توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزوة الكشرى الكبرى

  مصر اليوم -

غزوة الكشرى الكبرى

بقلم - عادل نعمان

أصبحنا على يد هؤلاء وبفضلهم ننام على غزوة ونهب ونفيق من النوم على الأخرى. جيوش جرارة معبأة، حمر مستنفرة ومحرضة على أهبة الاستعداد للذود عن الدين حتى لو كان الهدف إحباط مؤامرة وصول طبق من الكشرى إلى أسرة غير مسلمة تسد به رمقها أو تشبع جوع أطفالها.. أو قطع الطريق على شربة ماء لفاطر بعذر أو بدون.. أو تعطيل صب كوب من الشاى ينبه من كان على سفر.. أو فرض الحصار لمنع وصول غداء أو عشاء لسائح غريب، ويقتضى الأمر إغلاق أبواب المطاعم فى وجوه هؤلاء.. وإجبار كل خلق الله على الصيام، مَن كان منهم مريضًا أو على سفر، مسلمًا كان أو غير مسلم، مكلفًا أو غير مكلف، وإبعاد شبح الطعام ورائحته ونكهته، والنساء وفتنتهن وجمالهن، والسيجارة ورائحة التبغ الفواحة، والطيب وشذاه، حتى لا نؤذى مشاعر صاحبنا الصائم، ويظل صامدًا صلبًا دون إغواء أو غواية، فصاحبنا صائم على حرف.
 لا يهم أن يكون الغازى أو المدافع أو الفاتح كاذبًا أو صادقًا، شريفًا أو فاسدًا، منحلًا أو عفيفًا، بارًّا بأهله أو عاقًّا لهم، يرد الأمانات لأهلها أو آكلًا لأموال اليتامى وميراث البنات والصغار.. ولما يرفع يديه ليحبط محاولة تهريب طبق الكشرى فى «غزوة الكشرى الكبرى» أو غيرها، يُرفع على الأعناق ويتقدم الصفوف ويغفر الناس له ما تقدم من ذنبه فى حق العباد واليتامى وذوى القربى وما تأخر.. هكذا نحن نمجد البذىء والخادش للحياء والسافل والفاحش إذا رفع راية الدفاع والذود عن الإسلام منافقًا ومخادعًا ومضللًا، مهما طال أذاه الأبرياء أو جار على مظلوم، أو داس على برىء فى غزوته الميمونة، أو قتل أو أحرق أو سلب أو نهب، ونصدقه ونثق فيه، وكأنه حامى الحمى والحارس الأمين على دين الله.

نحن يا سادة لم نتخذ الإسلام دينًا نتقرب به إلى الله، أو نمارس شعائره فى أمن وسكينة، أو نحسن به إلى الناس، أو نمهد به الأرض لصالح الأعمال والأفعال وإعمار الأرض، أو زيادة الإنتاج، أو نرسم به طريق المحبة والسلام بين الناس، بل اتخذناه قوة وبطشًا ووسيلة للقهر والإجبار وحجة للاستعلاء والاستقواء، كما اتخذه الأوائل زلفى وذريعة لتحقيق طموحاتهم وأحلامهم التى حُرموا منها، ومبررًا للسطو والغزو على البلاد للخروج من حالة الفقر والعوز والحاجة كما كانت صناعة الإمبراطوريات القائمة، إلا أن استمرار هذه الخدعة تحت ستار الدين أمر لم يعد مقبولًا أو محمودًا أو مستساغًا، وقد كان ضرورة سياسية واقتصادية فى فترة تاريخية، حتى لو كان الدين سندًا له ونصيرًا بحكم الظروف والأحوال.. ولو لم يكن لهذا الحزب العربى البدوى من دين يجتمعون حوله ويلتحفون بقوته ما استطاعوا إلى ما فعلوه سبيلًا.. ولولا قوة هذا الحزب ما وصل الإسلام إلى ما وصل إليه وامتد من المشرق إلى المغرب، وما استطاعا معًا إقامة هذه الإمبراطورية، وانتصر كل منهما للآخر، إلا أنها خدعة قد انطلت على العوام، وأصبح فض الاشتباك والتشابك بين السياسة والدين أمرًا عسيرًا، وكذلك بين مصالح العباد ومنافعهم وبين الهدف الأسمى للدين، وبين القيام بالعبادة كما وجبت وبين الأذى الذى يلحق بخلق الله إذا امتنعوا، وبين الجهر بالشعيرة وبين من أراد الاحتفاء بها سرًا بينه وبين خالقه، وبين حق المسلم وحق الآخر فى دينه وعباداته.. وهى أمور تفرضها الضرورة فرضًا لا مناص ولا فكاك منها، وإلا خسر الطالب والمطلوب.

أما عن العوام (جمع عامة، ويطلق على الجمهور من الناس)، وهم أدوات المشايخ، وأداة غزواتهم وحروبهم، ووسيلة الحفظ والتعبير والملاحقة والمطاردة.. فقد وجب الحفاظ عليهم دائمًا فى حالة استنفار واستعداد.

يقول أحد المضللين من مشايخنا: «متى خرج العوام من أيدى علمائهم ضاعوا».. هؤلاء العوام الذين يستكينون ويرضخون ويطيعون، يصف العلماء الواحد منهم «كالميت بين يدى مغسله» يصنع فيه ما شاء، أداة طيعة تُساق وتُجرّ إلى ساحات الوغى والغزو دون وعى أو رشاد، هذا هو ما أنتجته أيديهم من بطش وقسوة، وهذه تربيتهم وصناعتهم وبضاعتهم التى جهلت وفسدت وتلفت، منهم من يتلاعب بالدين ويستثمره لمكسب ومغنم كما تلاعب به أجداده وربحوا وكسبوا، ومنهم من فقد العقل والتمييز والتفكير والرؤية والرؤيا والهدف، ومنهم من فقد الحكمة، وهم كُثر، حين تغافلوا عن دور العقل، وتجاهلوا غريزة الاستطلاع والفضول والبحث عن المعارف والعلوم وكشف أغوار الطبيعة وفهم مسالك ودروب الحياة واكتشافها ولمس الحقائق والنظر إليها.

وليس غريبًا هذا على الإنسان، حتى البدائى، وإلا ظل على بدائيته وهمجيته، وهذا هو سر الله فى خلقه، إعمال العقل والتفكير والتدبر والارتقاء.

غزواتكم تُرد إليكم.. تنتحرون كل ساعة، وتتأخرون عن الركب فراسخ وأميالًا كل يوم، وتُواجهون بالعناد والإنكار من الصغير قبل الكبير، وتخسرون وتتقهقرون وتخجلون بعد كل غزوة من الغزوات على مسمع ومرأى من الناس، وندعو ونبتهل إلى الله أن يُكثر ويبارك فى غزواتكم حتى يكتشف العوام الطريق القويم.

(الدولة المدنية هى الحل)

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزوة الكشرى الكبرى غزوة الكشرى الكبرى



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt