توقيت القاهرة المحلي 18:05:11 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر في إجازة

  مصر اليوم -

مصر في إجازة

بقلم : سوزان حرفي

 أهلا بك في القاهرة الجديدة، المنطقة التي تم تصميمها لتوفر مساحة أعلى من الخصوصية، ودرجة أقل من التنوع الطبقي، وتم تخطيطها لتكون سكنا لعلية القوم رجال أعمال وأبنائهم، ومَّن انضم لهم هربا من ضوضاء العاصمة وزحامها، أو طمعا في شوارع واسعة ومرافق جيدة وخدمات عالية المستوى.

وبديهي في منطقة هذا حالها، أن تكون نموذجا يتفادى أزمات المدن السابقة، لكن الواقع لا يحمل فارقا كبيرا، فأمطار مساء الثلاثاء وصباح الأربعاء جعلتها وساكنيها حديث الخاصة والعامة، فها هي أغلى وأغنى الأحياء تغرق كما غيرها، وتعاني ما تعانيه المناطق العشوائية.

فيها يسقط سقف بأحد أكبر الجامعات الأجنبية وتتسرب لغرفه المياه، ويتهاوى آخر بمركز تجاري فخم ويهرول زواره خوفا، وتنهار إحدى جدران نفق بثاني لا يقل رفاهية، سيارات غرقت في مواقفها، ومجمعات غاصت مداخلها وأخرى أصبحت بركا وأنهارا جارية.

تحولت منازل ومطالع كباري إلى بحار عاتية، تقف السيارات وسائقوها أمامها مفزوعين بلا حول ولا قوة، غير قادرين على اجتياز المانع المائي، فتوقفت الحركة وتكدس الزحام، وحبس كل حيث كان، وساد فزع من الأسوأ، حدوث ماس كهربائي أو سقوط مبنى أو لافتات وأشجار على الرؤوس.

إنها ليلة عصيبة كشفت حجم الفساد وامتداده وتوغله، وغياب الدولة وعدم كفاءة مسؤوليها، لكن ما لا يعرفه إلا قاطني القاهرة الجديدة أنها أزمات يومية، وما يخفف منها أنها أفضل حالا من غيرها، وأن هناك محاولات لتعديل ما يمكن تعديله، إرضاء لساكنيها المهمين وتخفيفا عن ذويهم، على عكس باقي المناطق المهملة والمتروكة لساكنيها يتدبروا أمرهم مع أي جديد.

فالشخص الذي دفع مئات الآلاف لينعم بسكنه يواجه إغلاق الشوارع بشكل دائم، والبحث عن مخارج بديلة سلوك يومي، فالمنطقة تشهد توسعة نهر الطريق مرة بعد أخرى، كما أن أوقات خروج المدارس والشركات الخاصة التي تكدست مقراتها بالتجمع مأساة دائمة، يخوض خلالها حربا للمرور في ظل فوضى لا يحكمها قانون؛ ولا يظهر فيها ممثل للدولة إلا ليغلق الطريق لمرور مسؤول كبير.

وهو ما حدث أثناء كارثة الأمطار، حيث تكرر الغياب نفسه، لا شرطة ولا دفاع مدني، لا مطافئ ولا أجهزة إغاثة، أنت والسماء الراعدة والبرق والمطر، فـ«مصر» في إجازة الاحتفال بـ«تحرير سيناء»، لكن الواقع أنها بأجهزتها ومسؤوليها إجازة منذ عقود عن القيام بواجبها تجاه رعاياها.

ليصبح المواطن لا سند له ولا معين، يدفع وحده ثمن أزمة بلد بإدارته وسياسته ومؤسساته وموظفيه، بلد لا يعنيه إرضاء الشعب ولا التخفيف من أعبائه، بلد مشغول عن هموم مواطنيه بلد لا يعرف آليات البناء للغد، ولا يملك مي��ة الاستعداد لأي طارئ أو محتمل، كل حدث بسيط يمثل بالنسبة له مفاجأة، الكثافة السكانية مفاجأة، زيادة أعداد السيارات مفاجأة، ضيق الشوارع وعدم استيعابها للتطور العمراني مفاجأة أخرى، بلد وأجهزته العتيقة ليسا حمل مفاجآت.

من المسؤول؟ سؤال تضيع عنده الإجابات ويضيع في غياهب المجهول، كيف سيتم تعويض خسائر المواطنين؟ سؤال لا محل له أصلا، ولا مجال للتفكير فيه، كيف سيتم علاج ذلك؟ السؤال الأكثر واقعية والأكثر كارثية أيضا.

لا خيار مطروح إلا الهدم والبناء من جديد، أو القبول بأن القاهرة الجديدة كما مثيلتها القديمة، وعلى الطامع في حياة أفضل البحث عن مكان بالعاصمة الإدارية وما حولها من مناطق خيالية الأسعار، ولا ضامن في أن تتلافى نفس الأزمات.

فالأزمات هي تبعات وحصاد عيوب نظام وليس عيوب منطقة، نظام لا يفرق بين غني وفقير، مسؤول أو عامل، يملك أو لا يملك، يعيش بالتجمع الخامس أو بأحد أكواخ العشوائيات، فالجميع عنده سواء في المعاناة، وله من تدني البنية التحتية وسوء التخطيط وغياب الكفاءة، كل حسب نصيبه وحسب مكانه.

نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر في إجازة مصر في إجازة



GMT 01:22 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

طهران ــ بيونغيانغ والنموذج المُحتمل

GMT 01:11 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

ماذا نريد؟

GMT 01:07 2024 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

أكذوبة النموذج الإسرائيلي!

GMT 23:18 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

تنظيم العمل الصحفي للجنائز.. كيف؟

GMT 23:16 2024 الخميس ,25 إبريل / نيسان

الأهلي في أحلام الفيفا الكبيرة..!

أيقونة الجمال كارمن بصيبص تنضم لعائلة "Bulgari" العريقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 16:30 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة
  مصر اليوم - نادين نجيم تكشف عن علامتها التجارية الخاصة

GMT 16:02 2024 السبت ,27 إبريل / نيسان

طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها
  مصر اليوم - طرق سهلة لتحسين صحة الأمعاء والحفاظ عليها

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 17:12 2022 الثلاثاء ,11 كانون الثاني / يناير

بدلات كلاسيكية مميّزة للرجل لمختلف المناسبات

GMT 14:37 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

مرج الفريقين يتفقان!

GMT 03:18 2017 الخميس ,15 حزيران / يونيو

هند براشد تكشف عن مجموعة تصميماتها لصيف 2017

GMT 14:28 2022 الخميس ,25 آب / أغسطس

صورة البروفايل ودلالاتها

GMT 06:57 2019 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة رانيا يوسف تنعي الفنان هيثم أحمد زكي

GMT 07:13 2018 الأحد ,01 إبريل / نيسان

سيلينا غوميز تخطف الأنظار بإطلالتها المميزة

GMT 11:54 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد في مواجهة قوية أمام الأسيوطي في كأس مصر

GMT 12:13 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

ميدو يؤكّد أنّ مدبولي وقّع لدجلة قبل الانتقال إلى الزمالك

GMT 03:31 2021 الأحد ,21 شباط / فبراير

توقعات ماغي فرح لبرج الأفعى الصيني للعام 2021
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon