توقيت القاهرة المحلي 18:05:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رئاسة وطن... الحلم والكابوس

  مصر اليوم -

رئاسة وطن الحلم والكابوس

بقلم - فـــؤاد مطـــر

قبل اقتحام الرئيس إيمانويل ماكرون ساحة التأزم السياسي في لبنان مستبقاً الاقتحام بتفقد حالات الدمار الناشئة عن التفجير المعروف المُجهَّل فاعله في ميناء بيروت وبزيارة للمطربة فيروز في منزلها، وفي ضوء تلك الزيارة التفقدية أتبع الاقتحام بتكليف وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان (كان قد شغل أيضاً منصب وزير الدفاع) التعاطي كوسيط مع ملف أزمة رئاسة لبنان... قبل ذلك الاقتحام كانت للرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان تجربة اقتحام مماثلة تمثلت بتكليف جورج غورس بالملف اللبناني وتحديداً بالخلافات التي تزداد في شأن مَن يترأس الجمهورية خلفاً للرئيس سليمان فرنجية (الجد) الذي اضطر «مجبراً لا بطل» على اختصار ولايته الرئيسية ليتم بعد ذلك إحلال آلياس سركيس ضمن معادلة حدثت قبل سبع وأربعين سنة (أي في ربيع عام 1976) ولكم يحتاج إليها المأزق الترئيسي الراهن.

وللتذكير فإن رئيس الحكومة (الراحل) رشيد كرامي، أحد كبار المقام السياسي زمنذاك مارس الدور الذي يمارسه لاحقاً السيد صاحب المقام الشيعي حسن نصر الله، الأمين العام ﻟ«حزب الله»، وصاحب الرئاستين نبيه بري (رئاسة مجلس النواب ورئاسة «حركة أمل») مع اختلاف في النيات والقدرات. زمنذاك تولى رشيد كرامي ترشيح آلياس سركيس، الشهابي الهوى المستقيم (في إدارة البنك المركزي العازب الساكن في فندق) لرئاسة الجمهورية، وعلى طريقة «الثنائي الشيعي» راهناً ترشيح سليمان فرنجية (الحفيد). لكن ثمة مرونة في الحيثيات مفقودة من جانب «الثنائي» لجهة اختيار فرنجية ولا مجال لتسمية غيره، بينما كانت حيثيات رشيد كرامي في اختياره آلياس سركيس تتسم بحصافة القطب السياسي الذي يمتلك النظرة الواقعية للأمور وليست ورقة الاستقواء بالشأن السلاحي الذي هو القدرة الوازنة لدى «الثنائي» (حزب الله وحركة أمل). وتعكس عبارات رشيد كرامي في ترشيحه آلياس سركيس ما نقوله في هذا الشأن، حيث سجَّلها على الملأ بالقول: «في ضوء المواصفات التي نراها في رئيس الجمهورية العتيد، وعلى هدى المهمة التي تنتظره بعد هذه الآلام والمآسي التي حصلت، وتقديراً لكل هذا وما نرجوه من إصلاح يتلاءم مع التطور وتحقيقاً للبنان الغد، وبعد الاتصالات والدروس، قررنا تأييد الأستاذ آلياس سركيس، داعين الله بالتوفيق بمؤازرة الجميع، ذلك لأن هذا المركز كغيره هو تكليف وليس بتشريف، على أن هذا لا يعني انتقاصاً من قدْر الآخرين بل إننا نقدِّر كل واحد يطمح إلى هذا المركز، لكنّ المطلوب واحد والمرشحين كثيرون، فإذا لم يحصل الإجماع عليه نثق بأن التنافس سيكون رياضياً، آملين في الخير لهذا الشعب راجين أن يكون الاستقرار والأمن السبيل إلى عودة الحياة الطبيعية...»...

من الجائز القول إن المداوي الفرنسي الحالي لودريان بتكليف ماكرون كما السابق غورس بتكليف جيسكار ديستان لن يشفيا الداء الرئاسي اللبناني، في حين أن هذه الوصفة من جانب قامة سياسية لبنانية عريقة والأسلوب في التخاطب الحاوي من «الكلام الذي يحنن» وينأى عن «الكلام الذي يجنن»، وهذا من الأمثلة الشعبية العريقة من زمن الأجداد والجدات، فعل فِعله حتى لدى الأكثر تشدداً في الصف الماروني المتداوَل اسمه في بورصة الرئيس الوارث لرئاسة سليمان فرنجية المنقوصة بضعة أسابيع، ونعني بالذات رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل مع التمني أن يعتمد الحفيد سامي الجميل خصوصاً بعد المصاهرة اللافتة، حصافة رشيد كرامي في تخاطبه الذي تعلو الحدة فيه بعد كل مرة يتحدث فيها شاهراً مفردات لا تحقق ما يأمله المتطلعون إلى سكب المزيد من الماء البارد على نار التباغض التي تزيدها المفردات اشتعالاً وعناداً لدى الطرف المستهدَف وتحديداً «حزب الله» و«حركة أمل» من دون الأخذ في الاعتبار أن هذا الثنائي مستحوِذ على النسبة الأعلى من ولاء جمهورَي الطائفة (حزب الله وحركة أمل) لهما. وكنموذج لمضمون التخاطب المأمول من جانب رئيس الكتائب سامي الجميل الأخذ به نستحضر إعلان جده الشيخ بيار الجميل عزوفه عن الترشح لرئاسة الجمهورية، وهو المتداول اسمه زمنذاك في أوساط طائفته أكثر من غيره، بعد الحيثية التي أوردها رشيد كرامي يوم الجمعة 16-4-1976. فقد أعلن الشيخ بيار الجميل في اليوم التالي (السبت) ومن دون الإكثار من التشاور مع رموز الطيف السياسي الماروني أنه غير مرشح للرئاسة واضعاً في الوقت نفسه (كي لا يقال إنه مع رشيد كرامي في اختياره آلياس سركيس بالذات) مواصفات الذي يفضله رئيساً للجمهورية ومنها «أن يكون حائزاً ثقة الأكثرية من اللبنانيين بعيداً عن أجواء التحدي وقريباً من الرضا العام وأن تتوافر له طاقات العطاء والعمل المجدي في المرحلة المقبلة، هذا عدا ما يجب أن يتصف به من صدق وإخلاص وقدرة على بناء الدولة وإعلاء شأنها داخلياً وخارجياً...»...

كان بمقدور الشيخ بيار أن يعتمد الحدة تعبيراً عن موقف لجهة الترشيح، ذلك أن شأنه الحزبي، إذا جاز القول، بمثل شأن «حزب الله» راهناً وذلك لأن ابنه بشير متمكن إلى حد كبير سلاحاً وجماهيرية ولكنه آثر الموقف الهادئ والمتناغم مع موقف القُطب السُّني، ربما لتمهيد الترؤس مستقبلاً أمام ابنه بشير وهذا ما حدث بعد انتهاء ولاية آلياس سركيس، وربما لأنه يحرص على لبنان الباقي موحَّداً. وفي الرُّبميْن خيراً كان موقف الذي يُذكر له مِثل ذكْر مماثل للقطب السُّني رشيد كرامي، رحمة الله على الاثنيْن.

ما يراد قوله من هذا الاستحضار والهوامش، تفادياً لاحتمال المبغوض حدوثه كما الذي باتت عليه أحوال السودان، هو أن أهل العمل السياسي الحزبي القوي بسلاحه أو القوي بمعتقده أو القوي باستقلاليته، مطالَبون بترتيب أمورهم من دون إضاعة وقت وطروحات تأتي حالياً من الوسيط الفرنسي لودريان وسبق أن أتت قبل نحو نصف قرن من وسطاء آخرين، من بينهم على سبيل المثال دين براون الوسيط الذي اختاره الرئيس الأميركي جيرالد فورد مزكّى بتوجيهات وتخريجات كيسنجرية، وكوف دو مورفيل الذي اختاره الرئيس الفرنسي فاليري جيسكار ديستان، والدكتور حسن صبري الخولي الذي اختاره الرئيس أنور السادات.

في زمن الوسطاء الذين أوردنا أسماءهم وكانت لهم مواقف متعاطفة مع الأحوال اللبنانية ورغبة حقيقية في أن يَسْلم الكيان والصيغة من خيارات غير محسوبة بدقة، كان الضيف الفلسطيني لاعباً من جملة اللاعبين في الساحة اللبنانية ثم بات في جزئية منه هذه الأيام متلاعباً وشريراً. وكان الشقيق السوري الأسدي مصوِّباً على لبنان بأمل جعله إقليماً في صيغة اتحادية على نحو ما كانت عليه سوريا إقليماً في «الجمهورية العربية المتحدة». لا الحلم السوري تحقق، وهذه سوريا مرشَّحَة لأن تصبح أقاليم، ولا الحلم الناصري صمد. وها نحن على مدى بضعة أيام من الذكرى الثالثة والستين لانفصال سوريا عن مصر (28 سبتمبر-أيلول 1960). ومن بعد تلك التجربة باتت أحلام بعض أوطان الأمة تنحصر في بقاء الكيان على حاله لا يصيبه ما أصاب سوريا واليمن والسودان وليبيا والعراق... وها هو لبنان برسم الإصابة لا قدَّر الله، فيما اللبناني المغلوب على أمره والناجي من جانحة أحزاب وقوى وحركات التلاعب بالمصير الوطني يواصل التساؤل: لماذا عمى البصائر هذا؟ وإلى متى ستبقى رئاسة لبنان صناعة غير لبنانية يصار إلى تسويقها سلعةً نادرةً غير خاضعة للمفاصلة؟ بل إلى متى ستبقى الرئاسة اللبنانية الأولى مثل كرة تتقاذفها أقدام فريقين يجاهد كل منهما للفوز بالمباراة الميلودرامية؟ أليس أكرم لأولئك اللاعبين المعطِّلين ألّا يكونوا متلاعبين بأقدار الوطن والشعب عموماً وجمهورهم من هذا الشعب؟

وفي ضوء ما هو حاصل ستصبح العبارة التقليدية للترويج «صُنع في لبنان... عدا رئاسة الجمهورية».

والله مع الصابر إذا صبر في انتظار تحقيق حلم السيادة الحقيقية للوطن وارتداد الكوابيس إلى ما وراء السياج.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رئاسة وطن الحلم والكابوس رئاسة وطن الحلم والكابوس



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

GMT 22:59 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

نجيب محفوظ كاتب أطفال

GMT 22:57 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

أرجوحة الخديو

GMT 22:54 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

رفح وعلم التخصص وأسئلة النساء

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:30 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
  مصر اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 17:12 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

بدلات كلاسيكية مميّزة للرجل لمختلف المناسبات

GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 03:18 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

هند براشد تكشف عن مجموعة تصميماتها لصيف 2017

GMT 14:28 2022 الخميس ,25 آب / أغسطس

صورة البروفايل ودلالاتها

GMT 06:57 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة رانيا يوسف تنعي الفنان هيثم أحمد زكي

GMT 07:13 2018 الأحد ,01 إبريل / نيسان

سيلينا غوميز تخطف الأنظار بإطلالتها المميزة

GMT 11:54 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد في مواجهة قوية أمام الأسيوطي في كأس مصر

GMT 12:13 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ميدو يؤكّد أنّ مدبولي وقّع لدجلة قبل الانتقال إلى الزمالك

GMT 03:31 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

توقعات ماغي فرح لبرج الأفعى الصيني للعام 2021
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon