توقيت القاهرة المحلي 05:02:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تسجيل المالكي أم تسجيل خامنئي؟

  مصر اليوم -

تسجيل المالكي أم تسجيل خامنئي

بقلم:نديم قطيش

يكاد يكون رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، من بين كافة مكونات الحالة الشيعية السياسية في العراق، أكثر من وظف التشييع في العمل السياسي. سبق الرجل كل أقرانه على إعادة تقديم سردية ملتوية ومسيسة عن التاريخ ثم بالغ في ربطها بالحاضر، كما حين اعتبر أن المعارك السياسية في عراق اليوم هي امتداد للمعركة بين يزيد والحسين بلا زيادة أو نقصان.

بيد أن التسريبات الأخيرة لتسجيلات المالكي تفضح كون هذا الاستحضار المرَضي للتاريخ، والتوظيف الفاقع للمفردات والأفكار الشيعية ليس سوى تجارة بينة بالمذهب وأهله. التسجيل فضيحة للمالكي بلا أدنى شك، لكنه، وهذا الأهم، فضيحة لنموذج المالكي الذي هو النموذج الإيراني المفضل في كل الدول التي تنشط فيها الميليشيات الموالية لطهران.
يقوم هذا النموذج على مرتكزات رئيسية ثلاثة؛ أولوية السلاح وفقه الميليشيات، والتجارة بالمذهب وأهله وشخصياته لتحقيق أغراض سياسية تحددها إيران لا أي من الدول الواقعة تحت هيمنتها، وثالثاً الارتباط الحاسم بـ«الحرس الثوري» الإيراني.
يتضح من التسجيل المسرب، ومدته 48 دقيقة، وسرب على دفعات، ثم نشر بالكامل، أن السلاح الميليشياوي هو أولوية المالكي في العمل السياسي. فرغم أن العراق وفر لـ«الشيعية السياسية» فرصة بناء «دولتهم» على أنقاض دولة البعث «السنية»، بحسب خطاب المالكي، فإن الأولوية لم تكن يوماً بناء الدولة ومؤسساتها وتقديم نموذج ناجح لما يمكن أن تكون عليه منتجات التدخل الإيراني، بل بناء الميليشيات التي تظل رديفاً جاهزاً يعمل بين ما يعمل عليه وبإصرار على إضعاف الدول وإنهاك مؤسساتها وبهدلة دساتيرها فتحاً للمجال أمام الهيمنة الإيرانية.
هذه هي الحال في لبنان وسوريا واليمن والعراق، الذي لا يزال يقاوم من لدن الطائفة الشيعية، خلافاً للحال في «الساحات» الأخرى.
إذا كان من عبقرية سياسية للاستراتيجية التي وضعها ونفذها قاسم سليماني قبل مقتله، هي في تعزيز أولوية الميليشيات وعدم الوقوع في إغراء الهيمنة على الدولة من خلال المؤسسات، فللدولة ومؤسساتها، في عقل سليماني، وظيفة وحيدة هي إسباغ الشرعية على الميليشيات على أن يبقى الفصل قائماً بوضوح بين ما هو ميليشيا وبين ما هو دولة؛ أي بين «حزب الله» وحكومة بيروت، وبين «الحشد الشعبي» الولائي وبين حكومة بغداد.
أما المرتكز الثاني، أي الاتجار بالمذهب وأهله، فيقدم تسجيل المالكي مصداقاً واضحاً عليه. فرئيس الحكومة العراقية الأسبق يفصح في حديثه أن هذا السلاح يمكن أن يستخدم ضد الشيعة أنفسهم كما ضد غيرهم حين تقتضي مصلحة الاستمرار في لعبة السلطة، وضمان استمرارية التأثير لليد الإيرانية.
يقول المالكي بالحرف مستهدفاً بحديثه زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر «إن المرحلة المقبلة مرحلة قتال، بالأمس قلت ذلك لرئيس الوزراء (مصطفى) الكاظمي، وقلت لا أعتمد عليك، أو على الجيش والشرطة، إنهم لن يفعلوا شيئاً. العراق مقبل على حرب طاحنة لا يخرج منها أحد، إلا إذا استطعنا إسقاط توجهات الصدر والحلبوسي ومسعود البارزاني».
يدين هذا الكلام المالكي، لكنه يسجل مضبطة اتهام ثمينة بحق إيران التي لا تمانع الحرب الأهلية حتى بين الشيعة بهدف حماية نفوذها في العراق، بصرف النظر عن مصلحة الشيعة في هذا النفوذ وحدوده.
لقد حملت تصريحات المالكي عدواناً لفظياً على الشيعة عموماً حين وصفهم بأنهم «أرذال»، وحملت إهانات شبه مباشرة للمرجع السيد علي السيستاني، عبر اتهامه بالتقصير الذي يشبه التواطؤ، والذي يمهد لعودة البعث إلى السلطة (ما يعنيه عودة السنة وليس البعث!!). فالسمعة مباحة وكذلك الكرامة والدم، بحسب ما يمكن استنتاجه من تسريبات المالكي. أما ما يشرعن ذلك، فهي المصلحة السياسية الإيرانية، التي ليست هي بالضرورة مصلحة المذهب وأهله وأعيانه في العراق.
في مقطع آخر يقول المالكي متوجهاً لزواره وهم عناصر وقادة ميليشيا عراقية شيعية: «هل لكم علاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟ وهل لديكم إشكال أن نطلب دعماً منهم، فأنا اليوم سأستقبل شخصاً منهم، وسأمهد للقاء لكم معهم، أنا فقط أرتب لكم موعداً معهم وأبلغهم بضرورة دعمكم، لأنهم يشعرون أيضاً بخطورة الوضع، وأنا أوصيهم بكم، وليكن حديثكم مع (الحرس الثوري)».
يكشف هذا الكلام عن المرتكز الثالث للنموذج الإيراني الذي يفضحه تسجيل المالكي، بمثل ما يفضح المالكي شخصياً وأكثر. فالارتباط بـ«الحرس الثوري» وعلى لسان رئيس وزراء دولة نفطية كالعراق، هي طريقة عمل النموذج الإيراني. لا فرق هنا بين رئيس وزراء وبين زعيم ميليشيا كحسن نصر الله الذي يقول إن أمواله وسلاحه ورواتبه تأتي من إيران، أو يقول في موضع آخر ما معناه إن «أحلام المرشد أوامر»!
وقد سبق للمالكي أن صعد بهذه التبعية درجة أعلى، فحول موارد العراق إلى شريان حياة لـ«الحرس الثوري» الإيراني وزعيمه المقتول قاسم سليماني، حين كانت حكومته تضع جانباً عائدات 200 ألف برميل يومياً من النفط الخام، أي ما يعادل 20 مليون دولار يومياً بحسب أسعار اليوم، وتسلمها لسليماني لتمويل مشروعات «الحرس الثوري» في العراق وخارجه.
ما يقوله المالكي في التسجيل هو ما مارسه من موقع المسؤولية في الدولة، كما من موقع الناشط السياسي ضمن برنامج تصدير النفوذ الإيراني إلى دول الجوار.
وعليه، يتجاوز ما نحن بإزائه، تسجيلاً يحرج سياسياً أو يهدد مستقبله السياسي. فضيحة المالكي، هي فضيحة النموذج الإيراني برمته ودليل ساطع على ما تشكو منه دول المنطقة حين تتحدث عن «السلوك الإيراني المزعزع».
هذا تسجيل صوتي للعقل العميق للمشروع الإيراني، ولاستراتيجية «الحرس الثوري»، ووثيقة جيوسياسية، هي أهم ما وضع بين أيدينا منذ عقود طويلة. الكلام لم يخرج من فم المالكي بقدر ما خرج من صميم العقل الجالس في طهران.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تسجيل المالكي أم تسجيل خامنئي تسجيل المالكي أم تسجيل خامنئي



GMT 08:18 2024 السبت ,18 أيار / مايو

يا حسرة الآباء المؤسسين!!

GMT 00:12 2024 السبت ,18 أيار / مايو

دعوة للإصلاح أم للفوضى؟

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

قمّة المنامة!

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

عادل إمام ونصف قرن على عرش النجومية

GMT 16:07 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 02:55 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نيللي كريم تتحدث عن ظهورها في فيلم "كازابلانكا"

GMT 20:58 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

دي ليخت بين مطرقة عمالقة أوروبا وسندان برشلونة

GMT 18:43 2019 الثلاثاء ,12 شباط / فبراير

خبير أرصاد يُحذّر من استخدام الكمامات في العاصفة

GMT 12:42 2019 الأربعاء ,16 كانون الثاني / يناير

خطرٌ يُهدد حياتك بسبب النوم أكثر أو أقل من 8 ساعات يوميًا

GMT 02:16 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

بدران يؤكد أن الموز يُخفّف حموضة المعدة

GMT 12:55 2019 الثلاثاء ,29 كانون الثاني / يناير

مباراة توتنهام ضد تشيلسي تخطف الأضواء في الدوري الإنكليزي

GMT 03:34 2018 الأربعاء ,10 تشرين الأول / أكتوبر

مميزات استخدام ديكور الجدران الخرسانية في غرف النوم

GMT 21:44 2018 الأحد ,09 أيلول / سبتمبر

تفاصيل جديدة مثيرة في واقعة "مذبحة الشروق"

GMT 23:32 2018 الثلاثاء ,08 أيار / مايو

صخرة برشلونة مهددة بالغياب عن مواجهة فياريال

GMT 15:00 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

محمد الحنفى يؤكد انتظاره إدارة القمة منذ 3 سنوات

GMT 05:38 2018 الجمعة ,20 إبريل / نيسان

انطلاق أول رحلة لطائرة في الصيف "Stratolaunch"

GMT 10:06 2018 الجمعة ,13 إبريل / نيسان

هادجنز تتألق في تقديم مجموعة "سينفول كلورز"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon