توقيت القاهرة المحلي 13:01:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جناية إسرائيلية عابرة للحدود

  مصر اليوم -

جناية إسرائيلية عابرة للحدود

بقلم - محمد خالد الأزعر

 بصدور قانون «القومية اليهودية»، انتهى زمن تحايل الدولة الصهيونية وتلاعبها بالمفاهيم والتعبيرات الموصولة بفلسفة الليبرالية وتقاليدها، وبالأطر القانونية والأخلاقية العاطفة على الحكم الديموقراطي. ولم يعد بوسع أي مكابر صهيوني أن يجادل الآن حول انشقاق إسرائيل وتمردها المعلن عن القوانين الدولية عموماً، وعلى كل من شروط انشائها بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة العام 1947، وإعلان قيامها المعروف بـ «وثيقة الاستقلال» عام 1948 بخاصة. لا يملك الصهاينة الإسرائيليون منطقاً يمكنهم الصمود في التناظر، حول اتساق هذا القانون العنصري الفج مع قرار التقسيم؛ الذي ألزم دولتهم بمسار ديموقراطي للتعامل مع الوجود السكاني العربي داخل نطاق سيطرتها. كان مشرعو التقسيم يعلمون يقيناً بأن الشطر اليهودي سيحوي جماعة عربية فلسطينية؛ قُدرت وقتذاك بنحو 407 ألف نسمة في مقابل 498 ألف يهودي. وإذا أضفنا إلى هذه الأعداد زهاء 105 آلاف من العرب البدو الذين أسقطتهم الاحصاءات، فمعنى ذلك أن الدولة اليهودية كانت ستضم غالبية من العرب وليس العكس. هذا في حين كان من المقدر أن تشمل الدولة العربية قرابة عشرة آلاف يهودي في مقابل أكثر من 750 ألف عربي. بكثير من الإجحاف، قسم القرار 181 ما لا يمكن تقسيمه، وذلك بحيثية شديدة القسوة والتعدي على حقوق الفلسطينيين من الناحيتين الجغرافية والسكانية، ناهيك عن الظلم البين في حق المسار التاريخي والهوية الحضارية للديار الفلسطينية.

وكان التصور، في ما يبدو، أن النصوص الدستورية الديموقراطية تكفي لاتقاء هيمنة القطاعات اليهودية على الوجود العربي؛ الذي لم يكن صحيحاً وصفه بالأقلية، داخل الدولة الصهيونية. ولم يفطن مؤيدو التقسيم إلى ما تعنيه الفكرة الصهيونية وما تنطوي عليه وتستبطنه في جوفها من أبعاد عنصرية تمييزية، مجافية بالفطرة لطقوس الديموقراطية وأسسها على الصعيدين النظري والتطبيقي، ضد غير اليهود عموماً، وضد العرب خصوصاً. وهذا يفسر عدم اقرار إسرائيل أي دستور حتى اللحظة والاكتفاء بسن قوانين أساسية مخالفة لقرار الانشاء الأممي؛ مثّل قانون القومية أحد آخر تجلياتها. غياب الدستور الإسرائيلي يمثل إحدى النقائص المؤكدة لعدم إعمال قرار إنشاء هذه الدولة.

وهو مأخذ يصح، وينبغي التذرع به لمساءلتها أمام الأمم المتحدة بصفتها جهة الإنشاء والإخراج. وفي «إعلان الاستقلال»، تنبَّه الصهاينة المؤسسون إلى هذه الناحية، ومنعتهم أحاسيس الاستضعاف وضرورة الحيلولة دون تهييج المجتمع الدولي على كيانهم الغض من تجاهلها، الأمر الذي جعلهم يدرجون نصاً صريحاً يتحدث عن «وضع دستور بواسطة المجلس التأسيسي المنتخب، في موعد لا يتأخر عن مطلع تشرين الأول 1948».

وها قد مرّ سبعون «تشريناً» على هذا الموعد من دون أن يُعلن هذا الدستور. أيضاً تضمَّن الإعلان المنكود وعداً بـ «إقامة المساواة التامة في الحقوق، اجتماعياً وسياسياً بين جميع رعايا الدولة، من غير تمييز في الدين والعنصر والجنس وتأمين حرية الأديان والضمير والكلام والتعليم والثقافة على الأماكن المقدسة لدى كل الديانات، ومراعاة مبادئ ميثاق الأمم المتحدة». وفي موضع آخر دعا الإعلان أبناء الشعب العربي سكان الدولة إلى «المحافظة على السلام والقيام بنصيبهم في إقامة الدولة على أساس المساواة التامة في المواطنة والتمثيل المناسب في جميع مؤسساتها الموقتة والدائمة».

أين هذه الوعود التي داعبت بها إسرائيل الوليدة وجدانات الخلق أجمعين وطالبتهم بتأييدها واسترحمتهم لمساعدتها، من قانون القومية وعشرات القوانين والتشريعات الموصولة به والسابقة عليه؟ من غرائب اسرائيل الدولة، أنها بقانون القومية تكون عيَّنت نطاق هويتها الاثنية والدينية والأخلاقية على أسس عنصرية وتمييزية بين مواطنيها، فيما لم تُعرف حتى ساعتنا هذه حدودها الجغرافية، بل كانت من الجرأة والتبجح بحيث مدَّت ولايتها، طبقاً لمعالم هذه الهوية، إلى كل العوالم التي تشمل وجوداً لليهود. وعلى ذلك، فإنها اقترفت مع سبق الاصرار عدداً لا يحصى من الفواحش الفكرية والسياسية والحقوقية، العابرة للمجتمعات، بما يضعها قيد الضبط والاحضار والمحاكمة أمام المحافل القانونية ذات الصلة، وفي طليعتها الأمم المتحدة؛ وكذا أمام الدول ذات المواطنين اليهود؛ الذين يؤدي القرار الإسرائيلي إلى وضعهم قيد التشكيك في ولاءاتهم الوطنية.

نقلا عن الحياة اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جناية إسرائيلية عابرة للحدود جناية إسرائيلية عابرة للحدود



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon