توقيت القاهرة المحلي 10:27:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بوتشا بين الإبادة الجماعية والفبركة الإعلامية!

  مصر اليوم -

بوتشا بين الإبادة الجماعية والفبركة الإعلامية

بقلم :د. جبريل العبيدي

في مدينة بوتشا الأوكرانية عُثر على عشرات الجثث، في مشهد مروع ومفجع للعالم عامة، ولأوروبا وللأوروبيين خاصة، وإن كان المشهد ليس بغريب ولا مفجع لهم لو كان في العراق وسوريا وليبيا. شوهدت عشرات الجثث؛ بل المئات، مدفونة قرب كنيسة قديمة في مدينة بوتشا، بينما المتهم الروسي ينفي بالقول إنه انسحب قبل نهاية مارس (آذار). القوات الروسية انسحبت من بوتشا كلياً في 30 مارس، وتم نشر صور الجثث بعد 4 أيام من الانسحاب الروسي، وبالتالي لو كانت الجثث تعود إليه، لكانت متحللة وظهرت عليها علامات التحلل، بينما ما ظهر من الصور هو لجثث قُتل أصحابها حديثاً، في إشارة من الجانب الروسي لاتهام الجانب الأوكراني بالحادثة، عبر شن الجيش الأوكراني حملة «انتقامية» ضد الذين تعاونوا مع الجيش الروسي، بينما نشرت شركة «ماكسار تكنولوجي» الأميركية، صوراً من الأقمار الصناعية لبلدة بوتشا، تظهر جثثاً ملقاة في الشوارع قبل انسحاب القوات الروسية من المدينة الأوكرانية المدمرة، بينما يؤكد المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن هذه الصور مفبركة.
في ظل الاتهامات المتبادلة بين الأوكرانيين والروس، بين الاتهام بالإبادة الجماعية، وبين الفبركة الإعلامية، بين الاتهامات الغربية والنفي الروسي، تبقى هناك حقيقة واحدة، هي وجود أكثر من 400 جثة في مقابر جماعية في بوتشا، ومنها جثث لنساء عاريات، قتلن بالرصاص في الشوارع وأياديهن مقيّدة خلف ظهورهن، في ظل غياب شخصية الفاعل.
السلطات الأوكرانية كشفت عن الجثث والمقابر، وذكرت أن أصحابها قُتلوا برصاص «القوات الروسية» قبيل الانسحاب من بوتشا، ما دفع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للقول: «ما رأيناه في بوتشا ليس عملاً منفرداً لوحدة منحرفة. إنها حملة متعمَّدة للقتل والتعذيب والاغتصاب وارتكاب فظائع»، بينما وصف نظيره الروسي لافروف، اتهام القوات الروسية بقتل مدنيين في بوتشا الأوكرانية بـ«الهجوم الوهمي»، إذ تسوق روسيا ما تسميه «أدلة» على اتهام للفصائل الفاشية النازية التابعة للنظام الأوكراني.
ومن ناحيته، يصف الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ما حدث في بوتشا بالقول: «هذه إبادة جماعية» وتعتبر «جريمة خطيرة» بمقتضى اتفاقية عام 1948؛ حيث تعرف الإبادة الجماعية (genocide) بأنها «فعل محدد يرتكب بنية التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية بصفتها هذه». وتنص الاتفاقية على أنه «يجوز للدول الأطراف أن تطلب من أجهزة الأمم المتحدة المختصة أن تتخذ، طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، ما تراه مناسباً من التدابير لمنع وقمع أفعال الإبادة الجماعية».
عندما نشأت الأزمة الأوكرانية، كانت الجهود الغربية والأميركية موجهة لوضع خطط لمعاقبة روسيا وإضعافها؛ خصوصاً اقتصادياً، ولم يكن هناك أي جهود لمنع وقوع الحرب أو التوسط لإيقافها.
بعد الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية، أصبحت نهاية الحرب المندلعة لن تقف بمجرد تحييد السلاح في أوكرانيا، ونزع سلاحها. لا أعتقد أن الأمر بات يمكن تسويته بهذا الشكل فقط؛ بل سيتجاوزه إلى تقسيم الجغرافيا الأوكرانية التي لن تعود كما كانت قبل الحرب. فالأزمة جزء من جذورها إعادة رسم خريطة المنطقة، وإعادة توزيع ديموغرافيا السكان وفق المنظور الروسي المتحالف مع الانفصاليين في المنطقة، وهي أحد مسببات الحرب، الأمر الذي يجد معارضة قوية من الغرب، وكذلك من «النازيين» من منظور روسي.
الحقيقة التي يحاول كثيرون القفز عليها هي أن الأزمة الأوكرانية لم تعالج غربياً بشكل يسمح بمنع الحرب ونزع فتيلها؛ بل كانت جميع القرارات وحتى المفاوضات الخجولة تدفع نحو مزيد من التصعيد بين الطرفين، حتى وصلنا إلى مرحلة «الإبادة الجماعية»، وإن كانت باتهامات متبادلة من الجانبين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بوتشا بين الإبادة الجماعية والفبركة الإعلامية بوتشا بين الإبادة الجماعية والفبركة الإعلامية



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt