توقيت القاهرة المحلي 12:18:52 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الهوية المصرية

  مصر اليوم -

الهوية المصرية

بقلم - عماد جاد

عندما نتحدث عن الهوية المصرية، فنحن نتحدث عن مجموعة من الطبقات الحضارية التى تراكمت فوق بعضها البعض وشكلت لنا فى المحصلة النهائية تلك الهوية المصرية المتميزة، نتحدث عن طبقات حضارية تبدأ بالفرعونية ثم اليونانية والرومانية ثم القبطية وأخيرا العربية، تفاعلت هذه الطبقات الحضارية مع بعضها البعض، وتمكنت الهوية المصرية من استيعابها جميعا وأضفت على كل طبقة حضارية سمة من سماتها الذاتية ونستطيع أن نقول إن الهوية المصرية قامت بتمصير كل الطبقات الحضارية التى مرت عليها بحيث أخذت كل طبقة حضارية وافدة سمة مصرية خالصة.

كانت مصر باستمرار رقما فاعلا فى أى معادلة ولم تكن أبدا حلقة مفعول بها حتى فى أكثر مراحلها ضعفا وتدهورا، فعندما اعتنقت مصر المسيحية وكانت تحت الاحتلال الرومانى واجهت الإمبراطورية الرومانية ونجحت فى النهاية فى تحويل روما نفسها إلى المسيحية، واعترف الإمبراطور بالمسيحية واعتبرها الديانة الرسمية للإمبراطورية، ومن مصر خرجت الرهبنة إلى العالم، الرهبنة اختراع مصرى خالص وساهمت مصر فى الفكر اللاهوتى المسيحى على نحو فاق إسهام أى شعب آخر، وعندما اختلف بابا الإسكندرية مع روما حول قضايا لاهوتية حدث الانشقاق الأكبر فى تاريخ المسيحية ما بين النهج المصرى الملتزم أو الأرثوذكسى وبين منهج روما الكاثوليكى.

نفس الأمر ينطبق على مصر عندما تحول غالبية شعبها إلى الإسلام، فقد كانت القاهرة رقما فاعلا فى معادلة العالم الاسلامى، وعلى أرضها نشأ الأزهر الذى يعد مرجعية العالم السنى، وكان إسهام المصريين فى علوم الفقه والتفسير والترجمة هو الأبرز، ولا يزال الأزهر يمثل المرجعية الرئيسية للمسلمين السُّنة فى شتى أنحاء العالم. ونجحت مصر فى إضفاء بصمتها الخاصة على الكثير من أركان العبادة وباتت لمصر نكهة خاصة فى الاحتفالات الدينية تجعل بشرا من مختلف أنحاء العالم يفدون إليها فى هذه المناسبات.

مكونات الهوية المصرية المختلفة والطبيعة الخاصة للشخصية المصرية هى التى حكت مصر والمصريين فى مراحل التقلب التى مرت بها المنطقة، وهى التى وقفت فى وجه محاولات عناصر سلفية لاستهداف بعض الأضرحة فى القرى المصرية، وهى التى دفعت السيدات المصريات على اختلاف انتماءاتهن الطبقية والاجتماعية والدينية للخروج ضد محاولات الجماعة الإرهابية لتغيير الهوية المصرية، وهى التى دفعت ملايين المصريين للخروج إلى الشوارع فى 30 يونيو 2013 للدفاع عن الهوية المصرية والتى نجحت فى النهاية فى لفظ حكم المرشد والجماعة الخارج عن السياق العام للهوية المصرية.

وعلى الرغم من المحاولات الهائلة التى استهدفت الهوية المصرية بهدف تغييرها عكس السياق التاريخى لها، إلا أن هويتنا المصرية صمدت أمام كل هذه المحاولات، ورغم ذلك لم تتوقف محاولات الاستهداف ولعل ما نشهده كل عام من فتاوى سلفية تحرم تبادل التهانى مع المسيحيين المصريين، وفتاوى أخرى تحقر من المرأة وتزدريها تعد مثالا على ذلك، كما أن المحاولات التى يقوم بها البعض لإضفاء طبقة وهابية على الهوية المصرية لم تتوقف حتى اللحظة، محاولات تطول شتى المجالات من سياسية واقتصادية وثقافية وفنية وحتى رياضية، بل إن هناك محاولات هائلة لضرب التوافق الوطنى المصرى الذى صمد فى وجه محاولات التدمير التى شهدتها مرحلة ما يسمى بالربيع العربى. ما نؤكد عليه هنا هو أن هذه المحاولات لن تتوقف، فهى تمثل المدخل لتفتيت المنطقة وتحويلها إلى دويلات دينية وطائفية، وهو الأمر الذى يتطلب من القيادة السياسية والنخبة بمختلف مكوناتها وعيا متقدما بتشكل هذه المحاولات والتى تتجسد اليوم فى محاولات التيار السلفى للنيل من الهوية المصرية.

نقلا عن المصري اليوم

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهوية المصرية الهوية المصرية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

الملكة رانيا تُعيد ارتداء إطلالة بعد تسع سنوات تعكس ثقتها وأناقتها

القاهرة - مصر اليوم

GMT 09:41 2019 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

"قطة تركيّة" تخوض مواجهة استثنائية مع 6 كلاب

GMT 09:12 2020 الثلاثاء ,07 إبريل / نيسان

هاشتاج مصر تقود العالم يتصدر تويتر

GMT 12:10 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

رفيق علي أحمد ينضم إلى فريق عمل مسلسل "عروس بيروت"

GMT 03:39 2020 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

مادلين طبر تؤكد أن عدم الإنجاب هي أكبر غلطة في حياتها

GMT 18:39 2020 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

التفاصيل الكاملة لحريق شقة الفنانة نادية سلامة.

GMT 05:47 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على سعر الجنيه المصري مقابل الدينار الاردني الأحد

GMT 13:22 2019 الأربعاء ,27 آذار/ مارس

قائمة "نيويورك تايمز" لأعلى مبيعات الكتب

GMT 20:50 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

مقلوبة لحم الغنم المخبوزة في الفرن
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon