توقيت القاهرة المحلي 18:24:30 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوجه الصامت

  مصر اليوم -

الوجه الصامت

بقلم : محمود خليل

صمت الشعوب يثير القلق أكثر من صخبها.. عندما يميل المجموع إلى الزعيق والتعبير عن نفسه فعليك أن تطمئن بالاً إلى أنه لن يتحرك قيد أنملة عن منصة «الزعيق»، لكن عندما يصمت فإن ذلك مؤشر بأنه يدبر أمره لتململ أو تمطع قد يكون له ما بعده.

الصمت قلق.. والتعبير عن الوجع أمان. نحن كمصريين نقلق على الشخص الذى يستقبل خبراً موجعاً بالصمت، ولا نطمئن على حاله إلا عندما يصرخ ويبكى.

لم يجد المخرج المبدع «محمد راضى» عنواناً أنسب وأجمل من «أبناء الصمت» لفيلمه الذى أخرجه عام 1974، وأراد أن يعبر به عن حالة الصمت التى لفَّت قطاعاً من المصريين بعد نكسة 1967، وكان هذا الصمت نذير العاصفة التى هبت فى أكتوبر 1973 وجاءت بالنصر المجيد.

جسّد «السيد راضى» فى هذا الفيلم شخصية جندى أصيب خلال انسحاب 1967، واحتلت الأرض التى كان يقف عليها دون أن يطلق رصاصة واحدة. لم ينبس بكلمة خلال كل مشاهد الفيلم، كان يتوجع فقط من داخله، وظل على تلك الحال حتى انفجر بركاناً ثائراً فى أكتوبر 1973.

قبل زمان «أبناء الصمت» بزمان توقف «دى شابرول» -أحد كتاب مجلد «وصف مصر» ومن علماء الحملة الفرنسية- أمام ملمح عجيب من الملامح التى تميز المصريين، والمتمثلة فى «الوجه الصامت».

يقول «دى شابرول»: «لا يمكنك أن تكتشف ما يعتمل فى نفس المصريين عن طريق ملامحهم، فصورة الوجه ليست مرآة لأفكارهم، فشكلهم الخارجى فى كل ظروف حياتهم يكاد يكون هو نفسه، أى يحتفظون فى ملامحهم بنفس الحيدة وعدم التأثر، سواء حين تأكلهم الهموم أو يعضهم الندم أو كانوا فى نشوة أو سعادة عارمة».

وصف يستفز التفكير، لكن تتبع حلقات التاريخ تستفزه أكثر.

فهذه الوجوه الصامتة والأجساد الساكنة والتى كانت قد خرجت لتوها من ثورة القاهرة الأولى ضد الحملة الفرنسية انطلقت إلى التحرك ضد الفرنسيين فى ثورة القاهرة الثانية من أجل طردهم من البلاد.

الكاتب المبدع نجيب محفوظ كان منشغلاً أيضاً بحالة الصمت التى تضرب وجوه المصريين فى أوقات معينة، استحضر هذا الملمح فى رواية «الحرافيش»، وكذلك رواية «أولاد حارتنا».

فما أكثر ما كان يقابل الحرافيش والبسطاء من أبناء الحارة أوجه القهر التى تمارس عليهم بوجوه صامتة، فى وقت يتوقع فيه من يراقبهم غير ذلك.

ما أكثر ما سرد نجيب محفوظ مواقف عبَّر فيها عن فكرة أن «الإهانة فى الحارة مسألة عادية» لا تستحق التوقف، وأن من تسقط فوق رؤوسهم الإهانة يقابلونها بوجوه صامتة.

لكن النهر الهادئ كان يعكس دائماً حركة فى أسفله، وسرعان ما تفور مياهه، لينقلب السطح الهادئ إلى شلال يكتسح ما فى طريقه. تجد ترجمة لذلك فى حكايات «الحرافيش»، حين ثار «شمس الدين» رقيق البنية على ضعفه وتمكن من الجلوس على منصة الفتونة بعد اختفاء «الناجى الكبير»، وهو ما حدث أيضاً مع الناجى الأخير فى الحكاية العاشرة حين انتفض «عاشور الحفيد» ضد حسونة السبع.

فما أكثر ما يقطع الوجه الجامد صمته ويصنع الأعاجيب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوجه الصامت الوجه الصامت



GMT 11:12 2021 الأحد ,11 إبريل / نيسان

توجيه رئاسي للوزيرة!

GMT 09:18 2021 الأحد ,28 آذار/ مارس

أَتَاك عَلَى قُنُوطٍ مِنْك غَوْثٌ

GMT 15:42 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع
  مصر اليوم - اللون الذهبي يرسم أناقة النجمات في سهرات الربيع

GMT 19:21 2017 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتحاد الكرة يشكل لجنة ثلاثية لمتابعة شؤون اللاعبين

GMT 11:47 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وفاة والد الفنانة سهر الصايغ

GMT 20:10 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرارات جمهورية للرئيس السيسي

GMT 22:11 2019 الإثنين ,09 أيلول / سبتمبر

طارق يحيى يؤكد أن مرتضى منصور شخصية طبية وودودة

GMT 11:20 2019 الأربعاء ,04 أيلول / سبتمبر

بيومي فؤاد يصور فيلمه الجديد "بكرة" في الزمالك

GMT 15:35 2019 الخميس ,20 حزيران / يونيو

"أبل" تدرس نقل أعمالها في الصين إلى دول آسيوية

GMT 10:34 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

أسعار العملات العربية اليوم الأربعاء 19-6-2019

GMT 07:26 2019 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

تسريحات شعر من وحي نادين نجيم في "خمسة ونصف"

GMT 14:30 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

50 هدفًا تفصل "ليونيل ميسي" عن عرش "بيليه"

GMT 10:11 2019 الجمعة ,25 كانون الثاني / يناير

الأهلي يواجه الزمالك 30 آذار في برج العرب دون جمهور

GMT 20:57 2019 الثلاثاء ,22 كانون الثاني / يناير

إعدام طالب جامعي شنقًا قتل مدرسًا في محافظة البحيرة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon