منها لأسباب عديدة من صراع وتنافس المصالح، ولكن أهم تلك الأسباب التي كانت بمثابة عثرة كبيرة تمثلت فيما أشرنا إليه بشأن السياسات الإسرائيلية والموقف العربي منها في إطار «مسار برشلونة».

بعض الدروس المستفادة من تعثر برشلونة لم تكن بعيدة عن مهندسي تطوير الشراكة الأورو-متوسطية والإعلان في قمة باريس في يوليو (تموز) 2008 عن ولادة «الاتحاد من أجل المتوسط» وريث عملية برشلونة. توسيع العضوية كان من أهم التغييرات التي حصلت بعد برشلونة، ولكن الارتكاز تبلور عملياً بشكل خاص أيضاً فيما يعرف «بالهندسة المتغيرة» كآلية عملية واقعية في التعاون. المقاربة التي تقوم على التعاون الفعلي، ليس بين الكل بالضرورة، بل بين دول معينة في مجال معين يحظى بأولوية عندها، فيما يتقاطع بعضها بالتعاون الفعلي مع دول أخرى أعضاء في مجالات أخرى، ما يسقط فيتو مشاركة الكل، أو اللاأحد. السرعات المتعددة أيضاً هي إحدى آليات إنجاح التعاون من دون ربطه بسرعة الطرف أو الأطراف البطيئة أو المتباطئة لأسباب تتعلق بمصالحها. لكن بالطبع تبقى الفاعلية أسيرة للإمكانات والقدرات الموظفة في هذا النشاط أو ذاك أو لاستمرار الالتزام والانخراط في نشاط أو مشروع معين قد يتراجع لأسباب عديدة عن موقعه المتقدم في لحظة معينة على جدول أولويات مختلف الأطراف المعنية. حظيت قضايا البيئة والتغيير المناخي بموقع متقدم على لائحة الأولويات بسبب تداعياتها الخطيرة إذا لم تعالج بفاعلية، على المصالح الوطنية في أوجهها المتعددة للدول المعنية.

خلاصة الأمر أن تجارب الأمس لم تكن بمستوى التحديات والتطلعات لمواجهة هذه التحديات بنجاح وفاعلية، ولكنها ساهمت، ولو بدرجات متواضعة كما يقول البعض، في احتواء أو تخفيف العديد من المشاكل التي كانت ستواجهها الدول المعنية لو لم يتم التعاون في التعامل معها. وغني عن القول أن التحديات الأوروبية وفي طليعتها الحرب الأوكرانية والأزمات الاقتصادية في القارة القديمة وتراجع الاهتمام بالتعاون في عملية البناء الأوروبي كانت من العناصر الأساسية التي أثرت سلباً في هذا المجال.

على صعيد جنوب المتوسط في عمقه العربي ساهمت مختلف أنواع الحروب بأشكالها المختلفة والنزاعات المستمرة في زيادة التحديات التي تواجهها هذه الدول وفي افتقاد القدرة أو الرغبة عند البعض والارتباك، أو تغير الأولويات العملية أيضاً عند البعض الآخر في التأكيد على أهمية التعاون القائم على تكامل أو تماثل المصالح لمعالجة هذه الأزمات.

«الميثاق الجديد للمتوسط» الذي أطلقه الاتحاد الأوروبي بعد مشاورات عديدة ومتنوعة مع شركائه في جنوب المتوسط سيشكل العنوان الجديد للتعاون في مرحلة زادت فيها التحديات المتنوعة في طبيعتها ومسبباتها بجنوب المتوسط. كما زادت فيها الفرص لبناء شراكات عملية فاعلة وفعالة. تشهد على ذلك بشكل خاص الأولوية في التعاون الأوروبي الناشط والمتعدد الأهداف مع دول الخليج العربية. من المؤشرات الدالة على الاستراتيجية الأوروبية الجديدة تجاه المنطقة إنشاء المديرية العامة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج. مهام هذه المديرية العامة ستشمل التعاون الاقتصادي، وأمن الطاقة، والهجرة غير النظامية، ومحاربة الإرهاب، والأمن الإقليمي، وإدارة التنافس مع القوى الدولية. باختصار نشهد في لحظة يعيش فيها الاتحاد الأوروبي تحديات استراتيجية توثر على دوره وإمكاناته ومكانته على الصعيدين الإقليمي والدولي، محاولة أوروبية لبلورة استراتيجية شاملة الأبعاد؛ استراتيجية تقوم على بلورة مقاربة جديدة تجاه الجوار القريب الذي أشرنا إليه.

نعيش في محيط تحكمه متغيرات كبيرة، ولكنه أيضاً يحمل فرصاً عديدة لتعاون شامل يقوم على توازن وتكامل المصالح، وذلك ضمن صيغ وهندسات وسرعات مختلفة. كلها تعزز الأمن والاستقرار والازدهار لجميع الأطراف المعنية رغم التحديات القائمة والمتزايدة. فالتعاون الفعلي لم يعد هدية أو منّة من طرف لآخر، بل صار ضرورة للجميع ولو اختلفت الأولويات بين مسألة وأخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أي مستقبل للشراكة الأوروبية ــ المتوسطية أي مستقبل للشراكة الأوروبية ــ المتوسطية



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt