توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

قُل وقُل

  مصر اليوم -

قُل وقُل

بقلم : بسمة عبد العزيز

 اعتدت مُنذ فترة ليست بقصيرة، أن أُطالع مجلة شِبه دورية، تصدر عن مَجمَع اللغة العربية. أحرص منذ ما يقرب مِن سنوات ثلاث، على اقتناء أعدادِها الجديدة كُلَّما سَنَحت الفرصة، وأَطلُب أكثر مِن نسخة؛ فأعطيها لمَن يُبدي اهتمامًا مِن الأصحاب والزُملاء. المجلةُ اسمُها ”مَجمَعِيات“، قليلةُ الأوراقِ رقيقةٌ، مُلونة الصفحاتِ، تَكتُب فيها نُخبةٌ مِن علماء اللغة، وهي نُخبة حقًا، وأعتذر لنفسي وللقارئين والقارئات عما اعترى لفظةَ ”نُخبة“ مِن تغيُّرات في المعنى والدلالة؛ إذ صارت تستدعي مِن السلبيات أكثر مِما تحمل مِن إيجابيات، واستحالت مَبعَث سُخرية واستهانة؛ لما أفرز المنتمون إليها مِن مواقفٍ؛ لا تحظى بالاحترام الواجب.
***

جذبتني منذ العدد الأول الذي وصل إلى يديّ، بعضُ الأبواب التي رأيتها شيقةً، تُرضي جزءًا مِن شَغفي باللغة، ومنها بابٌ عن الألفاظِ والأساليب التي أجاز استخدامَها المَجمَع، ومِنها أيضًا بابٌ بعنوانٍ مألوف هو "قُل ولا تقُل". ثمَّة مفرداتٌ كثيرًا ما استعملتها، وظننت أنها صحيحةٌ تمامَ الصحة، عاريةٌ مِن العيوب، ثم اكتشفت عبر قراءة المجمعيات أنها ليست كذلك؛ أو أنها لم تكُن كذلك إلى أن درسها دارسٌ مِن أصحاب العلم والمعرفة، وأوجد لها مخرجًا، وكَتَب فيها مُذكِّرة، وناقشها المَجمَع ثم أجازها. رحلةٌ طويلةٌ تقطعها كلمةٌ واحدةٌ، كي تحصل على صكِّ البراءة، وتستقر آمنةً بين كلماتٍ أخرى لا حصر لعددِها، وحين ينطقها مُتكَلِّمٌ أو ينقشها كاتبٌ، غالبًا ما يفعل في ثقة واطمئنان لمكانتها، بغير أن يدري ما مَرَّت به، قبل أن تخطر على بالِه.
***

في العددِ الثالثِ عَشر مِن المجلة، وردت كلمةُ ”المُرفَقَات“، واحتلَّ النقاشُ حولها نصفَ صفحةٍ تقريبًا. عديدنا يستخدم الكلمةَ في مُراسلاته عبر البريد الإلكتروني، كي يشير بها إلى مَلفات إضافية مُصاحِبه لرسالته؛ صورة أو دعوة مُرفَقة، بحث مُرفَق، أو برجاء الاطلاع على المُرفَقات. الفعلُ المُشتقَّة مِنه الكلمة كما يبدو هو ”أرفق“، لكن المقالة تنوه إلى غيابه بمعناه المقصود مِن المعاجم العربية. بعد البحث والفحص والتدقيق، ظهرت في المعاجم القديمة مُفردة ”رفاقة“ بمعنى مُصاحبة، وعلى أساسها جرى اعتماد الفعل الرباعيّ ”أرفق“ وأُجيزَت بناءً عليه صيغةَ المَفعول: ”مُرفَق“ و“مُرفَقات“، أما عن المُرادفات الأخرى التي يُمكن تداولها لتعطي المعنى ذاته، فتشمل المُلحقات والمُدرجات.
***

قد يلوح الأمر شاقًا، صعبًا، وربما لا ضرورة له على الإطلاق، خاصةً وحال اللغةِ على الألسنة مُزرية، والمكتوب منها لا يتحرَّى صاحبُه على الأغلبِ صوابًا، ولا يعبأ كثيرًا بصحتِه، بل قد لا يكتم ضحكته حين يسمع بلجانٍ تنعقد، وجهود تُبذَل، بهدف تأصيلِ بعض المفردات، مع ذلك، أظنّ في وجود نِسبة ولو ضئيلة مِن الناس، تعجبها الفكرةُ، ويغلبها الفضولُ، وتستهويها الرحلةُ، فتسعى إلى المزيد.
***

يتَضَمَّن بابُ ”قل ولا تقل“ بعضَ الكلمات التي اعتدنا أن ننطقها خطأً، جنبًا إلى جنب مع النطق السليم. في العدد الحادي عشر على سبيل المثال؛ قُل: كِيان الدولة (بكسر الكاف)، ولا تقُل: كَيان الدولة (بفتح الكاف)، فكِيان هو مصدر مِن الفعل كان. قُل: أكَّد الأمر، ولا تقُل: أكَّد على الأمر، فالفعل ”أكَّد“ هو فعل مُتعد بذاتِه، ولا يلزم استخدامُ حرف الجَرِّ، إلا للإنسان المأمُور: أكَّدت على فلان الأمر.
***

تستهويني قراءةُ البابين السابقين، أُدرِك كُلَّما مَررت بهما كَم أجهل مِن مَعلوماتٍ بسيطة، وكَم أستمتع باكتشاف أخطاءٍ وقعت فيها، وأحاول مِن بعد تداركها وضَبطها. أنسى أحيانًا وأرجع إلى الأعداد القديمة؛ فأضع خطوطًا، ونجومًا، وسهامًا تنبهني إلى ما نسيت.
***

لاحظت في الأعدادِ الأخيرة مِن المَجمَعيات، أن باب ”قُل ولا تقُل“ قد اختفى. انتظرت أن يظهرَ في أعدادٍ تالية؛ لكن الغيابَ امتدَّ وطال. فكَّرت بيني وبين نفسي أنَّ العنوانَ لم يعد مُناسبًا؛ إذ تستدعي الحالُ الراهنةِ عنوانًا أكثر رقَّةً وسلامًا، راودتني ابتسامة صغيرة وأنا أردد همسًا: ”لا تقُل ولا تقُل".

نقلاً عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قُل وقُل قُل وقُل



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt