توقيت القاهرة المحلي 20:29:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البحث عن الانتماء الوطنى

  مصر اليوم -

البحث عن الانتماء الوطنى

بقلم - نبيل عبد الفتاح

 عديد من الظواهر والسلوكيات الاجتماعية السلبية، تبدو فى بعض الأحيان مثيرة للغضب، والنقد والقلق طيلة عديد العقود، وفى أحيان أخري، تحولت إلى جزء من مألوف تفاصيل الحياة المصرية، وإحدى علامات الاعتلال فى التكوين الاجتماعي، ومنها ظواهر اللامبالاة بالمصالح العامة ومن مظاهرها: العبث بالممتلكات العامة وعدم الاهتمام بصيانتها أو الحفاظ عليها، سواء فى أجهزة الدولة، أو فى الفضاء العام أو استباحة حرمة المال العام وانتهاكه من خلال ارتكاب جرائم اختلاس الأموال العام، أو الرشوة وغيرها من جرائم الموظفين العموميين. ثمة أنماط من السلوك الاجتماعى السلبي، وعلى رأسها الأنامالية المعبرة عن الاغتراب الاجتماعى الأنوميا ـ والسياسي، وإدارة شرائح اجتماعية ظهرها للنخبة السياسية الحاكمة وللشأن العام. من ناحية أخرى كانت الهجرة إلى إقليم النفط سعيًا وراء الرزق أحد أبرز ملامح السعى نحو الخلاص الفردي، من عسر الحياة أو البطالة، أو أداة للتراكم المالى ورغبة فى الحراك الاجتماعى لأعلى ... إلخ وهى ظاهرة ممتدة منذ حرب أكتوبر 1973 إلى الآن، على الرغم من تناقص فرص العمل المتاحة فى الدول العربية النفطية. الانسداد فى مجال الفرص الاجتماعية المتاحة، دفع بعض الشباب إلى اللهاث وراء الهجرة غير المشروعة، ومخاطر غرق قواربها فى مياه المتوسط المتلاطمة. النكوص عن الاهتمام بالسياسة والشأن العام وذلك بعد عودة الاهتمام بهما فى ظل الانتفاضة الجماهيرية الثورية فى 25 يناير 2011، وفى ظل أحداث 30 يونيو 2013. ظواهر ومؤشرات تشير إلى وهن فى الانتماء الوطني، لا تخطئه العين، وهو أمر لا علاقة له بالشعارات أو الهتافات الوطنية، وإنما إلى بعض العوامل والأسباب البنيوية التى طرأت على المجتمع والإنسان المصرى منذ عديد العقود، ويحتاج إلى اهتمام النخبة الحاكمة، وأجهزة الدولة بهذه الظاهرة الممتدة وتقصى أسبابه. الانتماء الوطنى ليس محضُ شعار، أو مكونا جينيا ينشأ بمجرد ميلاد الإنسان فى جماعة ما، وإنما هو تعبير عن مجموعة من العلاقات المركبة الاجتماعية والسياسية والثقافية والرمزية والتاريخية التى يدخل فيها الإنسان ويتفاعل معها، وتشكل ذاكرته، ومخيلته ومصالحه وآماله، ومشاعره وحواسه حول دول ومجتمع وأمة ما. الانتماء الوطنى لا ينشأ من فراغ، وإنما من خلال مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية، ولا من مجرد الانتماء إلى الجماعات الأولية حول الأسرة، أو القبيلة أو العشيرة أو إلى مكان ما، وإنما هو جزء من تطور اجتماعى وسياسى واقتصادى وثقافى ممتد أنتج الوطنية / الأمة فى ظل تطور بناء الدولة الحديثة التى تأسست على تطور الحركات القومية والرأسمالية، ومن ثم فهو مفهوم يتجاوز الولاءات الأولية أيًا كانت، ويعتمد على الجوامع الوطنية المشتركة، أو الموحدات الكبرى التى تتجاوز الانتماء الطبقى والسياسي. من هنا كانت الأمة والقومية والدولة الحديثة نتاج تطور العلاقات والتكوين الرأسمالي، والتحديث، والحداثة السياسية حول المدينة الحديثة. إن ظاهرة وهن الانتماء الوطنى تعود إلى عديد الأسباب ومنها ما يلي:

ـ ظاهرة موت السياسة أدت إلى النكوص عن الشأن العام والاهتمام بالمصالح العامة، والتركيز على المصالح الشخصية، لأن السياسة مجلبة للأضرار. ـ الفرص النادرة فى إمكانات وآليات الحراك الاجتماعى لأعلي، لاسيما للشرائح الاجتماعية الوسطى الوسطي، والوسطى الصغيرة، فى ظل ظواهر البطالة على اختلافها مع سياسة الخصخصة، لاسيما لدى الشباب من خريجى الجامعات على نحو أثر على تكوينهم النفسى والاجتماعي. فى ظل ظواهر توريث المهن والوظائف، وترييف أجهزة الدولة، وفاقم من هذه الشروخ انتشار المحسوبية والفساد لدى بعضهم فى الوظيفة العامة.

ـ بعض التآكل الذى اعترى مفهوم الأمة والوطنية، فى ظل التغير فى السياقات السياسية والاجتماعية والدولية والإقليمية التى صاحبت تكوينها التاريخى وتطوره

.ـ أزمات التكامل الوطني، وتفكك بعض عرى الموحدات القومية، كنتاج لأزمات المواطنة التى تعانيها بعض المكونات الاجتماعية كالأقباط والمرأة.

ـ اتساع الفجوات الجيلية بين كبار السن والشباب من الشرائح الاجتماعية المختلفة، فى التكوين والحساسية والوعى الاجتماعي، والتطلعات والآمال.

ـ أسهمت الجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية، فى تفاقم أزمات الانتماء الوطني، من خلال سياسة الهوية الدينية، وتركيزها على مفاهيم الخلافة، والرابطة الدينية فى مفهوم الجامعة الإسلامية وطرحها كنقيض لمفهوم الأمة والوطنية المصرية.

- ضعف الوعى التاريخى كنتاج لسطحية المناهج المقررة حول التاريخ المصرى ومراحله المختلفة فى مراحل التعليم العام. - أزمات التنشئة الاجتماعية والسياسية ومؤسساتها، وهشاشتها وتركيزها على الرؤى السلطوية حول التاريخ المصري، وحول مفهوم الوطنية الأحادى الذى يربط بينها، وبين الحاكم والحكم فى مرحلة تاريخية ما، وليس على التطور التاريخى للقومية المصرية.- النزعات ما بعد الحداثية والعولمية، وآثارهما على الهوية الوطنية الجامعة فى ظل التفكك الاجتماعي، وعمليات التشظى فى المكونات الاجتماعية. لا شك أن هذه الأسباب تتطلب حزمة من السياسات التعليمية والثقافية والاجتماعية مع فتح المجال العام والعودة إلى السياسة ومواجهة الفساد بصرامة، وسياسة للأمل لدمج الشباب فى الحياة العامة، فى ظل تطوير جذرى للسياسة والمناهج التعليمية لاسيما التاريخية المقررة على الطلاب فى جميع مراحل التعليم، وذلك كمداخل لإحياء الانتماء الوطنى وتجديده فى إطاره الإنسانى المنفتح على متغيرات عالمنا.

 

نقلا عن الاهرام القاهريه

 

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البحث عن الانتماء الوطنى البحث عن الانتماء الوطنى



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 16:13 2024 الأربعاء ,17 إبريل / نيسان

"فولكس واغن" أبوظبي تُمدّد عروضها الرمضانية

GMT 12:19 2018 الإثنين ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مصر تحصد 31 ميدالية متنوعة مع ختام بطولتي الرماية

GMT 13:55 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الهلال يستضيف الزمالك في ليلة السوبر السعودي المصري

GMT 08:41 2020 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الخميس 22 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 19:37 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

سفيتولينا تودع بطولة فرنسا المفتوحة للتنس أمام بودوروسكا

GMT 12:53 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

علماء يكتشفون79 مضادا حيويا جديدا في براز الإنسان يطيل العمر

GMT 01:31 2019 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

رانيا يوسف ترقص أمام مدرسة ابنتها احتفالا بتخرجها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon