توقيت القاهرة المحلي 08:41:59 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مخاطر مخلفات الحروب

  مصر اليوم -

مخاطر مخلفات الحروب

بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني

انتهت حرب غزة التي غيرت وجه المنطقة، وتسببت بشكل مباشر أو غير مباشر بتدمير أخلفَه تعديل مسار غزة وغيرها من دول مجاورة، وكان ثمناً باهظاً لهذا التعديل. الميليشيات التي كانت تتحكم بمستقبل خمس دول على الأقل دُمّرت بناها التحتية، واغتيل قادتها، وخسرت معظم قوتها التسليحية. سياسياً، استقرت سوريا ولبنان؛ أصبحا تحت إدارة مدنية موثوقة، بعد سنوات من القتل والتشريد والتهجير. نعم، كانت حرب غزة هي المحرك الرئيس لهذا التحول، ويخلق الله الحي من الميت.

إسرائيل التي ضغطت زر التحول، يعيش نصف قياداتها السياسيين اليوم حالة من الارتياح بعد الاتفاق الذي يتضمن إطلاق سراح الرهائن بعد أكثر من عام من حياة غريبة عاشوها تحت رحمة مسلحي حركة «حماس». لكن النصف الآخر الذي يمثل اليمين المتطرف يشعر بأنه هُزم في الحرب بخروج القوات العسكرية الإسرائيلية من «محور فيلادلفيا» الذي أخّر إتمام الصفقة.

ولأهمية إبرام الاتفاق وبدء سريانه، فكلٌّ يدّعي وصلاً بليلى. أطراف عدة تعزي نجاح الاتفاق لها؛ إدارة بايدن تقول إنه ثمرة جهودها طوال عام من التفاوض بوساطة مصرية وقطرية، ورحلات مكوكية لم تتوقف من وزير خارجيته توني بلينكن للمنطقة. الرئيس ترمب من جهته، وهو أمس بات في البيت الأبيض، يقول إنه لم يكن ليتحقق الوفاق على الاتفاق لولا هو. الواقع كما نراه وراقبناه، أن الجهود التي أوصلتنا إلى نجاح الاتفاق والتهدئة ووقف إطلاق النار كانت لإدارة بايدن التي خرجت من البيت الأبيض وأرادت أن تنسب لها عملية سلام مهمة كخاتمة لها، وهذا صحيح؛ الجهود والمثابرة كانت لإدارة بايدن، لكن الحسم والكلمة الأخيرة لا شك أنها لترمب الذي كان صارماً مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو. وهذا الأخير لم يكن له خيار سوى إرضاء شخص ترمب القادم بقوة للتسويات وعقد الصفقات والمزيد من النجاحات التي يحلم أن تحمل بصمته. يقول أصدقاء ترمب إن بايدن كان سيظل سنوات يركض خلف اتفاق لن يحصل عليه، لكن ترمب أوقف هذا الماراثون لصالحه.

القلق الحقيقي الذي على نتنياهو واليمين المتطرف القلق منه ليس الانسحاب من غرب غزة، ولا وقف الحرب التي قد تشتعل مرة أخرى لألف سبب. القلق هو من هذا العدد الهائل من شباب غزة الذي بات اليوم بلا عمل ولا مصدر رزق. لنتذكر أن أهم أسباب الولاء للشباب المنضوين تحت لواء الميليشيات أياً كانت، هو المال؛ المرتبات التي كانت تفتح بيوتاً وتزوّج الشباب وتعلمهم وترعى أسرهم. مئات الآلاف من الشباب في غزة وسوريا ولبنان يبحثون عن مصدر رزق؛ لقمة عيش، في ظل ظروف العوز والدمار التي لحقت بهم. هذا هو الخطر الحقيقي ليس على إسرائيل فقط، بل كل بلدان المنطقة. المجتمع الدولي والدول الداعمة هبّت لإرسال شاحنات المساعدات التي تحمل الغذاء والكساء، لكن من المهم فهْم الأولويات بعد ذلك. في غزة مثلاً، المساكن مدمرة، والركام نراه من الأقمار الاصطناعية وكأنه سجاد ممتد على طول القطاع. أين سيعيش هؤلاء؟ العراء ليس خياراً متاحاً. من المهم ترتيب الأولويات بحيث تتضمن إعادة بناء المستشفيات كحالة مستعجلة، أما المدارس والمنازل والمؤسسات، فستحتاج سنوات من العمل المتواصل، ومن الصعب تخيل انتظار الناس إنجاز هذه المشاريع طوال هذا الوقت. الحل المعقول هو المساكن المؤقتة ذات التركيب الصفائحي التي تُبنى عادةً في ظروف الكوارث الطبيعية، والملاجئ لأنها سهلة التركيب، وتؤدي الغرض منها ريثما يُعاد البناء الخرساني.

أعود لنقطة الشباب وأهمية احتوائهم. كان «حزب الله» يؤمّن حياة عناصره، هذا أهم سبب جعل أهالي عناصر الحزب يشعرون باليتم تجاه تدميره، رعايتهم كانت جزءاً لا يتجزأ من ولائهم، وكانت الموارد مضمونة من الخُمس المفروض من المذهب الشيعي على أهله. أما في سوريا فكانت تجارة النفط في السوق السوداء، والنهب، أساس مصادرهم المالية، وهذا الأمر اليوم بات صعباً في وجود مراقبة أمنية ودعم دولي لسوريا. حالة جديدة فرضها الأمر الواقع، وعلى الجميع الحذر منها.

هناك حكمة قديمة تقول إن رجلاً جائعاً سُئل عن دينه فقال: لا أذكر. وهو فعلاً لا يتذكر؛ لأن الجوع يشتت الدماغ ويُشقي الروح. الشباب العاطلون عن العمل، هم قنبلة موقوتة في بلدان توّاً توقف فيها صوت إطلاق النار، يمكن تجنيدهم كمرتزقة، أو لإعادة بناء البنية البشرية للميليشيات، ويمكن أن يتحولوا لرجال عصابات، وتهريب المخدرات، وغيرها من منافذ الشرور. ما الحلول المأمولة إذن؟ أقل ما يمكن التفكير به في هذا الوقت الحرج هو إشراك الشباب في إعادة البناء، أن تقوم حكومات لبنان وغزة وسوريا بإسناد مهام البناء، سواء البناء الخرساني أو بناء النظام الإداري، إلى العائل والشاب، وإطلاق يدهم في مهام صغيرة ومتوسطة تؤمّن لهم لقمة عيش لا يضطرون معها إلى المضي في مسالك الشيطان. لن ينسى هؤلاء الشباب من سيقف معهم في محنتهم، ويستر عورة بيوتهم؛ ستكون نقطة تحول في حياتهم بعد معاناة طويلة من التشرد والنزوح وفقدان الهوية.

ومع ذكر الوفاء، أختم مقالي بأن أضع إصبعي في «غرشة» عطر، لأعطر كلماتي للموقر الأستاذ الكبير سمير عطا الله، أبرز دعائم الكتابة الصحافية والأدبية في الوطن العربي، الذي أثنى عليَّ في مقاله الكريم: «ما قال... لا ما يقال»، وأسبغ عليَّ ما هو أهلٌ له، وما أنا عاجزة أمامه حياءً، من إطراء لمقالاتي التي يتابعها كرماً منه ودعماً لا شك أنني أصبو إليه. فشكراً معطرة لحضرة جنابكم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مخاطر مخلفات الحروب مخاطر مخلفات الحروب



GMT 08:41 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

الطبع فيه غالب

GMT 08:38 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مصر في مواجهة سيناريو «العبور بلا عودة»

GMT 08:30 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

مَن يلقى سلاحه يُقتل

GMT 08:24 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

تركيا والقبعات المتعددة

GMT 08:21 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

كارثة وفاة سباح الزهور

GMT 08:19 2025 الجمعة ,05 كانون الأول / ديسمبر

عبد الوهاب المسيرى.. بين عداء إسرائيل والإخلاص للوطن

GMT 20:59 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

فعلًا “مين الحمار..”؟!

GMT 11:07 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

الشيخان

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt