توقيت القاهرة المحلي 19:25:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاعتدال الديني مسؤولية مستدامة

  مصر اليوم -

الاعتدال الديني مسؤولية مستدامة

بقلم - يوسف الديني

ربما كان موسم رمضان هذه السنة من المواسم القليلة التي يمكن اختبار الحالة الدينية بعيداً عن مؤثرين مهمين؛ الأول تصدر مسألة الإرهاب والتطرف في المشهد اليومي، والثاني تراجع استهداف دول الاعتدال، وفي مقدمتها السعودية، من خلال الملف الديني، إضافة إلى تحوّلات جذرية في الحالة الدينية عبر دخول لاعبين جدد من الثقافة إلى التراث وصولاً إلى الإعلام الجديد بأدواته ولغته، ما ساهم في فض الاحتكار عن واحد من أهم الروافد الروحية للبشرية في العالم والأكثر إلحاحاً وفقاً لكثير من الدراسات ومراكز الأبحاث التي ترصد الحالة الدينية والروحية وموجات العودة للجذور والذات والهويّات الأساسية ومنها المكون الروحي والديني.
الملاحظة الأولى وأنا أتابع الحالة الدينية منذ 3 عقود تقريباً هي انتقالها من الفردانية إلى المأسسة التي لا تزال بحاجة إلى كثير من البرامج والاستدامة؛ خصوصاً مع فترات الاختطاف التي امتدت لعقود بسبب تغول الإسلام السياسي ثم جماعات العنف التي أنتجته وضعف المؤسسات الرسمية عن الوصول للفئات المستهدفة بأدواتها ولغتها وتمركز المقولات الدينية في تشكّلات (فرق، مذاهب، شخصيات مؤثرة) لم تعد قادرة على الانتشار الأفقي وليس هذا دورها قدر أن تشكل الرؤى والأفكار الأساسية والتخصص، وهذا ما أنتج في تجربة المؤسسات الغربية حتى نماذج من التجارب الروحية الشرقية ما أطلق عليه «الدين اليومي» بمعنى التلبس بالحالة الدينية من دون الخوض في تعقيدات الخلافات والتخصص، وهو قريب مما عرفته التجربة الإسلامية في العصور المبكرة بـ«المجمع عليه» ولاحقاً «دين الجماعة».
اليوم من يتابع ما تحاول منصات الإعلام والقنوات المختلفة استثماره في المواسم الدينية من محتوى ديني رغم تخلصه من مسألة الاعتماد على تيارات وجماعات بعينها وقع في فخ تنميط الأشخاص وتحويلهم إلى أيقونات ونجوم مشاهدة رغم انحسار ظاهرة الدعاة الجدد حتى شخصيات التجديد الديني الذي لم يصل لشرائح كثيرة من المجتمع بسبب نخبويته وبعده عن جذر ونسغ المقولة الدينية، وهو سهولة اللغة ومباشرتها والقدرة على تحريك العاطفة والتأثير، ومنها ظهرت تيارات أخرى تحاول أن تستنسخ تجارب روحية مصطنعة بعيدة عن سياقها المجتمعي وكررت نفس مآزق الإسلام السياسي من التحول إلى طائفة واستغلال الناس، وأقرب مثال انتقال كثير من المعسكر الثاني إلى الأول عبر دورات تطوير الذات أو دورات الإرشاد الروحي والنفسي من دون تأصيل أو منهجية علاوة على التخصص.
اليوم هناك حاجة ملحة إلى الاهتمام بالمكون الديني من زاوية بحثية كأحد أهم جوانب الأمن الفكري، وكلنا يدرك الدور الكبير الذي لعبته المراكز الفكرية في معركة الحرب على التطرف ومنها مركز اعتدال، واليوم هناك حاجة أكبر إلى مشروع «استدامة الاعتدال» باعتباره استراتيجية تبلي الدافع المتجدد للدين والروحانية والإسلام المعتدل من دون حالة ضعف أو فراغ تمكن من إعادة إنتاج مشكلة اختطافه مجدداً.
الاعتدال الديني اليوم ليس مطلباً ترفياً للمنطقة ولا للعالم مع تداخل المسألة الدينية وتمدد تحدياتها المتصلة بالهوية والهجرات واستقرار بؤر التطرف في قلب العالم الغربي، فهو اليوم يعد آخر نقطة عبور لأزمة صراع على المعنى بين الإسلام السياسي من جهة وبين الأنظمة السياسية التي بدأت تتعافى من ضغط التطرف المهدد لاستقرارها، لكن هناك أدواراً أهم في إدماج الحالة الدينية والاعتدال ضمن برامجها طويلة الأمد كأحد أهم روافد الأمن الفكري الذي لا يقل أهمية عن الاقتصادي والسياسي والغذائي.
الإطلالات الأخيرة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان مهندس رؤية 2030، التي يراهن عليها السعوديون اليوم وكثير من العقلاء في المنطقة، وحواراته، شملت جوانب مهمة عن مسألة إدماج الاعتدال الديني والقيم الإسلامية الأساسية في الرؤية، باعتبار أن الاعتدال الفكري والتسامح الديني في الرؤية السعودية الجديدة ليس خياراً أو مجرد شعارات دعائية أو رسائل للخارج؛ بل مطلب ملحّ لمنع العوائق ضد مشروعات التنمية المقبلة التي تتطلب تحرير الفرد السعودي من قائمة طويلة من الملفات العالقة في التشابك الديني السياسي والاقتصادي في خطابنا المعاصر، التي لا تخرج عن كونها موضع اجتهاد يقابله اجتهاد مثله، هناك اليوم حاجة إلى تحويل هذه الإشارات المهمة إلى برنامج مستدام ومنهجي مبني على مؤشرات للحالة الدينية وتعافيها كرافد مهم للحياة اليومية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاعتدال الديني مسؤولية مستدامة الاعتدال الديني مسؤولية مستدامة



GMT 01:14 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

صفعة عمرو والدرع الواقي

GMT 01:00 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

حرب غزة إلى أين؟

GMT 00:57 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

إسرائيل: «تجسد الوهم»

GMT 23:57 2024 الأحد ,09 حزيران / يونيو

وأين القراءة؟!

GMT 23:55 2024 الأحد ,09 حزيران / يونيو

المصرى اليوم

الأميرة رجوة بإطلالة ساحرة في احتفالات اليوبيل الفضي لتولي الملك عبدالله الحكم

عمان ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - أفكار مميزة لديكورات غرف نوم الأطفال حديثي الولادة

GMT 16:29 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

مشاكل النوم أثناء الحمل تنتقل إلى الأطفال
  مصر اليوم - مشاكل النوم أثناء الحمل تنتقل إلى الأطفال

GMT 00:15 2024 الإثنين ,10 حزيران / يونيو

محمد إمام يتعاقد على مسلسل لـ رمضان 2025
  مصر اليوم - محمد إمام يتعاقد على مسلسل لـ رمضان 2025

GMT 14:15 2023 الخميس ,07 أيلول / سبتمبر

فيلم "ساير الجنة" في نادي العويس السينمائي

GMT 08:15 2024 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

ترجمة جديدة لرواية "سدهارتا"

GMT 07:38 2022 الخميس ,20 كانون الثاني / يناير

أشرف بن شرقي يقترب من الرحيل عن الزمالك

GMT 23:55 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

ريال مدريد يتخطي فالنسيا بهدفين دون رد

GMT 15:58 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

المصارع "برون سترومان" يكشف عن أبيه الروحي

GMT 15:26 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

تيقزيرت من أجمل الشواطئ الساحلية على البحر المتوسط

GMT 01:50 2021 السبت ,27 آذار/ مارس

طريقة تحضير الكيك الصحي للفطار

GMT 08:55 2021 الجمعة ,15 كانون الثاني / يناير

سلالات «كورونا» الجديدة جائحة عالمية مستجدة

GMT 00:01 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

"التوت والتابوت" في شبكة "صوت العرب" الليلة

GMT 22:10 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

إصابة الإعلامي شريف مدكور بقطع في شبكية العين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon