توقيت القاهرة المحلي 07:01:32 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الولايات المتحدة والإفراط السياسي في توجيه الاتهامات

  مصر اليوم -

الولايات المتحدة والإفراط السياسي في توجيه الاتهامات

بقلم - د. محمد علي السقاف

يستغرب المرء بشدة قيام الولايات المتحدة بشن حملة شديدة «مكارثية» بتوجيه اتهامات لـ«أوبك بلس»، وتحديداً للمملكة العربية السعودية، بعد قرار «أوبك» الأخير بتخفيض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل في اليوم، ابتداء من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، بتوصيفها تلك القرارات أنها ذات طابع سياسي، اتخذ بالتنسيق بين الرياض وموسكو!
هل هذه الحملة تذكر بزمن الحرب الباردة وصراع القطبين بحقبة سيطرة المكارثية في خمسينات القرن الماضي، أم أن هذه المقاربة تبدو مبالغة في التشبيه؟ أليس من المستغرب والمفارقة في هذا الأمر أنها لا تقتصر على مواقف وحملة بعض أعضاء الكونغرس الأميركي ضد أعضاء «أوبك بلس»، بل إن الرئيس الأميركي جو بايدن شارك بنفسه في هذه الحملة ضد تلك القرارات، وهدد بإعادة تقييم العلاقات مع المملكة العربية السعودية بعد رفض طلبات إدارته بتأجيل خفض الإنتاج شهراً واحداً؟!
قبل تناول وإجراء قراءة موضوعية في مواقف الإدارة الأميركية إزاء قرارات «أوبك بلس» تخفيض الإنتاج، من الضروري بمكان سرد بعض الملامح التاريخية للحظر النفطي الذي أقدمت عليه الدول العربية في أكتوبر (تشرين الأول) 1974.
مثلما تُتهم الآن المملكة العربية السعودية باستخدام البترول كسلاح سياسي، اتهمت منظمة الأقطار العربية المصدرة للبترول (أوابك) بأنها هي التي اتخذت قرارات الحظر النفطي في أكتوبر 1974. وهذا غير صحيح بالمطلق كما بينا ذلك في أول دراسة خصصت في بحث هذا الموضوع في رسالة دكتوراه الدولة حول منظمة «أوابك» في جامعة السوربون عام 1977. فقد حرصت السعودية وهي صاحبة فكرة تأسيس منظمة «أوابك» العربية على إبعاد النفط من محاولات استخدامه كسلاح سياسي، وذلك حين أعلن الراحل الشيخ أحمد زكي يماني وزير النفط السعودي السابق تأسيس المنظمة من بيروت في يناير (كانون الثاني) 1968، أي بعد بضعة أشهر من مؤتمر الخرطوم الذي انعقد على إثر انتكاسة يونيو (حزيران) 1967 التي ارتفعت فيها أصوات عربية مطالبة بفرض حظر نفطي على الدول الداعمة للعدوان الإسرائيلي.
من هنا وبسبب رغبة الدول العربية النفطية في عدم تسييس النفط اتخذت قرارات الحظر في 17 أكتوبر عام 1974 من قبل وزراء النفط خارج إطار هيئات منظمة «أوابك».
في مواجهة هذه المواقف، تبنت الولايات المتحدة مبادرتين؛ الأولى ضد الدول المنتجة للنفط في منظمة «أوابك» وضد الدول المنتجة للنفط. فقد قرر وزير الخارجية هنري كيسنجر دعوة الدول المستهلكة بتشكيل تجمع مضاد للدول المنتجة، بإطلاقه هو وليس وزير الطاقة الأميركي إمعاناً في توجيه رسالة سياسية بفكرة تأسيس «وكالة الطاقة الدولية» في نفس العام 1974 بتخزين احتياطي استراتيجي من قبل الدول المستهلكة يغطي حجم استهلاكها 90 يوماً، بدلاً من 30 يوماً، ما يعني تصعيد المواجهة ضد الدول المنتجة.
وفي اتجاه الدول العربية النفطية، قررت الولايات المتحدة رفع مستوى المخزون الاستراتيجي لديها إلى ما يساوي استيراد عام كامل، أي نحو مليار برميل من النفط، إضافة إلى ذلك واكبت هذه الإجراءات بتهديدها الدول العربية باستخدام سلاح الغذاء ضدها. ويظهر هذا بوضوح باللجوء إلى استخدام سلاحي النفط والغذاء في الماضي، كما هو في الحاضر كأدوات ضغط سياسية.
السؤال المطروح هنا حول مدى مصداقية وموضوعية حملة الإدارة الأميركية ضد قرار «أوبك بلس» في تخفيض الإنتاج وتحميل السعودية المسؤولية؟ يمكن الرد على هذا التساؤل في موقفين اتخذتهما السعودية ودول عربية أخرى في التصويت، وليس في الامتناع عن التصويت مثل مرات سابقة حين عرض موضوع مشروع قرار مؤخراً أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حول ما اعتبره الغرب والأمين العام للأمم المتحدة نفسه بأنها «استفتاءات صورية غير قانونية» أجرتها روسيا وأتبعتها بضم أراضٍ من أوكرانيا خلافاً للمبادئ الأساسية لميثاق الأمم المتحدة.
والحدث الثاني إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في اتصال هاتفي، يوم السبت، غرة أكتوبر، مع ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، أنه وجّه الشكر له على دعمه وحدة الأراضي الأوكرانية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. كما أعرب عن شكره على قرار القيادة السعودية بتقديم حزمة مساعدات إنسانية إضافية لأوكرانيا بمبلغ 400 مليون دولار، مشيراً إلى أن الشعب الأوكراني لن ينسى ذلك، ما يثبت صداقة السعودية لأوكرانيا (وفق ما جاء في هذه الصحيفة). هذا المقطع يظهر بوضوح أن الأزمة المثارة هي محصورة بين إدارة الرئيس بايدن والحكومة السعودية، ولا تتعلق المسألة بغير ذلك. فالولايات المتحدة وروسيا والسعودية من كبار الدول المنتجة للطاقة في العالم. والقول إن تخفيض الإنتاج الأخير سيؤثر على الأسعار في الداخل الأميركي، ما ستكون له تداعيات على انتخابات الكونغرس في مطلع نوفمبر المقبل... هذه الحجة بإمكان الإدارة الأميركية معالجتها بتقليص صادرات النفط الخام، ما يمكنها من تزويد السوق الداخلية بإمدادات أكثر وتقليص أسعار البنزين والديزل. تلك الادعاءات تثير الدهشة في الربط بين تخفيض إنتاج «أوبك» وانعكاساته المحتملة على الناخب الأميركي، وكأنها بذلك تدعو السعودية للتدخل في الشأن الداخلي في مسار الانتخابات الأميركية المقبلة، وهو ما يتناقض مع مبادئ القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. الادعاء أيضاً بأن تخفيض الإنتاج يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط مما يساعد على تغذية المجهود الحربي لروسيا أمر مستغرب لكون الولايات المتحدة هي المستفيدة أيضاً من زيادة الأسعار، ما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقول ذلك صراحة ومطالبته بإعادة أميركا النظر في أسعار مبيعاتها النفطية لحلفائها.
من الواضح أن حملة إدارة بايدن ضد «أوبك بلس» والسعودية تجهز بذلك مبكراً كبش فداء يمكن استخدامه في حال خسرت الانتخابات التشريعية المقبلة، وبهجومها على حلفائها التقليديين مثل السعودية ستكون قد منيت بخسارة أخرى إضافية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الولايات المتحدة والإفراط السياسي في توجيه الاتهامات الولايات المتحدة والإفراط السياسي في توجيه الاتهامات



GMT 05:34 2024 الأحد ,12 أيار / مايو

اتفاق غزة... الأسئلة أكثر من الإجابات!

GMT 00:17 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

في معنى «التنوير»

GMT 19:46 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

قراءة في مذكّرات يوسف حمد الإبراهيم

GMT 19:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

محاولة بعث الصدام الحضاري

GMT 01:01 2024 الجمعة ,10 أيار / مايو

‎ لماذا دخل نتنياهو رفح؟

أجمل إطلالات الإعلامية الأنيقة ريا أبي راشد سفيرة دار "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:44 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في "كان"
  مصر اليوم - نجمات عربيات تألقن على السجادة الحمراء في كان

GMT 00:31 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

أحمد حاتم يكشف كواليس انفصاله لأول مرة
  مصر اليوم - أحمد حاتم يكشف كواليس انفصاله لأول مرة

GMT 14:26 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تتركز الاضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 00:03 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

الكويت يتأهل إلى نهائي كأس ولي العهد بهدف قاتل على النصر

GMT 21:03 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

أياكس أمستردام يضم مدافع منتخب الأرجنتين

GMT 12:23 2017 الأربعاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

"جبل الصايرة البيضاء" موقع سياحي مهجور رغم إمكاناته الكبيرة

GMT 11:51 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

طوارئ في مطار القاهرة استعدادًا للتفتيش الأمنى الأميركي

GMT 19:40 2015 السبت ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

ثلث أشجار الأمازون ونصف أنواعها مهددة بالإندثار

GMT 19:50 2015 الأربعاء ,14 تشرين الأول / أكتوبر

يرقة الفراشة اليابانية تتحول إلى براز لتحمي نفسها من الطيور

GMT 04:24 2021 الإثنين ,26 إبريل / نيسان

دعاء اليوم الرابع عشر من رمضان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon