توقيت القاهرة المحلي 01:03:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الشرق الأوسط بين طموحات السيطرة والقيادة

  مصر اليوم -

الشرق الأوسط بين طموحات السيطرة والقيادة

بقلم - هدي رؤوف

تتسم بيئة الشرق الأوسط بكونها بيئة صراعية منذ القدم، وللآن. وتستمر تلك الحالة الصراعية لتعكس فشل المنطقة فى أن تتحول إلى مجتمع إقليمى ينجح فى خلق آليات لحل أزماته وصراعاته، والتعاون لتنمية موارده وتطويره وتعزيز التعاون الإقليمى. بل العكس تماما ما تشهده المنطقة، هناك عدد من القوى الإقليمية التى تتنازع حول دور السيطرة والقيادة، وتقديم نفسها للقوى الخارجية باعتبارها من يمكنه التأثير فى الإقليم. وتغيب عن تلك القوى وجود تهديدات مشتركة تواجه المنطقة، فلا يوجد تعريف محدد لكل منها عما يمثل تهديد حقيقى لاستقرار وأمن الشرق الأوسط، على الرغم وجود تواقف أمنى بينهما أى أن أمن كل منها يؤثر على أمن الدولة الأخرى. ويتزامن بالطبع مع حالة غياب التهديدات المشتركة عدم اعتراف أى من دول المنطقة بمصالح الدولة الأخرى ومناطق نفوذها. صحيح هناك اختلاف فى المصالح، لكن ليس هناك احترام لتلك المصالح فى سبيل العمل لتنمية الإقليم.

فنجد أن ما تعتبره مصر تهديدا لأمنها ولأمن الآخرين وصنفته باعتباره جماعات إرهابية لا تعتبره دول أخرى كذلك، بل تعد إحدى أدواتهم فى سوريا وليبيا والعراق. كما أن إيران ذاتها، هناك انقسام خليجى حول الموقف منها، فلدى إيران علاقات قوية مع قطر وسلطنة عمان والكويت، فى حين تتصارع مع الإمارات حول الجزر المحتلة وتتنافس مع السعودية. نفس هؤلاء الأطراف تغيب رؤيتهم المشتركة لحل الصراعات، فالتصور والمشروع التركى فى سوريا يختلف تماما عن نظيره السعودى والإماراتى، كما أن رؤية مصر لوحدة سوريا والعراق وليبيا تختلف عن رؤية حليفتها السعودية. كما أننا لا نتحدث عن تنافس بين الإسلام الشيعى والسنى فقط، بل داخل الإسلام السنى هناك نموذج الإسلام السياسى الذى طرحته تركيا ومعها قطر بدعم التنظيمات الإسلامية كالإخوان المسلمين، وهناك نموذج الإسلام السعودى، بل مؤخرا تحدثت الأوساط الغربية عن الإسلام السلفى الذى تمثله داعش والتنظيمات الجهادية. واستثمرت كل من تركيا وقطر فى نموذج الإسلام السياسى وقدمته للغرب بديلا للنظم العربية القائمة، وهو ما أسقطته مصر بثورة 30 يونيو ومنها سقط مشروع الإسلام السياسى فى المنطقة. وقد أعاد مقتل خاشقجى الضوء على التنافس «التركى- السعودى».

هذا التباين فى تعريف القوى الإقليمية بالشرق الأوسط للمصالح والتهديدات بلور لدينا عدة ملاحظات، أول هذه الملاحظات، هو فشل تشكيل تحالفات دائمة بين الأطراف المتوافقة. فلم تتشكل تحالفات من الدول الإسلامية السنية فى مواجهة إيران الشيعية، تتكون من دول الخليج ومصر وتركيا، ولم تتشكل تحالفات حقيقية فى مواجهة داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى، ولا يوجد موقف عربى تجاه إسرائيل.

الملاحظة الثانية هى عدم قدرة أى من تلك القوى الشرق أوسطية على تقديم مشروعها للإقليم، أى عدم تقديم تصور لترتيبات أمنية تحقق استقراره، أو تقدم من خلاله منافع عامة تبنى أمنا واستقرارا وتدعم الدول الأضعف به. بل على العكس إن بعض دول المنطقة تقدم دعما عسكريا أو اقتصاديا فقط للفواعل التى تعتبرها أدوات تنفذ سياستها فى إطار سعيها للسيطرة. أما ثالث الملاحظات فهى إطالة أمد صراعات الإقليم وتعقدها على غرار الأزمتين السورية والليبية، نتيجة لاستمرار حالة ضعف تأثير دول المنطقة، ومن ثم تدخل القوى الخارجية مثل روسيا والولايات المتحدة. أما الملاحظة الرابعة، أن إسرائيل هى القوى الإقليمية الوحيدة التى استفادت من ذلك الوضع المضطرب فقد نجحت فى تقديم ذاتها باعتبارها دولة مرساة anchor state مستقرة سياسيا واقتصاديا وعلميا، ويمكن لدول المنطقة الاعتماد عليها فى بناء علاقات تضمن لهم الاستقرار الاقتصادى والتنمية. حدث ذلك على الرغم من أن إسرئيل لم تقدم نفسها باعتبارها قائدا أو مسيطرا فى الإقليم، لأنها تدرك جيدا سذاجة ذلك الادعاء فى محيط عربى مسلم. بل إنها اهتمت أكثر بالاستفادة من الأوضاع المضطربة لتحقيق منافعها الاقتصادية.

إن التفاعلات السياسية فى المنطقة فى السنوات العشر الأخيرة، أوضحت أنه لا توجد دولة واحدة تملك معظم المقومات التى تمكنها من السيطرة أو التأثير فى الإقليم بشكل منفرد، فتتوزع الخصائص ما بين أكثر من دولة، فكل دولة تستخدم أدواتها للتأثير والتحرك وتقابلها أدوات مضادة من الأطراف الأخرى، لكن من غير ما يكون لديها مشروع حقيقى أو تمثل المنطقة دوليا على المستوى المؤسسى أو تقدم حلا لصراعاته، أى يمكن أن نقول هناك حالة من توازن الضعف بين كل القوى الإقليمية، أو ما يطلق عليه البعض تشتت مصادر القوة بين القوى الإقليمية، ولا يوجد طرف ينفرد فى تأثيره بالإقليم من دون الآخرين أو يدعى أن الشرق الأوسط مساحة نفوذه its sphere of influence.

وأخيرا يجب التنبيه إلى أمرين، أولاً هناك فارق شديد بين الزعامة والسيطرة، فالقيادة مفهوم مدلولاتها إيجابية تدل على دولة، تقبل الدول الأخرى قيادتها وأن تتبعها، كما تحترم رؤيتها ومبادراتها ولديها مشروع يقتدى به كثيرون، ربما تكون الحالة المصرية هى أوضح النماذج حينما حملت مشروع التحرر من الاستعمار ومساندة الآخرين، مع اعتراف إقليمى ودولى بدورها حتى لو رفضته القوى الأجنبية. أما السيطرة فتعنى السعى للتأثير لتحقيق المنافع الخاصة للدولة على حساب الغير.

ثانياً: هناك مؤشرات يمكن أن نقيس بها حدود قيادة أو سيطرة أى قوى إقليمية، منها القبول الإقليمى لدور تلك الدولة أو سياستها الخارجية، ومن ثم وجود تابعين لتلك الدولة أم لا، ومدى تنفيذ وقبول مبادراتها ورؤيتها لحل صراعات وأزمات الإقليم، ومدى اعتماد الخارج عليها فى حل قضايا المنطقة، وتمثيلها، وهل تستطيع تلك الدولة تنفيذ سياستها الخارجية بأقل تكلفة عبر استخدام القوة الناعمة بدلا من اللجوء للقوة العسكرية، أى هل تقدم نموذجا يتم التأثر به؟. هل تشكل نموذجا اجتماعيا وثقافيا وتعليميا وجاذبة للعمل بها؟. كلها مؤشرات تدل على مدى وجود قوى إقليمية نموذج أو قائد من عدمه.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشرق الأوسط بين طموحات السيطرة والقيادة الشرق الأوسط بين طموحات السيطرة والقيادة



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل فساتين السهرة التي تألقت بها سيرين عبد النور في 2025

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 16:07 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

جيجي حديد وبرادلي كوبر يستعدان للارتباط رسميا
  مصر اليوم - جيجي حديد وبرادلي كوبر يستعدان للارتباط رسميا
  مصر اليوم - تسلا تواجه انتقادات بعد وفيات ناجمة عن أعطال أبواب السيارات

GMT 08:13 2025 الثلاثاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع
  مصر اليوم - مأساة أم مصرية تشعل مواقع التواصل بعد عرض أطفالها للبيع

GMT 09:44 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج القوس الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:27 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج العذراء الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:48 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الجدي الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:52 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج السرطان الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 09:31 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الميزان الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 08:49 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم برج الجوزاء الجمعة 05 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 05:22 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

محمد جنيدي يشيد بالموافقة على قانون الإفلاس

GMT 17:17 2025 الخميس ,25 أيلول / سبتمبر

سيد رجب يتعرض للسرقة والنصب فى مسلسل لينك

GMT 07:11 2020 الخميس ,08 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الحديد في مصر اليوم الخميس 8 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt