توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«عرابي» والإنجليز

  مصر اليوم -

«عرابي» والإنجليز

محمود خليل
بقلم - د. محمود خليل

تعلم أنه بعد أن دخل الإنجليز مصر قبضوا على «أحمد عرابى»، وحُوكم بمعرفتهم، وصدر الحكم عليه بالإعدام، ثم خُفّف إلى النفى، فى المقابل تدعمت سلطة الخديو توفيق فى الحكم بعد أن أصبح فى حماية الإنجليز، وباتت مطالب الثورة العرابية فى الإصلاح فى خبر كان.

ورغم حالة الإحباط العام التى أصابت الناس جراء فشل الثورة، فإن وجدانهم ظل معلقاً بمحبّة زعيمها أحمد عرابى، وأخذوا يلتمسون له المعاذير فى الفشل، مثل تواطؤ الخديو مع الإنجليز ضده (يا توفيق يا وش القملة.. مين قالك تعمل دى العملة)، وأن خيانة بعض من ظن «عرابى» أنهم أنصار له هو السبب فى كسره (الولس كسر عرابى).

أمام هذه الحالة وجد المحتل أن الخطوة الضرورية الأولى التى يتوجّب عليه القيام بها لتخريب الوجدان العام هى «الاغتيال المعنوى لعرابى»، فبدأوا يطلقون فى الشارع المصرى رسالة مضادة تقول: إن «عرابى هو السبب فى الاحتلال»، ولولا تحرّكه ضد الخديو لما دخل الإنجليز مصر، وأن ما قام به ليس ثورة بل «هوجة»، خرج فيها العوام والغوغاء من أجل التخريب، وأنه «عاصٍ» انخلع من طاعة أولى الأمر، وعلى رأسهم سلطان المسلمين فى إسطنبول، الذى أعلن صراحة عصيان «عرابى»، وأنه لم يكن رجل سياسة يعرف كيف يدبّر أمر البلاد، بما يحقق صالحها، وغير ذلك.

أمام هذا الطرح بدأ الشارع فى الانقسام، وظهر من بين الناس من يردّد أن عرابى «عاصٍ وفاشل وأهوج»، وأنه «ودّا البلد فى داهية»، وتسبّب فى احتلال الإنجليز لها. فى هذه اللحظة بدأ الوجدان المتماسك على فكرة تأييد «عرابى» يدخل «حالة سيولة».

ابتعد أداء المحتل الإنجليزى عن العشوائية وهو يقوم بمهمة «الاغتيال المعنوى لعرابى»، واعتمد على أدوات مؤثّرة فى هذا الاتجاه. كان من بينها بعض الصحف التى أنشأها المحتل وموّلها، لتقوم بمهمة أساسية، هى الهجوم على عرابى وتشويه صورته أمام الرأى العام المصرى. ومن العجيب أن تجد بعض رموز الوطنية المصرية الذين عاصروا «عرابى» وعلت أصواتهم بالمطالبة بجلاء الإنجليز عن مصر اتجهوا هم الآخرون إلى تشويه صورة الرجل، فالكثير من رموز الحزب الوطنى -وعلى رأسهم مصطفى كامل- وصحيفة «اللواء» تعمّدوا الهجوم على «عرابى» والإساءة إليه.

والأعجب أن تجد شاعراً كبيراً مثل أحمد شوقى يستقبل أحمد عرابى، بعد عودته من المنفى، بقصيدة طويلة يهجوه فيها، يقول مطلعها: «صغار فى الذهاب وفى الإياب.. أهذا كل شأنك يا عرابى.. عفا عنك الأباعد والأدانى.. فمن يعفو عن الوطن المصاب».

لم ينزعج الإنجليز من الاعتماد على توظيف فكرة أن «عرابى» السبب فى الاحتلال» فى رحلة الاغتيال المعنوى لشخصه، بل ربما كانوا وراء طرحها فى الشارع، من أجل تخريب الوجدان العام، وقد نجحوا فى ذلك، ووجدت الفكرة على مستوى النخبة السياسية والأدبية من يروج لها، وعلى مستوى الشارع كثيرين ممن تقبلوها وردّدوها، رغم ما فيها من قفز على الحقيقة الموضوعية التى تقول إن الإنجليز كانوا يخططون لاحتلال مصر منذ حملة نابليون على البلاد (1798 - 1801)، وأنهم سيّروا حملة لاحتلالها عام 1807، لكنها انكسرت أمام مقاومة الأهالى لها، ورغم ذلك ظل الإنجليز يتدخّلون فى شئون مصر ويسعون إلى السيطرة عليها، حتى تحقّق الهدف عام 1882.

كما أن هناك حقيقة أخرى تقول إن من دعا الإنجليز لدخول مصر بهدف حمايته هو الخديو توفيق، وليس «عرابى»، ورغم ذلك لم يتّهمه أحد بالتسبّب فى احتلال مصر.

كان لـ«عرابى» أخطاء كثيرة بالفعل، لكنها أخطاء رجل حاول الاجتهاد فى إصلاح الواقع الذى يعيش فيه، فأصاب فى أحوال، وأخطأ فى أخرى

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«عرابي» والإنجليز «عرابي» والإنجليز



أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt