توقيت القاهرة المحلي 09:50:13 آخر تحديث
  مصر اليوم -

يوم التأسيس: كتابة تاريخ التجربة السياسية

  مصر اليوم -

يوم التأسيس كتابة تاريخ التجربة السياسية

بقلم:يوسف الديني

في الحديث عن يوم التأسيس الذي صدر الإعلان عنه بأمر سامٍ من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، واستكمالاً لمسألة الفصل بين تعالق ثنائية الدولة والدعوة في خطأ حان تصحيحه، يجدر القول من دون مثنوية أو جدال بأن الملك سلمان هو أيقونة التاريخ المجسدة في ذاكرة يعرفها من استمع له أو جالسه أو قرأ ما كتبه، حتى في يوميات الصحافيين الخاصة لا تكاد تجد إلا من بلغته ملاحظة تاريخية أو تصحيح مفاهيمي عن تاريخ الجزيرة العربية مرده إلى إفادات أمير الرياض آنذاك مع إحالة إحدى مدونات أو كتب ومراجع دارة الملك عبد العزيز أو من خارجها، ولذلك من المهم اليوم استعادة تقدم سردية الدولة على الدعوة، ذلك أن الواقعة التاريخية هي إحدى أهم أدوات بناء الهوية الوطنية، وعوداً على بدء كانت قيمة الدرعية هي قدرتها قبل انضمام الدعوة إليها نقطة ارتكاز في بناء نموذج الدولة المدينة، وما ساهم في إنجاح التجربة هو بعدها النسبي عن الاضطرابات السياسية الكبرى، وأنها لم تخضع من قبل لأي سيطرة سياسية حقيقية أو سلطة مركزية، وكان انتقال روابط القرابة والقبائلية التي حان لحظة حط رحالها من سياسات الغنيمة إلى التفكير في الاستقرار، هو لحظة ولادة تجربة عظيمة بدأت مع مانع المريدي لكنها اتخذت شكل السلطة المركزية بين مختلف الأطياف، تحديداً الحضر والبدو وباقي المكونات مع الإمام محمد بن سعود... انتقلت الأحلاف من الولاء على الترحال واللحاق بالمرعى والغزو إلى التطلع إلى استقرار «الدرعية»، ومآلات تحول اقتصاد الحاضرة القائم على الزراعة والتجارة والقوافل المحمية بالسلطة الجديدة كتجربة جديرة بالانضمام إليها.
التذرر السياسي والتشرذم الاجتماعي والاختلاف الثقافي والمذهبي والديني كان بحاجة إلى ولادة حاضنة سياسية ودولة المدينة أولاً التي غطت فراغ ما يسميه ابن خلدون لبنتي «العصبية والدعوة»، واللتين تخلقان الشرعية، وبلغة سياسية فالمجال السياسي كان المؤسس لرغبة الدعوي في التحالف معه والانضمام إليه بغية إعادة تصحيح وتوحيد الممارسات الشعبية، وإعطاء صورة كلية للدين اليومي، كما يعرف اليوم في حقل دراسات الأديان بمعنى الممارسة الاجتماعية للقناعات الدينية.
لذلك فتاريخ الدولة الذي كما قلت في المقال السابق لا يمكن أن يولد مرتين، سابق بفترة طويلة نسبياً عن كل التحالفات المنضوية تحته ومنها الدعوة، لكن الإشكالية أن الكتابة التاريخية، خصوصاً في التجربة والمجال العام في الأديان الكبرى، تنتمي إلى التدوين التاريخاني الديني، بمعنى التركيز على تاريخ التحولات الفكرية والثقافية الكبرى وليس السياسية، وذلك لأسباب كثيرة يطول شرحها، منها أن المؤرخ غالباً هو قادم من الحقل الديني في التجربة الإسلامية «الحديث والإسناد والرواية»، وأيضاً فإن تأثير الحراك الفكري والديني على النزاعات المجتمعية هو ما يتم تسجيله باعتباره ينتمي لمقولات الكلام، وإن كان منزعه هو السلطة التي منذ الفجر الأول كانت محركاً أساسياً للفضاء الديني «يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن»، وهو من أشهر الأقوال السياسية الكبرى المأثورة في تراثنا عن دور السلطة في تثبيت الاستقرار السياسي رُوي حديثاً وعن مجموعة من الصحابة والتابعين، وشاع أنه من المقولات المأثورة التي نسبت إلى أكثر من قائل لكنها ذات دلالة مهمة على مستوى أسبقية السلطة السياسية.
الملاحظة الثانية أن تاريخ السلطة انفصل مبكراً في التراث الإسلامي والعربي بالكتابات السلطانية، بسبب تداخل وشخصنة مسألة «السلطان» والسلطة وتضخيم دور الفقيه في التأثير بناء على قدرته على حشد وتجييش العامة، وهي مسألة تستحق الدراسة والبحث، خصوصاً في تاريخ الجزيرة العربية ولحظة انبثاق تجربة الدرعية ولاحقاً الدولة السعودية في أطوارها، إلى لحظة التوحيد المجيدة مع الملك المؤسس عبد العزيز، حيث كل ما هو مدون على كثرته يعيد تكرار الإشكالية نفسها في تضخيم التدوين العقائدي والفكري على حساب السياسي والمجتمعي إلى درجة مثيرة للتساؤل، ومما يجعل المسألة تستحق العناية بها على مستوى التدوين التاريخي في شكل أبحاث محكمة ومراكز متخصصة، خصوصية وفرادة تاريخ السلطة السياسية في التجربة السعودية، وتعاملها مع الفضاء الديني ممثلاً في الفاعلين والأفكار والتحولات، وصولاً إلى تقليم أظافر التشدد والتطرف منذ لحظة الدرعية في محطات وجودية استطاع السياسي فيها إعادة الأمور إلى نصابها، من لحظة إخوان من طاع الله إلى الاعتراض على المخترعات الحديثة، مروراً بلحظة جهيمان، ووصولاً إلى التطرف السياسي منذ الثمانينات الذي تضخم ما بعد حرب الخليج مع جماعات الإسلام السياسي وحتى «القاعدة» وأخواتها... في كل هذه المحطات هناك تاريخ سياسي عظيم من المهم أن يعاد في قراءته وتدوينه لمعرفة فرادة التجربة وصيرورتها التاريخية وامتدادها وفهم ماكينزمات البقاء والحفاظ على «فضيلة الاستقرار».
التاريخ السياسي للتجربة السعودية ديناميكي متحرك يتعامل بواقعية ذكية في الحفاظ على الاستقرار والرفاه، بينما كثير مما كتب من تاريخ الدعوة والأفكار كتب بطريقة غائية لا تاريخية، ولهذا حديث آخر يجب ألا يأخذنا بعيداً عن حدث «يوم التأسيس»، الذي أعاد تاريخ السلطة وأنصف تجربة الاستقرار التي متى ما فهمناها في سياقها الواقعي استطعنا الامتنان لتجربة وطن تشكل بتضحيات كبرى، وهو اليوم يسعى إلى طموحات عنانها السماء!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم التأسيس كتابة تاريخ التجربة السياسية يوم التأسيس كتابة تاريخ التجربة السياسية



GMT 01:14 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

صفعة عمرو والدرع الواقي

GMT 01:00 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

حرب غزة إلى أين؟

GMT 00:57 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

إسرائيل: «تجسد الوهم»

GMT 23:57 2024 الأحد ,09 حزيران / يونيو

وأين القراءة؟!

GMT 23:55 2024 الأحد ,09 حزيران / يونيو

المصرى اليوم

نانسي عجرم بإطلالة رقيقة في حفل لـ "Tiffany and co"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:15 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

محمد إمام يتعاقد على مسلسل لـ رمضان 2025
  مصر اليوم - محمد إمام يتعاقد على مسلسل لـ رمضان 2025

GMT 16:18 2024 الأحد ,09 حزيران / يونيو

سوار الحاج الذكي تقنية فريدة لتحسين رحلة الحج
  مصر اليوم - سوار الحاج الذكي تقنية فريدة لتحسين رحلة الحج

GMT 02:20 2020 الأربعاء ,24 حزيران / يونيو

تعرف على قصة الفتاة صاحبة "استغاثة الفيسبوك"

GMT 05:06 2017 الأحد ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان حكيم يكشف أنّه لا يمانع دخول ابنه مجال التمثيل

GMT 09:21 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كلوي وكورتني كارداشيان في فستانين أنيقين

GMT 19:02 2017 الخميس ,14 أيلول / سبتمبر

مباحث الآداب تفحص ٥٥ شقة مفروشة في الغردقة

GMT 15:32 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

قشر البيض أهم مصادر معادن الكالسيوم والفسفور والزنك

GMT 00:02 2015 الثلاثاء ,28 إبريل / نيسان

كيف يكون شكل الجنين في الشهر التاسع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon