توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوزارة ليست جمعية أهلية

  مصر اليوم -

الوزارة ليست جمعية أهلية

بقلم - نجيب صعب

قال لي وزير بيئة يوماً: «نحن وزارة للبيئة، لذا لا نتعاطى السياسة». فأدركت منذ تلك اللحظة أن وزارته لن تنجح في تحقيق أي مهمة جدية، لأن الوزارة كيان سياسي، مهمّتها وضع التشريعات والقوانين التي ترعى البيئة، وإدخال البُعد البيئي في عمل جميع الوزارات، والضغط للحصول على حصة كافية من التمويل في الميزانيات، وإقناع بقية أعضاء الحكومة بمطالبها، وضمان إقرار مشاريعها في مجلس النوّاب، عدا عن إدارة المفاوضات الدولية والثنائية المعنية بجميع شؤون البيئة والمناخ. وهذه كلّها أمور تتطلب إدارة سياسية على أعلى المستويات.
ذكّرني تعليق الوزير بإعطاء بعضهم وصف «التسييس» في صيغة تهمة شائنة لكل من يطلق موقفاً لا يعجبهم، وكأن السياسة ممارسة معيبة، أو لا تحقّ إلا لصفوة مختارة من الذين يتفقون مع محتكري حق التصنيف. مع أن السياسة، في المفهوم الصحيح، يجب أن تكون فن تحقيق المصلحة الوطنية العامة. ومطالبة الناس بحقوقهم الأساسية، وبسلطة القانون والنظام العام فوق أي سلطة أخرى، وبحق المشاركة في القرارات الوطنية الكبرى، بما فيها تلك المتعلقة بالبيئة، هي ممارسة سياسية طبيعية وحقّ مكتسب.
وتتساوى مع وزارات البيئة التي تتنصّل من السياسة تلك الأحزاب التي تحمل اسم «البيئة» أو «الخُضْر»، وتقتصر أهدافها على شعارات مثل التشجير ومحاربة التلوُّث وتنظيف الشواطئ. فالحزب هو كيان سياسي بامتياز، وإلا أصبح جمعية أهليّة. وهدف كل حزب جدّي هو الوصول إلى السلطة، وهو أمرٌ يتطلّب أن يكون جاهزاً للمهمة، عبر برنامج مفصَّل. هذا البرنامج يتضمن خططه في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية والصناعية والزراعية والصحية والثقافية، إلى جانب تلك المرتبطة مباشرة بالقضايا البيئية. ولا بدّ من أن تكون له رؤية واضحة للعلاقات الدولية، ما يتيح فهماً أفضل لكل ما ينعكس على التنمية والبيئة والمناخ. فلماذا الإصرار على تسمية مجموعة معيّنة حزباً، إذا كانت مبادئها وأهدافها أقلّ من جمعية أو مؤسسة خيرية حتى؟ وما الضير إذا سمّوها جمعية؟ أم أن اسم «حزب» أعلى مقاماً وأكثر وجاهة؟
يحق للجمعيات الأهلية المختصة بالتوعية أو المساعدات الاجتماعية الابتعاد عن السياسة. لكن قد يتوجب عليها أيضاً، في بعض الحالات، تعاطي شؤون سياسية مرتبطة بعملها، وهذه ليست تهمة إذا تحلّت الممارسة بالشفافية. فمقاطعة جمعية خيرية لنظام سياسي فاسد، ورفض التعامل من خلاله، للحفاظ على حقوق الناس وضمان وصول المساعدات إليهم وليس فقط لمن ترضى عنهم السلطة الفاسدة، هو موقف سياسي ذو طابع إنساني، وهو ليس خياراً بل هو واجب على جميع المتعاطين في الشأن العام.
كما أن جمعيات البيئة التي تكتفي بحملات تنظيف الشواطئ أو إزالة النفايات عن الطرقات، وتتجنب الضغط على المسؤولين السياسيين لإقرار قوانين رادعة وتطبيقها، بما يمنع التلويث من الأساس، تتقاعس عن واجبها بحجّة عدم التعاطي في السياسة. لكنها هكذا تحكم على نفسها بالفشل، وتُبقي نشاطها في إطار الاستعراضات الترويجية.
إحدى أكثر الشخصيات إخلاصاً بين الذين تولّوا وزارة البيئة في المنطقة العربية، حاولت تغطية العجز عن إقرار قوانين ملائمة وفرض تطبيقها، بالنزول شخصياً إلى الشارع وإعطاء ملاحظات للمخالفين أكانوا ممن يرمون النفايات أو يقودون سيارات تنبعث الغازات السامة من عوادمها، وفي بعض الحالات مع اصطحاب شرطي لتوقيفهم. لكن هذه المبادرات، على أهميتها في إعطاء قدوة حسنة، بقيت إجراءات فردية محدودة الفائدة، في غياب قوانين صريحة ورادعة، تفرض غرامات مالية وعقوبات بالسجن على المخالفين. ورغم النيات الحسنة ودماثة أخلاق هذه الشخصية الوزارية، ازدادت الحال سوءاً بعد عشرين عاماً على المبادرات الشعبية في الشارع، في غياب الإرادة السياسية. وتكرّرت هذه التجربة مع وزراء مخلصين يحملون شغف البيئة، نزلوا إلى الشارع والشاطئ للمشاركة في حملات التنظيف، وصعدوا إلى الجبال للمشاركة في التشجير، لكن الأثر كان موضعياً مؤقتاً في غياب الإرادة السياسية التي تنتج قوانين.
فلنترك الجمعيات الأهلية تقوم بعملها التطوّعي النبيل بلا ضغوطات ومحاولات هيمنة، ولنطالب وزارات البيئة بتأدية دورها كهيئات سياسية تضع خططها وفق ما يقتضيه العِلم. فالوزارة التي تتصرف كجمعية أهلية محكومة بالفشل، لأن مهمة المسؤول إيجاد حلول لا طرح الشكوى على الناس بصفتهم حائط مبكى.


* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوزارة ليست جمعية أهلية الوزارة ليست جمعية أهلية



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt