توقيت القاهرة المحلي 02:03:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المؤدلجون في الأرض

  مصر اليوم -

المؤدلجون في الأرض

بقلم - عبدالله بن بجاد العتيبي

الأيديولوجيا المتطرفة خير أداةٍ بيد أي راغبٍ في حشد الناس وتهييج الجماهير وتقسيم المجتمعات، وهي تنجح دائماً لأنها تنخر في العقول والقلوب، ونماذج التاريخ لا تنتهي وشواهد الحاضر لا تنقضي، فتحويل الإنسان إلى كائنٍ مؤدلجٍ متطرفٍ يجعل منه قنبلة موقوتة ضد العالم كله، وضد دولته ومجتمعه وعائلته، ولن ينسى الناس جرائم بعض إرهابيي «تنظيم داعش» و«القاعدة» في قتل والديهم وإخوتهم وأقاربهم الأدنين.
وفي التاريخ العربي الحديث نماذج لهؤلاء المؤدلجين، من الشيوعيين بأطيافهم وعداوتهم لبعضهم البعض، إلى القوميين من ناصريين وبعثيين وصراعاتهم المدمرة فيما بينهم، وصولاً إلى «الإسلامويين» الأصوليين الذين سيطروا على المشهد العام في كثير من الدول العربية والإسلامية عقوداً من الزمن، ولا زال تأثيرهم قابعاً في العقول والقلوب، على الرغم من كل التطور الجاري في مواجهتهم في بعض الدول، ولكن تغيير العقول يحتاج وقتاً كافياً حتى يؤتي ثماره.
كتب الأستاذ الكبير تركي الحمد - بعد طول انقطاع - لا تعليقاً مباشراً على الأحداث الآنية اليوم، بل تحليل محكم ومهم للأفكار الرئيسة التي تقف في خلفيتها، فكان مقاله بعنوان «إدانة النازية ركيزة لإدانة الصهيونية» وقال في مطلعه محقاً: «الأيديولوجيا الشمولية بطبيعتها لا بد وأن تكون إقصائية انتقائية، رافضة للآخر – أي آخر وكل آخر – من باب أنها وحدها من يمثل الحق المطلق، والخير المطلق، والنور المطلق. فالشيوعية والإسلاموية والفاشية والصهيونية وغيرها، هي أنماط من الأيديولوجيا الشمولية التي تنطبق عليها صفات العزل والانتقاء وزعم المطلق في كل شيء»، وهو يعيد إلى الذاكرة تنظيراته الفكرية والسياسية البارعة في كتابه القديم الجديد «دراسات أيديولوجية في الحالة العربية»، الصادر مطلع التسعينيات الميلادية.
يحتاج الناس كثيراً لاستحضار مثل هذا النقاش الفكري العميق الذي يتناول خلفيات الأحداث والأفكار والفلسفات التي تقف خلفها، وطبيعة الصراعات التي خيضت وتخاض فيما بينها، بعيداً عن كل منتجات ورموز «التفاهة الممنهجة»، التي باتت تطغى على المشهد الإنساني في منطقتنا وفي العالم بأسره.
في مارس 2005 نشر كاتب هذه السطور مقالة بعنوان «تشابه الأيديولوجيون علينا»، جاء فيها: «أخذت الأصولية الإسلامية أو (الصحوة) في الانتشار أفقياً في المجتمعات العربية، واستخدمت الدين كشعار حزبي وأيديولوجيا سلطوية لتجييش الشارع خلف مشروعها السياسي، وساعدت عدة عوامل داخلية وخارجية في نمو المدّ الأصولي»، ومفهوم «الأصولية» مثل مفهوم «الأيديولوجيا» هو مفهوم فلسفي محكمٌ يعبر تعبيراً دقيقاً عن المعنى المقصود، وفي قصة تمنح نموذجاً لـ «التفاهة الممنهجة»، فقبل ما يقارب العقد من الزمان قام محررٌ نجيبٌ في صحيفة عربيةٍ دارجةٍ فيها بابان ثابتان تحت اسم «الأصولية» برفض نشر أي مقالةٍ تتضمن مفهوم «الأصولية» ويضع بدلاً عنها مصطلح «الراديكالية»، ويستكتب باحثين حسب الطلب ليردوا على كتاب صحيفته وهو في الآن نفسه لم يغير مسميات أبواب صحيفته الثابتة.
«المؤدلجون في الأرض» أكثر خطراً وأكبر ضراراً في زمن «التفاهة الممنهجة»، لأنهم بقليل من التخفي يستطيعون خداع كثير من الناس وبالذات من يسمون بـ «المؤثرين» أو «المشاهير» من نجوم «السوشيال ميديا» الذين لا يفرقون بين الحصول على المعلومات المجردة وبين القدرة على التدقيق والتمحيص والفرز، فضلاً عن إتقان التحليل والتركيب والخلوص إلى أفكار واضحة ونتائج مبرهنة.
أخيراً، فلئن كتب طه حسين نهاية الأربعينيات الميلادية كتابه «المعذبون في الأرض»، ليحكي معاناة الناس في قصص أدبية مؤثرةٍ فكُتّاب اليوم مطالبون بتوضيح من هم «المؤدلجون في الأرض» من كل دينٍ وعرقٍ ومذهبٍ وطائفة، ليحكوا معاناة البشر من هؤلاء المؤدلجين المتطرفين وخطاباتهم وأفكارهم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المؤدلجون في الأرض المؤدلجون في الأرض



GMT 21:28 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مرةً أخرى حول موسوعة تأهيل المتطرفين

GMT 08:18 2024 السبت ,18 أيار / مايو

يا حسرة الآباء المؤسسين!!

GMT 00:12 2024 السبت ,18 أيار / مايو

دعوة للإصلاح أم للفوضى؟

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

قمّة المنامة!

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

عادل إمام ونصف قرن على عرش النجومية
  مصر اليوم - ظافر العابدين يعود الى دراما رمضان بعد طول غياب

GMT 15:28 2019 الجمعة ,15 شباط / فبراير

حرس الحدود يخشى انتفاضة بتروجت على ستاد المكس

GMT 03:36 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

صيَّاد في كوبا يعثر على سلحفاة غريبة برأسين وجسمين متصلين

GMT 23:01 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الشاعِرة سندس القيسي تُصدِر كتابها الشعري الثاني

GMT 02:43 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

شريهان تخطف الأنظار في حفل زفاف شيماء سيف

GMT 01:33 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

هايدي موسى تطرح " دي حياتي" عبر "اليوتيوب"

GMT 02:28 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

مصر تشارك في مهرجان بغداد الدولي لمسرح الشارع

GMT 00:23 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

قصر ثقافة الأقصر يعرض فيلم رسوم متحركة للأطفال

GMT 20:32 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

غابرييل غيسوس يعود إلى الملاعب بعد أسبوعين

GMT 00:30 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

الخطيب يجتمع مع سيد عبد الحفيظ لمناقشة العروض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon