توقيت القاهرة المحلي 10:27:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الولايات المتحدة والصين.. والصراع التكنولوجى على تايوان

  مصر اليوم -

الولايات المتحدة والصين والصراع التكنولوجى على تايوان

بقلم : أيمن النحراوى

مما لا شك فيه أن قضية تايوان ستمثل فى قادم الأيام محورا رئيسيا للأحداث فى منطقة الشرق الأقصى لعديد من الاعتبارات الجيوبوليتيكية والعسكرية والاقتصادية التى تعنى بها الصين، وهى الوطن الأم والبر الرئيسى الذى تتبعه جزيرة تايوان تاريخيا وحضاريا وثقافيا.
لكن عودة تايوان رسميا للانضواء تحت السيادة الصينية، ليست بالمسألة السهلة رغم إقرار العديد من الدول ومنها الولايات المتحدة نظريا وظاهريا بمبدأ الصين الواحدة، بينما تقوم عمليا بتعويق ذلك والحيلولة دون حدوثه، وليست الولايات المتحدة فقط، فاليابان تعتبر من أهم الدول الآسيوية الداعمة لتايوان غير المرتبطة بالصين، وكوريا الجنوبية التى تعتبر أنها ستكون فى موضع خطر بين تايوان تحت السيادة الصينية وكوريا الشمالية، كذلك الفيليبين فى ما يتعلق بحدودها الشمالية، ويبدو أن كل دول منطقة الشرق الأقصى باتت تعيد حساباتها فى ظل تعاظم القوة والنفوذ الصينى، ولكل منها أسبابها ودوافعها.
• • •
الصين فى ظل نموها الاقتصادى المستمر تحقق بالفعل خطوات جبارة فى مسيرتها لتكون قوة عظمى، ولذلك فهى تبدى أقصى درجات الصبر والتروى تجاه الاستفزازات الأمريكية فيما يتعلق بقضية تايوان، اعتبارا لمصالحها الاقتصادية والتجارية الضخمة مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وعلى التوازى مع تلك الاعتبارات تدرك الصين أن إحدى الركائز الأساسية فى تحقيق حلمها كقوة عظمى يرتكز على التمكن من التكنولوجيا الراقية، وهو الأمر الذى تسير عليه الصين حثيثا فى جميع القطاعات التكنولوجية الصناعية والعسكرية، ولا سيما صناعة رقائق الحاسوب المتطورة وأشباه الموصلات.
وليست الصين فقط هى من تنتهج ذلك فالولايات المتحدة قد خصصت 52 مليار دولار لدعم وتطوير تلك الصناعة، والاتحاد الأوروبى من جهته يرعى استثمارات قيمتها 48 مليار يورو، فى محاولة للحاق بعملاقى تلك الصناعة وهما سامسونج الكورية الجنوبية وتايوان لصناعة أشباه الموصلات، أما اليابان التى كانت ذات يوم أكبر مصنع لرقائق الحاسوب المتطورة، فقد باتت الآن شبه معتمدة على كوريا الجنوبية وتايوان فى توريد جانب كبير من احتياجاتها من أشباه الموصلات، وأخذت الحكومة اليابانية فى تحديد مخصصات ضخمة لدعم تلك الصناعة، والتفاوض مع الشركة التايوانية لإقامة مصانع مشتركة فى اليابان.
ولا يغيب عن الذاكرة الصينية ما قامت به إدارة الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب بحظر توريد الرقائق الإلكترونية المتقدمة للصين، وحرمان شركة هواوى الصينية من الحصول على أنواعها المتقدمة من شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، استجابة لقيود التصدير الأمريكية المشددة التى تهدف إلى الحد من وصول الشركات الصينية إلى إمدادات الرقائق المتقدمة، الأمر الذى أسفر عن مشكلات معقدة لهواوى أكبر شركة تكنولوجية فى الصين.
وفى ذات الوقت كانت إدارة ترامب قد اتفقت مع الشركة التايوانية لإقامة مصنع لها فى أريزونا باستثمارات 12 مليار دولار، كمقدمة لإقامة خمسة مصانع أخرى فى الولايات المتحدة، كما اتفقت مع سامسونج الكورية الجنوبية لإقامة مصنع مماثل فى تكساس باستثمارات 10 مليارات دولار.
وتدرك الصين أن الشركة والحكومة التايوانية تدور تماما فى الفلك الغربى، ولاسيما بعد قيامها أخيرا بحظر تصدير الرقائق الإلكترونية التى يزيد ترددها على 25 ميجاهرتز إلى روسيا وبيلاروسيا، كما أعدت وزارة الاقتصاد التايوانية قائمة بالمنتجات الاستراتيجية عالية التقنية التى يحظر تصديرها إليها، ويشمل الحظر تقنية المعالجات الدقيقة ذات مستوى سرعة خمسة جيجا فلوب أو أعلى، أو وحدة منطقية حسابية بسعة أكبر من 32 بايت أو تجاوز تردد ساعة المكون الإلكترونى 25 ميجاهرتز.
الوضع الدولى الراهن حول تايوان إذن يتعلق فى جانب هام منه بالشركة التايوانية، التى تنتج قرابة 90% من الرقائق الالكترونية فائقة التطور فى العالم، و50% من جميع أنواع الرقائق والتى تعتمد عليها عمالقة الصناعات التكنولوجية العالمية مثل آبل وكوالكوم وبرودكوم ونيفيديا وميكرون، فضلا عن الصناعات الفضائية والعسكرية وغيرها.
صناعة السيارات على سبيل المثال، حيث تحتاج السيارة الواحدة من 50 إلى 150 شريحة إلكترونية وتتوقف على تلك الرقائق 40% من مكونات السيارة، والخسائر السنوية الناجمة عن نقص تلك الشرائح الالكترونية لصناعة السيارات الأمريكية على سبيل المثال تقدر بنحو 100 مليار دولار، متضمنة توقف الإنتاج ونفقات إغلاق المصانع والبطالة وفقدان الأسواق.
وبينت أزمة كوفيد تداعيات تعطل سلاسل الإمداد العالمى من الرقائق الالكترونية وتأثيرها السلبى على قطاعات صناعية ضخمة فى جميع أنحاء العالم، لدرجة صدور تصريح عن وزيرة التجارة الأمريكية بأنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تكون حذرة من فقدان رقائق تايوان حتى لا يتعرض اقتصادها لركود عميق وفورى.
• • •
الصراع التكنولوجى بات متصاعدا وعلنيا بين الأطراف الثلاثة الصين، والولايات المتحدة ومعها حلفائها، وتايوان، فالصين تدرك أن الولايات المتحدة تبطئ وتعوق الإمدادات من الرقائق الإلكترونية المتقدمة إليها، وهى غير مرحبة بتقدم الصين فى مجال تلك التكنولوجيا العليا، وهو ما يضع الصين فى دائرة الخطر، الأمر الذى جعل الحكومة الصينية تخصص 100 مليار دولار لدعم وتطوير صناعة رقائق الجيل الثالث كأولوية وطنية فى إطار الخطة الخمسية الرابعة عشرة، وتطوير التكنولوجيا الصينية المصنعة من مواد مركبة مثل نيتريد الجاليوم لإحراز الريادة التكنولوجية دون الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية المعتمدة على السيليكون.
وفى خضم التصعيد الأخير بين الولايات المتحدة والصين فى خضم زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى لتايوان، صرح تشين وينلنج كبير الاقتصاديين فى مركز الصين للتبادلات الاقتصادية الدولية بقوله: إذا فرضت الولايات المتحدة والغرب عقوبات مدمرة على الصين مثل العقوبات ضد روسيا، فيجب علينا استعادة تايوان، وتولى شركة تايوان لتصنيع أشباه الموصلات.
أما تايوان نفسها، فيبدو برغم التوترات السياسية والعسكرية المحيطة بها أنها تستند إلى استراتيجية درع السيليكون، التى تقوم على أن اعتماد الصين والولايات المتحدة والعديد من دول العالم على صناعة أشباه الموصلات التايوانية تمثل خط الدفاع الافتراضى الأول عن الجزيرة.
وعلى اعتبار أنه لا توجد دولة متقدمة أو صناعية أو شركة كبرى فى كل أنحاء العالم قادرة على تحمل تداعيات توقف إنتاج أو تعطل سلاسل الإمداد والتوريد للمنتجات الالكترونية فائقة التطور لشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات، أو تحمل تبعات أو تداعيات تدمير مصانعها، وهو الأمر الذى قد يكلف الاقتصاد العالمى خسائر تصل إلى عدة تريليونات من الدولارات.
وفى هذا الإطار نُشر أخيرا تقرير هام عن معهد مونتين الفرنسى للدراسات الاستراتيجية عن سياسات ودوافع الصين فى صناعة أشباه الموصلات، أن تايوان تعدُ مركز ثقل السياسة الأمنية الصينية، ولدى تايوان قيمة استراتيجية ضخمة فى سلسلة التوريد العالمية للرقائق الالكترونية فائقة التقدم، وهذا سبب قوى أيضا لدى الغرب فى إبقاء الصين بعيدة عن تايوان قدر المستطاع، كما أنه فى حالة حدوث غزو صينى لجزيرة تايوان، وفقا لذلك التقرير فلن يكون هناك سبب لترك هذه المنشآت سليمة، ولذلك فإنَ الحفاظ على أحدث أنواع المنشآت التصنيعية فى العالم يصب فى مصلحة الجميع.
وبهذا المفهوم يمكن أن تحقق تايوان رادعا مزدوجا يحول دون قيام الصين باللجوء للقوة تجاهها، كما يحقق لها الحماية الأمريكية وتوافق الدول المتقدمة والصناعية على التصدى لأى محاولة لتعطيل إمدادها باحتياجاتها من الرقائق الإلكترونية تحت أى ظرف، وهو ما يؤكده نائب مدير معهد تشونج هوا للبحوث الاقتصادية فى تايوان بقوله: أنه فى حالة حدوث صراع فى مضيق تايوان، فسيكون الأمر كارثيا، ليس فقط على تايوان أو الصين، ولكن أيضا على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى والعالم بأسره.
• • •
إذن فالقضية باتت تعنى العالم بأسره، دولا ومؤسسات وشركات ومصالح بمليارات الدولارات، والجميع يترقب التطورات فى الشرق الأقصى، وخاصة بعد أن صبت زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكى نانسى بيلوسى الزيت على النار، وتسببت فى جرح مؤلم لكبرياء الصين فى مسألة تعتبرها بكين فى قمة أولوياتها عن السيادة الوطنية، وإلى لحظة كتابة هذه السطور فما زال التصعيد مستمرا، ولا يمكن لأحد أن يتوقع أو يقدر ما سيأتى به الغد فى هذه القضية الشائكة شديدة الحساسية، لكن الغد لناظره قريب.
خبير اقتصادى ومستشار إدارة النقل والتجارة الدولية واللوجيستيات

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الولايات المتحدة والصين والصراع التكنولوجى على تايوان الولايات المتحدة والصين والصراع التكنولوجى على تايوان



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt