توقيت القاهرة المحلي 17:23:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ليس زلفى!

  مصر اليوم -

ليس زلفى

بقلم: محمد الرميحي

قراءة في حديث الأمير محمد بن سلمان لصحيفة «أتلانتيك» يستحق المراجعة المعمّقة. القضايا ليست جديدة، ولكنها شائكة والتوقيت مهم. كمتابع للأحداث في منطقة الخليج كانت تسكنني لسنوات هواجس مخاطر «البقاء في المكان» أو حتى التطور الممهل؛ لأن البقاء في المكان أو التمهل يعني في نهاية المطاف التراجع. قُيض لهذه المنطقة أن تأتيها قيادات لتقول «المشي البطيء والتمهل» هو مثلبة، وربما يكون عائقاً كلياً للمجتمع. البعض كان وما زال يرى أن السرعة في التطور والأخذ بما أخذت به الشعوب التي نهضت قد يكون أيضاً مكاناً للخلل. ولو بقينا بين هذه وتلك لضاعت علينا معالم الطريق.
المملكة العربية السعودية بالنسبة لمنطقة الخليج هي الظهير، فهي أكبر البلاد حجماً وأكثفها سكاناً، وتتمركز بها قوى صناعية واقتصادية وقوى روحية، فثروتها ليست تحت الأرض ولكن أيضاً فوقها. ومن جهة أخرى، فإن التغيير فيها ليس سهلاً بسبب التراكم التاريخي والثقل الاجتماعي والتنوع الفكري. من الجانب الآخر، فإن التحديات كثيرة؛ فالمنطقة الخليجية بسبب إكراهات الجغرافيا تقع في بيئة سياسية - جغرافية ليست صديقة أو حتى مسالمة، فلا بد والأمر ذاك من قراءة «المشروع السعودي الجديد» قراءة واعية ومتزنة في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية.
قبل الشروع في تلك القراءة للمشروع الذي رسم إطاره حديث الأمير محمد بن سلمان، لا بد من ملاحظة أن أسئلة الصحافي الأميركي جيفري غولدبرغ كانت تحمل وجهة نظر نمطية عن المنطقة، ولا يستطيع المتابع إلا أن يلحظ أن خط سير الأسئلة هو مقارنة صورة نمطية في الولايات المتحدة مع صورة أخرى في الجزيرة، والمعرفة الحديثة تؤكد لنا أنه حتى التجارب الغربية هي ليست واحدة، بل تتلون بتلون البيئات الاجتماعية التي تعيش فيها. من هنا، فإن سير خط الأسئلة كان يسير باتجاه نموذج ليس بالضرورة يمكن تكراره، كما أن غلاف المجلة حمل تحيزاً سلبياً واضحاً.
نعود إلى صلب القضايا التي طرحت، وأجدها تتمحور حول ثلاث قضايا رئيسية.
القضية الأولى: علاقة الدين بالدولة وعلاقة الدين بالسياسة، والدين هنا هو الإسلام، وقليل من القادة في المنطقة تناولوا هذا الموضوع علناً أو حتى بسياسات محددة؛ لأن له حساسية لدى الجمهور العام، وهو إشكالي ربما في كل المجتمعات العربية - الإسلامية المعاصرة. من هنا، فإن الموقف الواضح الذي قرأناه في المقابلة، عدا عن كونه عقلانياً فهو شجاع أيضاً. لقد ألبس الدين الإسلامي بسبب اختطافه - إن صح التعبير - سياسياً أو حتى اجتماعياً بلبوس فضفاض من التقاليد والمفاهيم التراثية والتكسب السياسي حتى أصبح لدى الكثيرين شكلاً ومظاهر، وأصبح لدى البعض تجارة رابحة واستفادة شخصية من خلال الشعوذة، كما شوهت صورة المسلم فاختصرت بمُعممين طويلي اللحى ومشعثيها يفتكون بالآخرين من خلال الأحزمة الناسفة أو قتل الأبرياء.
في حديث الأمير محمد بن سلمان، نلمس العودة إلى فقه المصلحة، وأصوله قديمة قال بها نجم الدين الطوفي في القرن الثالث عشر الميلادي، مروراً بالشاطبي إلى محمد عبده، وأصبح لدينا دراسات حديثة اليوم تدلل على أن الكثير من ممارستنا تقع في فقه المصالح، ومع الأسف هذه الفكرة غير معممة ثقافياً للإضاءة على الفقه التنويري. الطوفي قال ببساطة، إن العقائد والعبادات هي الثابتة، أما المعاملات فإنها تتطور بتطور المجتمعات، وأين وجدت في هذا الفضاء مصالح الناس وُجد الدين. مصالح الناس اليوم تتمثل بالخير العام، تطور اقتصادي وأمن اجتماعي والأصل فيه هو الحرية التي يعشقها الإنسان في كل زمان. أشار الأمير (ولم يكن الحيز يتيح التوسع) إلى أن الأحاديث الصحيحة لا تزيد على مائة حديث، وفي التراث العقلاني المسلم كان ذلك هو التوجه العلمي، حتى جاء من أراد أن ينتفع فزاد وأفرد وتوسع تفسيراً، أما القرآن فإنه يدعو إلى القيم الإنسانية العليا لمن تدبر معانيه وفهم مقاصده. من الطبيعي أن يضيف البشر في عقود مختلفة على النص تفسيرات أكثر مما يحتمل، وفي قرن كامل تقريباً أضيف من قِبل المتشددين في الإسلام الحركي الكثير من التفاصيل، نقلت عن «السلف» حتى بلا فهم ظروف قولها منهم.
ما اختصر فيه محمد بن سلمان في هذا الموضوع يحتاج إلى إعادة زيارة، كما يحتاج إلى تأكيد مبادئ العدل والرحمة والسلام ونبذ العنف في تراثنا، وهو جهد له ما بعده.
القضية الثانية هي الاقتصاد، هو صلب أي مجتمع مستقر يرنو إلى النمو والازدهار، في المشروع المطروح أصبح هذا القطاع جلياً وواضحاً، أتى محمد بن سلمان على بعضٍ منه، ولكن نجاح هذا القطاع الاقتصادي الاجتماعي التنموي مُشاهَد اليوم في مواقع كثيرة في المملكة العربية السعودية، حتى قيل أنك لا تزور المملكة وترى المعالم نفسها مرتين، فهي متغيرة.
لم تأتِ المقابلة على القطاع العلمي والتعليمي، لم يكن ربما الصحافي مهتماً بهذا القطاع، إلا أن المتابع يعرف أن الجهد العلمي والثقافي قد خطا خطوات ضخمة (وأنا أستخدم الكلمة ليس للمبالغة) فقد كُلفت منذ فترة كتابة دراسة عن «الاقتصاد المعرفي في دول الخليج» لمجلة «السياسة الدولية» القاهرية، بعد البحث وجدت أن الإنتاج العلمي (البحوث المؤصلة علمياً) من إنتاج الجامعات السعودية تضاهي تلك المنتجة في تركيا (وقد نشر ذلك البحت) رغم الفارق الكبير في عدد السكان!
التعليم والثقافة قاطرة التنمية والعناية بتطويرها وتعزيزها هي المدخل الذي لا مدخل غيره لتطور المجتمعات، ولها قواعد أصبحت علمياً معروفة، تأخذ المملكة العربية السعودية بجلها، منها تطوير المناهج والتغير الكيفي للتعليم، وفوق ذلك تأهيل المعلم. الطريق ليست سهلة ولا معبّدة إلا أن البداية قد ظهرت نتائجها المبكرة في توسع التعامل مع الرقمنة في الأعمال والخدمات.
القضية الثالثة: اهتم الصحافي بموضوع الفساد، وهو موضوع أثير لبعض القوى الغربية، ولكنه حاسم لتطور مجتمعاتنا، فالفساد بوابة سقوط الدول وانهيار المجتمعات، وقد كان الأمير محمد بن سلمان حاسماً في هذا الملف، حيث قال «حتى مائة ريال»!...
وقد شاعت في بعض دول الخليج نكتة مرة، تقول إن أردنا الإصلاح علينا بالريتز، إشارة إلى فندق الريتز الذي اشتُهر في الرياض حيث اتخذت أولى خطوات ملاحقة الفساد.
آخر الكلام:
لا قيمة للعلم إذا لم يقم بحل مشكلات المجتمع ويساعد في رفع التعارض بين النصوص.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ليس زلفى ليس زلفى



GMT 04:10 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

استغِلوا «تغطية الجنازات» لإنقاذ المهنة

GMT 04:09 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

«عدّّى النهار والمغربية جايَّه»

GMT 03:57 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

«مالمو 14» لا يكذب ولا يتجمل..

GMT 02:56 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

نسور استراتيجية

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:59 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس
  مصر اليوم - أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 22:56 2018 الثلاثاء ,24 إبريل / نيسان

إيدين دغيكو يصنع التاريخ مع روما

GMT 18:14 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

محمد هاني يتعرض لكدمة قوية في الركبة

GMT 02:04 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

اللقطات الأولى لتصادم 4 سيارات أعلى كوبري أكتوبر

GMT 16:20 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

مقتل 3 مواطنين وإصابة 4آخرين في حادث تصادم في المعادي

GMT 07:05 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أجمل ديناصور في العالم بألوان مثل طائر الطنان

GMT 06:33 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار الحديد في الأسواق المصرية الثلاثاء

GMT 21:12 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يعترف بتلقي مؤمن زكريا لعرض إماراتي

GMT 00:34 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النصائح الخاصة بإدخال اللون الذهبي إلى الديكور

GMT 12:51 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد ناجي يمنح محمد الشناوي وعدًا بالانضمام للمنتخب

GMT 14:37 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعدام شنقًا لـ7 من أعضاء خلية "داعش" في مطروح

GMT 13:23 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"الخطيب" يدعو أعضاء الأهلي لحضور ندوته الرسمية في الجزيرة

GMT 02:07 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الدولار الأحد في السوق السوداء الأحد

GMT 17:42 2014 الجمعة ,15 آب / أغسطس

حدوث هبوط أرضي في حي الكويت في السويس

GMT 14:50 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب يطلب زيادة تذاكرة في مواجهة غانا

GMT 20:56 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إسبانيا تودع 2017 من دون خسارة وتحلم بنيل كأس العالم

GMT 10:06 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي يدخل السباق الرمضاني بمسلسل كوميدي

GMT 19:16 2015 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

العثور على سلحفاة ضخمة نافقة على أحد شواطئ بلطيم

GMT 23:56 2013 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

الأميركية روفينيلي تمتلك أكبر مؤخرة في العالم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon