توقيت القاهرة المحلي 00:55:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«موسم الهجرة إلى السماء!»

  مصر اليوم -

«موسم الهجرة إلى السماء»

بقلم - حسين شبكشي

قابلت أحد الذين اصطفاهم الله تعالى بأن يكونوا من ضيوفه عز وجلّ وأن يحظوا بأداء فريضة الحج لهذا العام، وهو صديق قديم من إحدى الدول العربية، وبدا لي في حالة جميلة من الهدوء والسرور والسكينة والرضا لم يسبق لي أن رأيته في مثلها من قبل. وكان من الطبيعي أن أفتتح حديثنا بالعبارة التقليدية في مناسبة كهذه فقلت له: «تقبل الله طاعتكم يا صديقي طمني كيف حالك؟» فابتسم وأجابني بقوله: سؤال صعب، ولكني سأستشهد بمقولة النفري الشهيرة: «كلما اتضحت الرؤية ضاقت العبارة»، وأضاف «لقد كنت بين قوم ممن وصفهم الله تعالى في كتابه الكريم: فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه». كنت في مكة المكرمة أعزها وشرفها الله وتحديداً في بيت الله الحرام، وأدركت هناك مقام الجلال، ذلك المقام المهيب المملوء بالعزة والهيبة والإكرام، وهو مقام لو تعلمون عظيم، وبعدها كنت في طيبة الطيّبة في مدينة الحبيب المنورة، على صاحبها أعطر وأزكى الصلاة والسلام، وأدركت فيها مقام الجمال، ذلك المقام المملوء بالألطاف والبشائر والمسرات والعطايا والبركات. وبين الجلال والجمال يحصل السمو ويكون الترقي. فالعبادات تحت مقام الجلال عبادات ومناسك جلّها جسدية مثل الطواف والسعي، وأما العبادات تحت مقام الجمال فمعظمها تأملية من ذكر وتسبيح والصلاة على النبي.

وتحت مقام الجمال حدثت خلوة التأمل العميق أو كما وصفها سلطان العاشقين عمر بن الفارض بقوله: «ولقد خلوت مع الحبيب وبيننا سر أرق من النسيم إذا سرى» وهي خلوة مع النفس وللنفس يرعاها الحبيب لمحبه ليتحقق قوله تعالى: «ووجدك ضالاً فهدى»، وصولاً إلى «ولسوف يعطيك ربك فترضى».

وكانت كلمات الشاعر تحل على مسامعي «دُهِشْتُ بينَ جمالِهِ وجَلالِهِ

وغدا لسانُ الحال عنّي مُخْبِرا»، وكأنها تصف حالاً يصعب عليّ وصفها.

وبقيت في حالة خلوة التأمل بين الصلوات تحيطني بركات التسبيح وعطايا الاستغفار ولطائف الصلاة على النبي، وتزداد في كل لحظة محبة النبي في قلبي بتقديري العميق لصفاته وسيرته وأخلاقه، ووصلت إلى تحقق معنى «وعلى تفنن واصفيه بحسنه يفنى الزمان وفيه ما لم يوصف».

وغادرت المدينة المنورة وأنا أردد بشكل تلقائي كلمات تخرج من حشاشة قلبي: «والله ما طلعت شمس ولا غربت إلا وحبك مقرون بأنفاسي»، فأدركت وفهمت ووعيت معنى مقولة «أن أكون أحبّ إليه من نفسه».

وظللت طوال الطريق متأملاً سماء الله وأنا أبتسم حامداً شاكراً وكلي يقين وسكينة ورضا لأني أعيش وبعمق حرفياً أسرار «أنا بالحب قد وصلت إلى نفسي وبالحب عرفت الله».

الحج هو رحلة الرقي والسمو والطهارة والتطهير والحب والسلام، فلا مكان فيه للرفث ولا للفسوق، وتقطع حبلك السري بالدنيا السابقة لتعود حقيقة كيوم ولدتك أمك. فأنت ضيف الرحمن وعبده الخاضع لربه الواحد الأحد الفرد الصمد، وتؤدي فريضته بتسليم كامل ويقين عظيم مدركاً فضل الله عليك، اعترافاً بأن ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومُقرّاً بمقام المصطفى (صلى الله عليه وسلم) الذي وصفه الله تعالى بقوله: «شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً»، ووجب إقرار وتقدير وتعظيم هذا المقام والابتعاد عن الجفاء معه (صلى الله عليه وسلم)، وذلك عملاً بالحديث الشريف «من حج ولم يزرني فقد جفاني».

وتنهد مكملاً أن هذه الرحلة تنقل الأحوال يا صديقي فبقاء الحال من المحال، والبقاء لله سبحانه وتعالى. الحج تجرد وتخلٍ فلا تملك أي شيء حتى لا يملكك أي شيء، لتعلم بعد ذلك معنى «إذا لم تدرك مكانك مني فلا أنا منك ولا أنت مني»، فالحج يا صاحبي هو أشبه بالعنوان الشهير لرواية الطيب صالح «موسم الهجرة إلى السماء»، ولكن يا أخي الفاضل تبقى ضرورة القول إن من سمع ليس كمن رأى... فمن ذاق عرف.

ألقيت بحمولي كلها وعدت خفيفاً، لا شيء معي سوى كلمات ولكنها كلمات ليست كالكلمات، وبدأت أشواق الوداع تأسرني بقوة هائلة وأعيش الآن تفاصيل «فالوجد باقٍ والوصال مماطلي والصبر فانٍ واللقاء مسوفي»... هذه حالي يا صديقي فكيف حالك؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«موسم الهجرة إلى السماء» «موسم الهجرة إلى السماء»



GMT 21:28 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مرةً أخرى حول موسوعة تأهيل المتطرفين

GMT 08:18 2024 السبت ,18 أيار / مايو

يا حسرة الآباء المؤسسين!!

GMT 00:12 2024 السبت ,18 أيار / مايو

دعوة للإصلاح أم للفوضى؟

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

قمّة المنامة!

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

عادل إمام ونصف قرن على عرش النجومية

GMT 12:49 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك
  مصر اليوم - افكار تساعدك لتحفيز تجديد مظهرك

GMT 12:36 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها
  مصر اليوم - أنواع وقطع من الأثاث ينصح الخبراء بتجنبها

GMT 07:07 2024 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

مندوب مصر يؤكد رفض بلاده العدوان على رفح
  مصر اليوم - مندوب مصر يؤكد رفض بلاده العدوان على رفح
  مصر اليوم - ظافر العابدين يعود الى دراما رمضان بعد طول غياب

GMT 15:28 2019 الجمعة ,15 شباط / فبراير

حرس الحدود يخشى انتفاضة بتروجت على ستاد المكس

GMT 03:36 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

صيَّاد في كوبا يعثر على سلحفاة غريبة برأسين وجسمين متصلين

GMT 23:01 2018 الخميس ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

الشاعِرة سندس القيسي تُصدِر كتابها الشعري الثاني

GMT 02:43 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

شريهان تخطف الأنظار في حفل زفاف شيماء سيف

GMT 01:33 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

هايدي موسى تطرح " دي حياتي" عبر "اليوتيوب"

GMT 02:28 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

مصر تشارك في مهرجان بغداد الدولي لمسرح الشارع

GMT 00:23 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

قصر ثقافة الأقصر يعرض فيلم رسوم متحركة للأطفال

GMT 20:32 2018 الجمعة ,16 شباط / فبراير

غابرييل غيسوس يعود إلى الملاعب بعد أسبوعين

GMT 00:30 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

الخطيب يجتمع مع سيد عبد الحفيظ لمناقشة العروض
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon