توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غزة والإبادة وهتافات النصر المبين

  مصر اليوم -

غزة والإبادة وهتافات النصر المبين

بقلم - عادل نعمان

لا أتصور أن التاريخ سيشهد بأن طوفان الأقصى انتصار لحماس مهما جلجلت وهتفت ودقت طبولها بالنصر المبين، ولو شاطرتها فى هذا كل الفصائل والفرق الجهادية الإسلامية حتى إيران وأقسموا جميعا جهد أيمانهم، مادام الشعب الفلسطينى المغلوب على أمره يقتل ويباد ويقتلع من جذوره، ويتكبد عناء التهجير، ويحمل متاعه القليل وأطفاله وشيوخه إلى هجرة لم يكونوا بالغيها إلا بشق الأنفس ولربما ماتوا جميعا قبل بلوغها، أو إلى خيام مهترئة على حدود مغلقة لا يملك أصحابها من الأمر شيئا، يتضورون جوعا، ويقاسون برودة الشتاء دون ستر، ويحرمون قطرة ماء نقية يروون بها ظمأهم، ويوارون جثامين أطفالهم الثرى دون جريرة ولا ذنب، حتى عز عليهم البكاء وجفت دموعهم وتشققت وتحشرجت صراخاتهم فلا تقوى على الأنين، وضن عليهم ضمير العالم فضاقت عليهم الأرض بما رحبت وناموا وسط أكفانهم وأشلائهم ورعدات الخوف فى عيون أطفالهم، ورجفات الرعب على وجوه أمهاتهم، ومصير الثوانى المقبلة الدامية لا يفارقهم لحظة واحدة.

والنصر المبين لحماس ربما يقبله الغرباء أو المطففون الذين يكيلون فيخسرون، إذا ما غابت خسائر الشعب الفلسطينى ومعاناته وقتلاه وضحاياه وأشلاؤه من المعادلة، حتى لتصبح المعادلة محصورة ومحدودة بين خسائر الكتائب الجهادية المقاومة للاحتلال، وما يتكبده المحتل الإسرائيلى فقط، يصبح النصر فى صالح المقاومة مهما كالوا على الناس وخسروا، حتى لو كانت أضعاف خسائر المحتل، فنكيل معهم ونقسم على النصر المبين، إلا أن المعادلة والكيل لا يقبل المساومة أيتها المقاومة، فلا نصر مقابل تشريد شعب وتيتم أطفاله وتجويعهم وتهجيرهم واقتلاعهم من ديارهم، ونزع أبسط حقوقهم الإنسانية فى المأكل والمشرب والنوم تحت غطاء وتحت سقف يقيهم برودة هذا الجو القارس، فلا نصر إذا هزم الشعب، ولا فتح إذا هجروا واقتلعوا من ديارهم، ولا فوز إذا شردوا بلا مأوى، ولا مقاومة إذا خلت الأرض من عمارها.

والحروب الحديثة غالبا ما تتبادل القوى المتحاربة كل الفرص، كلهم منتصرون ومنهزمون، إذا علت قدم طرف على آخر، تخلفت يده عند الأخرى، وإذا ارتقى فارس جوادا هنا نهض فى الصفوف فارسان هناك، كلها تؤخذ فى الحسبان عند التهدئة والتفاوض، والجهات والجبهات غالبا ما تتقابل وتتعادل وكأن النصر والهزيمة خارج المعادلة، كل طرف له معادلاته وحساباته الخاصة، حتى لتسمع عند الطرفين آيات النصر فى وقت واحد، وتوزيع الأوسمة والنياشين والقلادات على الشاشات، ومنح صكوك الشهادة والجنة والحور العين على موتى الجميع، وربك أعلم بمن فاز ومن خسر، هذه حروب الجيوش، أما عن الشعوب فالهزيمة مكشوفة إذا تركوا الديار، وملعونة إذا جاعوا وماتوا ودفنوا بالعشرات فى مقابر جماعية مجهولى الهوية، ومقروءة فى صفوف الجوعى، ومسموعة فى أنين الأمهات، وحاضرة على جثث القتلى فى الطرقات والمشافى وأسلاك الحدود والساحات، وصامتة على ألسنة شعب يتوق إلى ما كان قائما قبل الحرب، راضون العودة قبل الجهاد والنضال، يتوقون الإياب إلى بيوتهم يضمون جدرانها فى أحضانهم خلف الأسوار.

وأكاد أرى شبحا يتقدم فى عتمة الليل يتخفى وربما تظهر معالمه قريبا، فليس القضاء على حماس وكتائبها القتالية يستحق كل هذا الدمار، وما كانت عودة فتح لإدارة القطاع تتطلب هذا التهجير القسرى وهذه الأرض المحروقة والإزالة الممنهجة وطمس معالم غزة ومسحها، هذه الإزاحة وهذا الإقصاء مع الإبادة والشطب أكبر بكثير من القضاء على حماس وعودة فتح، وقد فتحت حماس بابا لإسرائيل ما كانت يوما تحلم به، بل وعجلوا لها القرار، وبات الحلم واقعا فرضته الأحداث من وسع، وأصبحت الأرض الغزاوية تحت هيمنتهم وسيطرتهم فارغة بلا شعب، خالية من الإنس والجن، شاغرة حتى من جدران البيوت وصور المدينة وأشجار الزيتون، ولا أتصور أن تفلت هذه الفرصة من أنياب إسرائيل، أو يصيبها الخبل وتسمح بعودة الغزاوية إلى ديارهم، فلم تسمح بحق العودة أو بقرارات وقف بناء المستوطنات، أو عودة الأرض المحتلة قبل أو بعد 67، فكيف تقبل عودة غزة وهى خاوية على عروشها؟، ستغلق إسرائيل الباب تماما بالضبة والمفتاح على دولة إسرائيل نفسها، وتتمدد فى القطاع ما أمكن لها هذا، وتقيم المستوطنات الحربية عازلة على ما تبقى لأهل غزة من القطاع، أما عن أحوال الغزاوية وتكدسهم فى رفح فهو آخر اهتمام إسرائيل وللأسف حماس، وعلى المدى الطويل يمكن تقليص أعدادهم بالهجرة والنزوح والتضييق عليهم فيتركون لهم الجمل بما حمل فى عام أو عشرة أو أكثر، قلنا ومازلنا نقول إن الحمساوية يكيلون كيل المطففين. «الدولة المدنية هى الحل».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غزة والإبادة وهتافات النصر المبين غزة والإبادة وهتافات النصر المبين



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 13:35 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء
  مصر اليوم - استمرار استبعاد صلاح من التشكيل يفتح باب الرحيل في الشتاء

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt