توقيت القاهرة المحلي 19:05:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ذكريات متجددة

  مصر اليوم -

ذكريات متجددة

بقلم : مصطفى الفقي

فى كل مرحلة عمرية تطفو على السطح ذكريات اختزنتها الذاكرة الذاتية لسنوات طويلة، بل إن المرء كلما تقدمت به السن ارتدت إليه الذكريات البعيدة من الطفولة والصبا، فأنا مازلت أتذكر مشهد القرية التى ولدت فيها حين ظهر وباء الكوليرا وكنت لا أتجاوز الثالثة من العمر، وأدهش أن صورة الناس وهلعهم وقتها والأحاديث المتكررة فى منزلنا وخارجه عن ذلك الوباء مازالت تطرق مخيلتى كما أتذكر أيضًا هتافات الجماهير الوفدية أمام منزلنا تحيى ابن المغازى باشا المرشح لمجلس النواب عام 1950، ورغم أننى لم أكن قد بلغت السابعة من العمر إلا أن تلك الشعارات لا تبرح ذاكرتى أيضًا وأتمثل المشهد القائم كأنه أمامى الآن، وما أكثر ما تجتر الذاكرة من مشاهد وما تدفع به الأيام ليطفو على السطح بعد أن كان قد انزوى فى زحام الأحداث وتطور سنوات العمر، ويهمنى هنا أن أؤكد أن التكنولوجيا الحديثة سوف تنتقص من قدرة الذاكرة وتصبح بديلًا للخيال الواسع والرؤية البعيدة وتحيل الإنسان بعد عدة عقود إلى ما يشبه الروبوت أو الإنسان الآلى فى ظل مسميات جديدة مثل الذكاء الاصطناعى وعالم الخيال العلمى بخطواته الواسعة وتطوراته المتلاحقة، ثم تنتقل المشاهد فى ذهنى من سنوات الطفولة إلى يوم أن حصلت على الدكتوراة فى 26 أغسطس عام 1977 من جامعة لندن وقال لى البروفيسور فاتيكيوتس يومها الذى كان مشرفًا على رسالتى فور عودته من جلسة المداولة مع البروفيسور روجر أوين، رئيس قسم الشرق الأوسط فى جامعة هارفارد، وكان وقتها منتدبًا فى جامعة أكسفورد، قال لى أستاذى المشرف باللغة العربية لأول مرة مبروك.. تستطيع أن تتصل بزوجتك وتبلغها أنك أصبحت تحمل لقب دكتور! وتقفز مخيلتى عبر السنين إلى الوراء لأتدارك ذلك اليوم الذى كنت أستمع فيه إلى الراديو عام 1954 والرئيس عبدالناصر يلقى خطابًا فى ميدان المنشية بالإسكندرية فإذا صوت الرصاص يدوى فى محاولة الاغتيال الشهيرة التى استخدمها عبدالناصر فى تصفية جماعة الإخوان المسلمين حينذاك لضلوعها فى مؤامرة الاغتيال، وأتذكر ذلك اليوم الأسود فى ظلام القاهرة والرئيس عبدالناصر يلقى خطاب التنحى بعد هزيمة يونيو عام 1967 وكيف كانت مشاعرنا متداخلة وأفكارنا ملتبسة ونحن نمضى فى الشوارع وسط الحشود الضخمة فى ظل أصوات المدفعية المضادة للطائرات وأجواء الهزيمة التى خيمت على سماء القاهرة وجثمت فوق صدور البشر، ويومها تعاطف الملايين مع الزعيم إيمانًا به وإحساسًا بالخوف من المستقبل ورغبة فى أن يواصل سائق القطار قيادته لأقرب محطة أمان، وأتذكر أيضًا ظهيرة السادس من أكتوبر عام 1981 وأنا فى إجازة من عملى فى السفارة المصرية بالهند فإذا التليفزيون يقطع إرساله وسط أخبار عن محاولة انقلاب عسكرى واعتداء مسلح على الرئيس الراحل أنور السادات وهو على منصة العرض العسكرى، وكنت فى تلك اللحظة أقف فى مطابع الأهرام أتابع كتابًا أصدرناه مشتركين- المستشار طارق البشرى والمستشار وليم سليمان قلادة وأنا- وكتب لنا مقدمته الدكتور بطرس بطرس غالى، وظللنا نرقب الأخبار وبعد ساعتين على الأكثر نعت مصر رئيسها شهيدًا فى يوم الاحتفال بانتصاره، كما مازلت أتذكر أيضًا ما حدث ذات يوم وأنا عضو فى مجلس الشعب حيث كان الرئيس الراحل مبارك يلقى خطابه فإذا به يضطرب بشكل واضح وتسبق الكلمات بعضها ثم ينهار قيد السقوط الكامل من على المنصة ويهرع الحرس لمساندته وأخذه خارج القاعة ويهبط بعض ضباط الحرس من الأدوار العليا إلى مكان الجلسة مطالبين بالهدوء وأن يجلس كل فى مكانه مع غلق أبواب القاعة الكبرى وكان شيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية يتناوبان الدعاء للرئيس إزاء الصدمة التى حلت بالجميع، رأيت القائد العام للقوات المسلحة ومعه الدكتور حمدى السيد أستاذ القلب الشهير يخرجان من الجلسة إلى حيث يجلس الرئيس لإسعافه بينما اتجه وزير الداخلية ومحافظ القاهرة كل إلى مكتبه لمتابعة الأحداث التى تجرى، ولكن الرئيس أفاق بعد ساعة أو أقل حيث اكتشف الأطباء أنه كان يعانى من أنفلونزا حادة ولكنه جاء إلى المجلس قبل أن تستقر حالته الصحية فى ظل المضادات الحيوية التى تضعف المناعة وتوهن الجسد وتؤدى إلى هبوط حاد، ولكن الذى يطفو على قمة ذاكرتى هو أننى كنت فى إجازة من عملى فى لندن أتمشى فى شارع الشواربى فى وسط العاصمة المصرية فإذا صوت الراديو يفاجئ الجميع بأخبار العبور العظيم وبدأت المعارك الشرسة التى انتهت بالنصر الذى لا أنسى ذكرياته ولا شعورى عند عودتى إلى لندن فأجد أن صورتنا قد اختلفت وأن مكانتنا قد ارتفعت.. إنه مخزون ذكريات بلا ترتيب ولكنها لا تبرح الخيال ولا تذهب عن البال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ذكريات متجددة ذكريات متجددة



GMT 09:47 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

مواسمُ الأعياد.. والقلوبُ الحلوة

GMT 09:43 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

بورصة التغيير!

GMT 09:40 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

فنى ثم فنى ثم بيتى!!

GMT 09:38 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

القبطى الوحيد

GMT 09:35 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

صناعة البديل

نانسي عجرم بإطلالات خلابة وساحرة تعكس أسلوبها الرقيق 

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 05:21 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة
  مصر اليوم - بايدن يؤكد استعداده لإعادة إعمار غزة

GMT 17:38 2017 الجمعة ,04 آب / أغسطس

قانون للتواصل الاجتماعي

GMT 00:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غوارديولا يحذر السيتي وآرسنال من مصير ليفربول

GMT 23:31 2021 الأحد ,19 أيلول / سبتمبر

نصائح الخبراء للعناية بالبشرة في المنزل

GMT 05:39 2021 السبت ,09 كانون الثاني / يناير

فساتين زفاف إسبانية لعروس 2021 تعرف عليها

GMT 05:17 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

احذر خطورة اللقاح على من يتحسّس من البنسلين

GMT 03:43 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح وأفكار تُساعدك على اختيار "جبس" غرف نوم "مودرن"

GMT 12:29 2019 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

"المنيرة الثقافى" يعرض الأربعاء "جيوش الشمس"

GMT 09:25 2018 الخميس ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

عالم صيني يزعم ولادة أول طفل مُعدّل وراثيًا في العالم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon