توقيت القاهرة المحلي 12:45:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

زعامة دينية لا ملك.. ودين لا دولة

  مصر اليوم -

زعامة دينية لا ملك ودين لا دولة

بقلم - عادل نعمان

إلا أن الرسالة كانت تستدعى زعامة دينية للرسول بين أهله وعشيرته، حتى يستطيع أن يمارس مهمته.. والزعامة الدينية أقوى نفوذا وسلطة من الزعامة السياسية، بل هى أعلى مقاما من كل العلاقات الإنسانية، وأقوى من صلات الرحم.. والزعامتان متناقضتان ومتخاصمتان ولا تجتمعان فى مكان واحد أو فى شخص واحد وإلا تاهت الرسالة بينهما. وقد كان ضروريا أن يكون الزعيم الدينى «النبى» متفردا وفريدا وعاما وشاملا ومهيمنا دون شريك أو وسيط، وسلطانه وسلطاته أعلى من سلطات الحكام والملوك، ومجاب ومسموع ومطاع دون دستور أو عقد إجتماعى أو تحديد سلطات حاكم أو محكوم، شاملا الإنسان وما يحيط به من مال وولد وجسد، وضمائر ونفوس ودخائل، والظاهر من النفوس وباطنها، وعلاقة الإنسان بما يحيط به من إنسان وجماد، حتى علاقة الرجل بزوجه وأهله وولده.. بمعنى أعم حياة الناس حتى مماتهم بين يديه وعلى لسانه وعلى حدود عينيه التى تتجاوز عيون الجميع، وليست هذه السلطات الروحية كلها من سلطة أى حاكم، بل هى من سلطة الأنبياء فقط ليس غير.
هذه الزعامة الدينية الروحية محدد لها ومقرر عليها أن تبلغ عن الله دون زيادة أو نقصان، «قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدى لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل» وكذلك «فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ»، فليس للرسول سلطة الإجبار، وليس له حق الإملاء أو الإكراه، وليس بوكيل عن الناس، فمن اهتدى منهم فلنفسه ومن ضل فعليها، وهذا ما دفع ابن تيمية إلى أن يتعامل مع مقام النبوة معاملة الإنسان العادى دون تقديس أو إعجاز، وعلى اعتبار«قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى أنما إلهكم إله واحد».. فهو لهذا يرفض سؤال النبى والاستعانة به والشفاعة والمدد منه حال حياته أو وفاته، ويرى وغيره أن عصمة الأنبياء فيما يوحى إليهم به فقط، وغير هذا فلا عصمة لهم، ويرفض بركة النبى وأهل بيته متعللا بقول النبى نفسه «إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله»، حتى إنه قد نهى عن زيارة قبور الأولياء والصالحين وحتى الأنبياء بمن فيهم رسول الله، وكتب فى هذا كتابا «لا يجوز لأحد أن يشد الرحال إلى قبر النبى، لكن يشد الرحال إلى المسجد فقط»، وفى هذا يقول «إذا خرج الرجل من بيته وقال: سأزور قبر الرسول فهذا سفر معصية»، وحُبس فى سجن القلعة بدمشق بسبب كتابه هذا حتى رحل عن دنياه.

وانتهت الزعامة الدينية بوفاة النبى، وانقطع الوحى بين السماء والأرض بعد أن أكمل الدين ونعمته، وأتم قواعد الرسالة الروحية والدينية والعقائدية، وأصبح الدين خالصا لله، ولم يكن فى هذه الرسالة المكتملة البنيان المشيدة الأركان شىء يمت بصلة من بعيد أو قريب إلى السياسة أو الدولة أو الحكم أو نظامه وخطواته، وهو بناء سياسى دنيوى لا ينتهى العمل به مادامت حركة الحياة مستمرة، ولا يستكمل له بناء أبدا، دائم التشييد تبعا لتطور حركة الحياة والعلوم والآراء والاتجاهات وتباين المواقف السياسية والاقتصادية ومظاهر الحياة المتحركة، وليس بناء دينيا أخلاقيا قد تم تشييده وبناؤه ويجمّل ويرتب حسبما يجد فى حياة الناس.

وما كاد خبر وفاة النبى يعم الأطراف وعلم الناس بوفاة الزعامة الدينية، حتى وضح هذا التباين جليا وظهرت الزعامة السياسية الجديدة التى كانت تعلم أنها ليست بديلا عن الزعامة الدينية للرسول، بل زعامة سياسية جديدة تفرضها ظهور الخلافات وانكشاف الضغائن والأحقاد والمنافع، التى استدعت البحث عن هذه الزعامة الجديدة التى تحافظ على هذا المكسب العربى الذى بدا يميزها عن غيرها من الأمم، ويطوع الدين تحت لوائه أو يستخدم كل منهما الآخر يتبادلون فيه المصالح والمنافع.

الزعامات السياسية الجديدة انشأت ما يسمى بـ«الدول الدينية» التى كان أهم معالمها الإرهاب والعنف، وتهديد حياة الجميع، الخصوم والمؤيدين وغير المسلمين، ومطاردة المعارضة والمخالفين فى الرأى والمذهب، ولم تسلم الفرق والملل والنحل حتى المجتهدون فى الرأى، وهو تاريخ مقروء ومسموع.

هذا النموذج لم يعد مقبولاً، فالمجتمع الدولى لن يقبل تمييزا بين أبناء الوطن الواحد على أى شكل عنصرى أو عقائدى، بل الجميع سواء، وليس كما يدين ويعتقد أصحاب الدولة الدينية وحرصها أولا على أن تضع خطوطا وفواصل ودرجات بين مسلم وكافر، ورجل وامرأة، ومتدين وعاص، فلا معيار الآن سوى لمعايير الإنسانية، فهى حلقة الوصل بين الجميع، والمواطنة هى أساس بناء الأمم.

«الدولة المدنية هى الحل»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زعامة دينية لا ملك ودين لا دولة زعامة دينية لا ملك ودين لا دولة



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء

GMT 15:16 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة "الكهرباء" تستعرض خطط التطوير في صعيد مصر

GMT 19:26 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمن الجيزة يكشف عن تفاصيل ذبح شاب داخل شقته في منطقة إمبابة

GMT 22:47 2018 الجمعة ,31 آب / أغسطس

أمير شاهين يكشف عن الحب الوحيد في حياته

GMT 00:49 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

أيتن عامر تنشر مجموعة صور من كواليس " بيكيا"

GMT 04:18 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

اندلاع حريق هائل في نادي "كهرباء طلخا"

GMT 22:56 2018 السبت ,02 حزيران / يونيو

فريق المقاصة يعلن التعاقد مع هداف الأسيوطي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon