توقيت القاهرة المحلي 20:17:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جونسون أمام المجهول

  مصر اليوم -

جونسون أمام المجهول

بقلم - بكر عويضة

بعد موجة استقالات أمس الثلاثاء, فاجأت رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون, أصبح مصيره السياسي أمام المجهول.
بلا أي تردد في إبداء كم يحمل من إحساس غضب إزاء سياسات بوريس جونسون، زعق كريس إذ زعم أن «رئيس وزراء بلدنا يحكم الناس مثل أي ديكتاتور». الشاب، الذي أعرف منذ بضع سنين، ويتولى مسؤولية الاعتناء بحديقة بيتي الصغيرة، فهم من نظرتي الحائرة أنني لست متأكداً مما عنى بكلامه ذاك، فسارع يعلق على مضمون ما كان المذياع يبث عندما دخل إلى غرفة الجلوس - بعد ظهر أول من أمس، الاثنين - فقال متسائلاً؛ ألم تسمع ما يقول المذيع عن إقرار الحكومة اليوم أن رئيسها كان يعرف مسبقاً عن سوء سلوك كريس بنتشر، قبل أن يتخذ قرار ترقيته إلى منصب أعلى مما كان يتولى؟ أليس يثبت هكذا تصرف أن مستر جونسون، في الواقع، غير مختلف كثيراً عن حكام دول نعارض أنظمة حكمها، ونخوض أحياناً الحروب ضدها، كما روسيا، مثلاً، ورئيسها فلاديمير بوتين؟
كلا، ليس بالضبط، أجبتُ الغاضب كريس، ثم، محاولاً تهدئته، اقترحت أن يرتشف قليلاً من كوب الشاي، ففعل وجلس تحمل نظرته استعجالاً يستوضح رأيي، فقلت إن بوريس جونسون، كما أي رئيس حكومة في بلد ديمقراطي، وصل إلى المنصب عبر صندوق الانتخاب، ورغم أن الرئيس بوتين مُنتخب أيضاً، لكن واضح لكل من يعرف أبسط مقومات طبيعة الحكم في بلدين كما بريطانيا وروسيا أن الفارق شاسع بين طرق الوصول إلى قصر الكرملين، ثم كيفية استمرار البقاء فيه سنوات عدة، وبين وسائل تسلم مفاتيح مقر رئاسة الوزراء في لندن. على الجانب البريطاني، يتطلب تفادي المتاعب ممارسة الحكم بأعلى درجة من الاستقامة، وصدق التعامل، والاعتماد على وضوح الرؤية، لأن ليس من سبيل لحكم بلد بتنوع أعراق المملكة المتحدة وثقافاتها، وعمق جذورها الديمقراطية، بلا توقع مشكلات على الإطلاق، ولا سبيل، بالتالي، إلى التغلب على ما يقع من إشكالات إلا بالتطبيق الصارم لأسس الحكم الديمقراطي، ولعل من أوضح تلك الأسس وأهمها، أن يتذكر رئيس الحكومة في بريطانيا دائماً أنه كشخص «الأول بين متساوين»، أو وفق مفردات شكسبير، عظيم المبدعين في قومهم، هو «First Among Equals»، لذا متوقع منه على الدوام أن يبادر فيكون السباق إلى الإقرار بالخطأ، إذا وقع، وإلى اتخاذ كل ما يلزم من إجراءات تحول دون تكرار الخطأ ذاته، أو ما يماثله، وأن يبدأ التنفيذ بنفسه قبل غيره. هل مارس مستر جونسون هكذا أسلوب طوال تجربته في الحكم، وبلا أي تعثر إطلاقاً؟
الجواب البسيط هو؛ كلا، للأسف، لم يفعل. كارثة كريس بنتشر، الذي كان يحتل موقع نائب ضابط حزب «المحافظين» في مجلس العموم، ليست سوى آخر الكوارث التي جرها على نفسه بوريس جونسون ذاته. بالمناسبة، لعل من المناسب التوضيح، لغير العارفين، ما هي مهمة عضو البرلمان المناط به القيام بعمل «الضابط» في برلمان هذا البلد. يبدو أن الآباء المؤسسين للنظام الديمقراطي هنا، رأوا استنباط وصف المهمة من كلمة «WHIP»، التي تعني «السوط». معنى ذلك أن دور الذي توكل إليه، أو إليها، هذه المهمة، هو ضبط مواقف أعضاء الحزب، وحثهم على التزام سياسات حكومة حزبهم، خصوصاً عند التصويت على أي مشروع قانون جديد، أو قرار عاجل، تتقدم به الحكومة للبرلمان. ضمن هذا السياق، وفي نبرة غضب تشبه احتجاج الشاب كريس الغاضب، انطلقت المذيعة راتشيل جونسون، مساء الأحد الماضي، عبر إذاعة «إل بي سي» اللندنية، المتخصصة في البرامج الحوارية، تتساءل: «ولكن مَن يضبط سلوك الضابط نفسه؟». واقعياً، التساؤل محق، إنما مختصر الجواب واضح أيضاً. ذلك أن المسؤول عن أي موقع، بأي مجتمع، حقيق به أن يسائل نفسه، أو نفسها، عن مدى الالتزام بشروط المسؤوليات التي يتحمل أعباء أدائها، قبل وضعها في موضع المساءلة من قِبل الغير. حين يقدم المتولون الوظائف العامة على مراقبة أنفسهم، وكثير منهم ومنهن يفعل حقاً، يمكن تجنب الكثير مما يقع من خلل في الأداء العام.
صحيح أن مواقف بوريس جونسون باتت تشكل نوعاً من العبء على كاهل حزب «المحافظين»، خصوصاً في صفوف كبار قياداته، وكذلك بين أجيال القيادات الشابة التي تتطلع إلى كسب انتخابات عام 2024، لكن الأرجح أن البديل له غير متاح حتى الآن. أما المؤكد فهو أن بوريس جونسون ليس فلاديمير بوتين. إنهما عالمان بينهما بون كبير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جونسون أمام المجهول جونسون أمام المجهول



GMT 00:17 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

في معنى «التنوير»

GMT 19:46 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

قراءة في مذكّرات يوسف حمد الإبراهيم

GMT 19:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

محاولة بعث الصدام الحضاري

GMT 00:17 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

‎ لماذا دخل نتنياهو رفح؟

GMT 00:17 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

دورتموند نصف الدراما وكل الحظ؟!

نانسي عجرم بإطلالات خلابة وساحرة تعكس أسلوبها الرقيق 

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
  مصر اليوم - بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة

GMT 17:38 2017 الجمعة ,04 آب / أغسطس

قانون للتواصل الاجتماعي

GMT 00:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غوارديولا يحذر السيتي وآرسنال من مصير ليفربول

GMT 23:31 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نصائح الخبراء للعناية بالبشرة في المنزل

GMT 05:39 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف إسبانية لعروس 2021 تعرف عليها

GMT 05:17 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

احذر خطورة اللقاح على من يتحسّس من البنسلين

GMT 03:43 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح وأفكار تُساعدك على اختيار "جبس" غرف نوم "مودرن"

GMT 12:29 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

"المنيرة الثقافى" يعرض الأربعاء "جيوش الشمس"

GMT 09:25 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

عالم صيني يزعم ولادة أول طفل مُعدّل وراثيًا في العالم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon