توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

موت القانون الإكلينيكى

  مصر اليوم -

موت القانون الإكلينيكى

بقلم - أمينة خيرى

حين تجد الغالبية تحاول أن تعلل ما هو غير قابل للتعليل، وتبرر ما لا مبرر له، وتتحجج بما لا يصلح معه حجة أو برهان فاعلم أن الجميع فى مأزق: حاكمًا ومحكومين وما بينهما. وبين الحاكم والمحكوم دستور وقانون. وبين المحكومين وبعضهم البعض أيضًا الدستور ذاته والقوانين نفسها. وإذا تُرِكت العلاقة لـ«ذوق» الحاكم وكرم أخلاقه ومراعاته ربنا فى حكم المحكومين أصبح الوضع على كف عفريت. وإذا فُتِح باب «البركة» و«جات سليمة» و«ماجراش حاجة» و«إيه المشكلة يعنى؟!» بين المحكومين وبعضهم البعض، أصبحت الدنيا «بزرميط» تمامًا. وكلما طال وقت هذا الانفلات وذلك الـ (....)، كلما صعب إعادة الأمور إلى مقاليد القانون وسيطرة الدستور.

دستور مصر وترسانة قوانينها هى الفيصل فى العلاقات بين الجميع، تنظمها، وتتدخل لوقف الجور والظلم والاعتداء الذى قد يتعرض له البعض على أيدى البعض الآخر. فإن لم تتدخل أو احتجبت أو دخلت فى غيبوبة أو «عملت نفسها مش من هنا»، أصبحت العضلات والبلطجة والتفوق فى التعدى على الآخرين هى الفيصل. وهنا، يكون الطرف الأضعف من المواطنين غير القادرين أو غير الراغبين فى البلطجة هم الضحية.

ضحية غياب تطبيق القوانين بشكل واضح هى آخذة فى التناقص. فالمتعدون ومنتهكو القوانين والضاربون عرض الحائط بالأعراف وما يصح وما لا يصح فى تزايد مطرد. خذ عندك هذه المشاهد المتكررة والتى أصبحت ظواهر عادية معتادة لا تستوقف أحدًا أو تزعجه أو تقلقه.

فى المربع المحيط بأحد المراكز التجارية الكبرى فى «مدينة نصر» عشرات الأطفال من الجنسين لا تتعدى أعمار بعضهم الخمس أو الست سنوات. مهمتهم التسول. نسبة كبيرة منهم تأتى يوميًا من مصر القديمة ولا تبرح مواقعها إلا بعد أن يغلق المركز أبوابه. هؤلاء لم تطأ أقدامهم أرض مدرسة. ولكل قصته التى يحكيها والمتأرجحة مرة بين «أبويا ميت وأمى عاجزة» أو «أبويا عاجز وأمى ميتة» أو كلاهما ميت أو كلاهما عاجز إلخ. يتسولون ويدخنون السجائر ويلعبون ويأكلون ويجيئون ويذهبون تحت أعين أفراد الشرطة حال تواجدهم.

وتواجد غيرهم- ولكن بالمئات- تراهم أيضًا يوميًا فى مدينة الشروق. بعضهم يكنس الشوارع ضمن عمال الحكومة، والبعض الآخر يعمل فى أعمال البناء، وآخرون فى الديليفرى، والجميع لا يعرف المدرسة. والمؤكد أن هؤلاء ليسوا استثناء، ولكن أقرانهم بالملايين موجودون فى كل صوب وحدب.

وفى كل صوب وحدب أيضًا تغزو ظاهرة توقيف عدادات سيارات الأجرة وكأن قرارًا جمعيًا تم اتخاذه فيما بينهم. فى البداية كان البعض يتحجج كذبًا بأن العداد لا يعمل، ثم تطور الموقف وصار السائق يعتدى لفظيًا على الراكب الذى يصر على تشغيل العداد ويطالبه بالنزول. ولأن لم يعد لهم كبير أو يسيطر عليهم قانون، بات السائق اليوم يجاهر بأنه لن يشغل العداد لأن «العيشة صعبة» و«العداد ظالم» و«مصاريف التاكسى كثيرة». تشكو إلى أمين الشرطة فيبادرك بالرد: «وأنا مالى؟» أو «أعمله إيه يعنى؟!» وإن كان لطيفًا ينصحك بالبحث عن تاكسى آخر عله يكون «يعرف ربنا».

ربنا- الذى وهبنا عقلاً كان الغرض الأصلى منه استخدامه- عرفوه بالعقل. والعقل الذى يسمح لهذه الأعداد الغفيرة من «المتطوعين» بلطع ملصقات «هل صليت على النبى اليوم؟» فى المواصلات العامة وجدران المترو وأعمدة الكبارى الجديدة والقديمة، ناهيك عن زوايا الصلاة والشباشب الملقاة حولها فى حرم محطات مترو الأنفاق وكذلك على حرم الأرصفة هو عقل مشوه. فقد أقنعه البعض أنه هكذا ينشر الدين ويحث المواطنين على التدين، لكنه فى الحقيقة ينتهك القانون ويولد الفتنة بين أبناء الوطن.

وفى منطقة شعبية أصيلة فى قلب القاهرة وتحديدًا فى باب الشعرية، وبينما خطباء المساجد والزوايا يصيحون فى المكروفونات صياحًا شديدًا ليغطى كل منهم على الآخر حيث لا يفصل بين الزاوية والأخرى إلا أمتار قليلة، قال أحدهم صارخًا: «ما هو إما يدخلوا الإسلام، أو يدفعوا الجزية، أو تُقطَع رقابهم. ربنا قال كده بالعقل كده».

وبالعقل كده، حين تترك الطرق نهبًا لمعاتيه ومخابيل يقودون المركبات قيادة أقل ما يمكن أن توصف به أنها «خبل». والنتيجة حوادث سير أعلى بكثير من المعدلات الطبيعية، قتلى على الطريق، مصابون، وخسائر فادحة يوميًا. تسأل: أين الرادار؟ أين كاميرات المراقبة؟.. أين رجال المرور الذين يطبقون القوانين ولا يقتصر دورهم فقط على التدقيق فى الرخص؟ تأتيك حجج- إن جاءت- تتراوح بين «أصل عددهم قليل» «أصل مراتباتهم متدنية» «أصل حوادث المرور سلوك بشرى» وغيرها من الحجج الكفيلة برفع الضغط وتفجير الدماغ وإيقاف القلب.

هذا الكم من وجع القلب والعقل من شأنه أن يعالج حال عودة القانون من غيبوبته أو موته الإكلينيكى اليوم وليس غدًا. تطبيق القانون هو أبرز بنود التعاقد بين الحاكم والمحكوم، وبين المحكومين وبعضهم البعض

نقلا عن المصري اليوم القاهرية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

موت القانون الإكلينيكى موت القانون الإكلينيكى



GMT 09:44 2025 الخميس ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

من زهران إلى خان... كل منهما محكوم بالأسطورة القديمة

GMT 22:12 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

استراتيجة ترمب لمكافحة الإرهاب وتغيرات تكتيكية

GMT 22:05 2025 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الحليب والسلوى

GMT 10:43 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt