توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سؤال الحداثة والعالم الإسلامي

  مصر اليوم -

سؤال الحداثة والعالم الإسلامي

بقلم : فهد سليمان الشقيران

يبدو النقاش حول مفهوم الحداثة وإشكاليات تبيئته خارج الغرب في حال تصاعد، وتزداد حدّة السجال مع كل هزةٍ أو تغيّر جذري صادم. بعض المفاهيم تكبر مع المجتمعات، ولكنها لا تشيخ رغم مرور الوقت، بل تعبّر باستمرار عن صلاحيتها للفهم والتطبيق، ولدينا في مفهوم «الحداثة» أكبر مثال على هذه الحالة. لقد تحدّى هذا المفهومُ كلَّ الهجمات التي نالتْه منذ «الحداثة البعدية» إلى الصرعات التقنية والتكنولوجية، وليس انتهاءً بتفجّر المفاهيم الانعزالية والانكفائية، كما جسدتها طروحتا «نهاية التاريخ» و«صراع الحضارات».

بمعنى أنه على الرغم من كل الخضّات التي حدثت، فقد بقيَّ مفهوم الحداثة على حيويته وقاوم كل عاتيات الرياح وجميع عوادي الزمن. وكما نعلم، فقد اعتبر البعضُ أن الحداثةَ ليست إلا مجرّدَ حقبة تاريخية، وبالتالي فمآلها إلى الزوال، كما يعبر عن ذلك الفيلسوفُ الإيطالي جاني فاتيمو في كتابه «نهاية الحداثة»، والذي درَس فيه العلاقةَ التي تربط بين نتائج كلٌ من الفيلسوفين فريدرك نيتشه ومارتن هيدغر، واعتبر نتائجهما مرجعاً ثابتاً لأطروحته، باعتبارها من الخطابات المؤسسة لفكرة نهاية العصر الحديث، ولحقبة ما بعد الحداثة.

وبصرف النظر عن ذلك القول الفلسفي، يمكن أن نتّجه نحو علاقتنا نحن المسلمين بالحداثة نفسها، لنرى هل بالفعل فشل العالمُ الإسلامي في التحديث وفي كسب رهاناته الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، كما يناقش المستشرق برنارد لويس في كتابه «الإسلام وأزمة العصر»؟! لويس، بعد رصده لإحصائياتٍ وأرقامٍ مرعبة حول البطالة واليأس والتطرف في العالم الإسلامي، قال بالنص: «ما لا يثير الدهشة أن يتحدّث كثير من المسلمين عن إخفاق التحديث، وأن يقابلوا الاختلافَ في تشخيص أمراض مجتمعاتهم بوصفاتٍ متباينة لعلاجها.

والإجابة بالنسبة للبعض هي بالمزيد من التحديث والقيام به على نحوٍ أفضل، بحيث يتوافق الشرق الأوسط مع العالم الحديث والعالم الآخذ بالتحديث. وبالنسبة للبعض الآخر فإن الحداثة نفسها هي المشكلة ومصدر كل بلاء». والحقيقة أن المشكلة مركبّة بين المفهوم ومستقبِليه، وهذا ما انتبه إليه المؤرخ الفرنسي مارسيل غوشيه في كتابه «الدين في الديمقراطية»، إذ لم يطل الوصف، بل اختصر التاريخ السجالي بين العالم الإسلامي والحداثة مستشهداً بمقولة صموئيل هانتنغتون: «المسلمون يسعون إلى أسلمة الحداثة، بدلاً من السعي إلى تحديث الإسلام».

وفي الواقع، فإن هذه المقولة فيها تصعيد وتعميم على العالم الإسلامي، وذلك لسببين اثنين: الأول: أن من حاول أسلمة الحداثة أو اعترض عليها وشوّه معناها، وقطع طريقها.. هي جماعات أيديولوجية متطرفة اختطفت الوعيَ العام للمسلمين وملأتْه بأفكارٍ وخيالاتٍ عن مصائر التحديث وأثره الكارثي على الدين والأخلاق، وبالتالي فإن المسلمين العاديين هم رهائن لدى تلك الجماعات التي هيمنت على العديد من دول العالم الإسلامي ومجتمعاته.

ثانياً: وعلى الرغم من إشارة برنارد لويس حول أنماط تحديث بسيطة في العالم الإسلامي، فالواقع أنه تجاهل أنماطَ الحداثة المتوازنة في آسيا وفي دول الخليج، كونها كلها نماذج حداثة متوازنة وناجحة، وهذا يدلّ بوضوح على أن المسلم المعتدل ليست لديه إشكالية دينية مع الحداثة، إذ نجد أنه استوعبها وطبّقها على النحو الذي نعيشه اليوم. والخلاصة، أن مفهوم الحداثة يكبر ويتطوّر مع المجتمعات.. صحيح أنه تعرّض لزلازل وانتقادات نظرية كبرى، غير أنه بقي المفهومَ الأكثر راهنيةً وحيويّةً بالنسبة للمجتمعات البشرية حتى الآن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سؤال الحداثة والعالم الإسلامي سؤال الحداثة والعالم الإسلامي



GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

GMT 10:51 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

البابا ليو: تعلموا من لبنان!

GMT 10:48 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الطبع الأميركي يغلب التطبع!

GMT 10:27 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

من «ضد السينما» إلى «البحر الأحمر»!!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt