توقيت القاهرة المحلي 08:24:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التغيّر الإقليمي... وتحدّيات التحديث

  مصر اليوم -

التغيّر الإقليمي وتحدّيات التحديث

بقلم : فهد سليمان الشقيران

مع شدّة التحوّلات الإقليمية؛ وتفشّي حالة التآكل في مؤسسات وكيانات دول، يُطرح النقاش اليومي بشأن «النموذج المنشود»، خصوصاً بشأن إدارة الواقع المعيش، وتدبير شؤون الدنيا، وسوْس الناس، وإدارة مصالح الدولة.

البعض يتمسّك بأطروحاتٍ قديمة تعارض المدنيّة وتعادي النماذج التنموية... بل وترسخ لحُكم الآيديولوجيا ولزعامة الميليشيا ولمرجعية التنظيم.

في المقابل، يصرّ العقلاء والحكماء في البلدان المنكوبة على ضرورة استلهام التجربة البشرية في العصور القريبة والقديمة، واختبار ما تبقّى من مفاهيم فعّالة، ومن بينها مفهومٌ عتيد، وأعني به «الحداثة».

نعم، يمكن للحداثة بفضائها أن تسهم في خلق خياراتٍ اجتماعية وفكرية، وأن تكون شريكةً في رسمٍ تحوّل مشرق. وحدها «الحداثة» قادرة على فكّ شيفرة التأقلم مع الدنيا، وطرح وسائل أفضل مدنيّةً للعيش داخل صرعات العلم وامتداد العالم.

و«الحداثة» تشرح نفسها تبعاً لتبيئتها في أي مجتمع، فهي ليست نموذجاً متكاملاً مقدّساً، وإنما لها عناوينها الرئيسية. من الطبيعي تجدد النقاش بشأن سؤال «الحداثة»؛ وهل هي «حالة أوروبية» أم يمكن لدولٍ شرقيّة أن تستفيد من مخرجاتها وفتوحاتها؟!

لعلّ أبرز من لخّص هذه الفكرة وبشكلٍ متميز الأستاذ جورج طرابيشي، وخلاصة فكرته بشأن تبيئة «الحداثة» كالتالي:

يعدّ طرابيشي أن «الحداثة، ابتداء من الربع الأخير من القرن الثامن عشر، لم تَعُد أوروبية خالصة... فقد بات لها، منذ حرب الاستقلال، امتداد أميركي، مثلما سيكون لها، بعد عصر الميجي في اليابان، امتداد آسيوي. ولكن هذه الامتدادات، التي تنحو إلى أن تكون عالمية أكثر فأكثر، لا تلغي واقعة التطابق الفريد بين (الحداثة) و(أوروبا). فعلى مدى قرون ثلاثة على الأقل، بقيت الحداثة واقعة جغرافية، أي محصورة في أوروبا».

ثم يحلل بأن «هذا الانبثاق التاريخي للواقعة الجغرافية الأوروبية بتوسّط الحداثة هو ما جعل عمانويل تود، المؤرخ والأنثروبولوجي والسوسيولوجي الفرنسي المعاصر، يختار لدراسته عنوان (اختراع أوروبا 106). فلكأن أوروبا لم تكن، بمعنى من المعاني، موجودة قبل القرن السادس عشر».

بل يرى أن «الحداثة نتاج مركّب ساهمت فيه، فضلاً عن الأقطار الأوروبية الثلاثة الكبرى، الأمم المتوسطة الحجم مثل إيطاليا، والصغيرة الحجم مثل هولندا والسويد. بل إذا أخذنا في (الاعتبار) أن الثورة التعليمية اقترنت، (كشرط وكنتيجة) معاً، بثورة لاهوتية، فسنلاحظ أن دور الأمم الأوروبية الصغرى في مولد الحداثة كان فاصلاً: فهولندا وسويسرا والسويد كانت من المراكز المتقدمة للثورة البروتستانتية».

ولا ينتهي طرابيشي عند مفهوم «الحداثة»؛ بل عرَض لمفهوم لم يأخذ طريقه إلى التبيئة وهو «العلمانية»؛ المصطلح الذي ما فتئ يُعامل - كما يقول - منذ لحظة اكتشاف وجوده، معاملة «القريب الفقير».

ويمكنني أن أعلّق على تحليل طرابيشي بنقطتين منطلقتين من الواقع الحالي:

الأولى أن «الحداثة» ليست لغزاً أو سحراً، بل هي ماثلةٌ أمامنا في تطبيقات الدول التنمويّة الصاعدة؛ حداثة في القوانين التي تتماشى مع تطوّر العصر، والتعددية الدينية، والتنوّع العرقي والإثني، ومن ثم حداثات أخرى على مستوى الطبابة والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي والعمران، وحداثة اجتماعية تؤسس لنمطٍ محكم يوائم بين الإرث المحمود، وينخرط بقوّة في فتوحات الحداثة والتجديد.

والنقطة الثانية أن «الحداثة» ليست خطّة هندسية، ولا معادلة رياضية، ولا نظرية فيزيائي. إن أفضل تعريفٍ لـ«الحداثة» هو ألا تُعرّف. ما من تعريفٍ متفَق عليه، والتخويف منها فيه جورٌ وجهل، فالحداثة في سنغافورة غيرها في إيطاليا، وفي كوريا الجنوبية غير الحداثة في فرنسا... وهكذا.

الخلاصة أن القلق المنتشر حالياً لدى بعض المجتمعات في الإقليم بشأن «النموذج المقبل» يجب أن يحلّ في درس تجارب الدول القريبة والبعيدة. وأتيتُ بمفهوم «الحداثة» هنا لأثبت أن ثمة مفاهيم لا تزال «شغّالة» وفاعلةً يمكن أخذ الطاقة التنموية منها، والقلق بشأن «النموذج المقبل» لدى الدول المنكوبة طبيعي، ولكن الخطر في الركون إلى نماذج أحادية، أو إلى آيديولوجيات ظلامية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التغيّر الإقليمي وتحدّيات التحديث التغيّر الإقليمي وتحدّيات التحديث



GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

GMT 11:05 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل الردع الأميركي تقرره روسيا في أوكرانيا

GMT 11:03 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

لماذا الهُويّة الخليجية؟

GMT 10:58 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

هل تعود مجوهرات اللوفر المسروقة؟

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt