توقيت القاهرة المحلي 03:39:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما العمل؟!

  مصر اليوم -

ما العمل

بقلم - عبد العظيم حماد

أما وقد اتفقت غالبية الكتابات المحترفة، وكذلك اتفقت غالبية المتداخلين والمعقبين على فشل تجارب الحكم الوطنى فى عموم المنطقة العربية، قبل مرحلة الضباط الوطنيين، وفى أثناء هذه المرحلة، وبسببها، مع اختلاف فى تحديد الأسباب والمسئوليات، واختلاف آخر فى تقدير معدلات أو نسب الفشل هنا وهناك، وفى هذه الحقبة أو تلك، يصبح السؤال المترتب على الإقرار بهذه الحقيقة هو: ما العمل؟

من المسلم به أنه لا توجد إجابة واحدة، جاهزة ونهائية، ولكن إذا حاولنا أن نستخرج من الإجابات المطروحة من القوى والتيارات السياسية، أو من الشخصيات العامة، أو من مراكز البحث والتفكير معادلة محددة تشخص الحالة، وتقترح خطوطا عامرة للعمل الإيجابى من أجل تجاوز هذه المعضلة التاريخية، فإن هذه المعادلة هى: الذين يريدون التغيير فى عموم المنطقة لا يملكون أدواته، والذين يملكون الأدوات لا يريدون التغيير، بل ويقاومونه.

فهل إلى خروج من سبيل؟!
يمكن أن نكتفى بالإحالة إلى حركة التاريخ، والرهان على أن كل نظام يخلق نقيضه من داخله، وفى داخل المجتمع، وعلى أن الجمود الناتج عن تساوى قوة الفرض مع قوة الرفض يؤدى إلى السقوط من التاريخ وحركته، بحيث يخسر الجميع فى نهاية المطاف، ويخلون مكانهم للجديد المحتم.

ويمكن نظريا أن نراهن على إدراك من يريدون التغيير ــ أو بعضهم ــ أهمية امتلاك أدواته، ووسائل الحصول على هذه الأدوات، كما يمكن الرهان على إدراك من يمتلكون الأدوات ولا يريدون التغيير، أو إدراك بعضهم أهمية الاستجابة للاستحقاق التاريخى، المسمى هنا بالتغيير، الذى تفرضه حقيقة أن تجارب وصيغ الحكم الوطنى التى نكررها الآن بحذافيرها قد أخفقت فى ظل ظروف دولية وإقليمية وداخلية، كانت أفضل كثيرا من نظيرتها الحالية، أى ظروف ما بعد انتهاء الحرب الباردة، واتساع الفجوة التكنولوجية والاقتصادية والاستراتيجية بين الدول العربية مجتمعة وفرادى، وبين الدول الاقليمية البازغة، وبعد ظهور تحديات جديدة وخطيرة، كالانقسامات الطائفية، والحروب الأهلية، وأزمات المياه التى تجسدها الأزمة الحادة حول النيل فى مصر، والفرات فى العراق، فضلا عن الأزمة الاقتصادية العامة فى الدول التى لا تتمتع بوفرة نفطية.

فهل يستطاع تحويل هذا الممكن نظريا إلى ممكن عمليا؟ وكيف؟ 
فى تجارب الشعوب ــ ولسنا استثناء منها ــ يحدث غالبا أن الطرفين يتقاربان بدرجات وبطرق مختلفة، فيسعى المطالبون بالتغيير إلى امتلاك بعض أدواته، ويدرك محتكروا الأدوات ضرورة الاستجابة لبعض المطالب، ومن ثم يبدأ التفاعل، أو ما يسمى فى اللغة الإنجليزية بالـ process ولكن ما هى أهم الأدوات المتاحة والمناسبة، والتى يتعين على المطالبين بالتغيير امتلاكها أو السعى من امتلاكها فى حدود العمل السلمى الشرعى؟

نقتصر فى إجابتنا على هذا السؤال على الحالة المصرية، لأنها المؤهلة أكثر من غيرها من البلدان العربية، بحكم مناعتها ضد الحروب الأهلية، والطائفية، وبحكم قوة دولتها العميقة، ووحدتها الوطنية، ووحدة قواتها المسلحة، وعراقة مفهوم الدولة الحديثة فيها، بالمقارنة بشقيقاتها إلى الشرق، والى الغرب، والى الجنوب، والإجابة هى تقوية المجتمع السياسى والمدنى أمام الدولة العميقة، ولا سبيل إلى ذلك سوى الانخراط بكثافة فى الأحزاب السياسية الشرعية، جنبا إلى جنب مع العمل بأعلى درجة من التصميم على علاج السلبيات المتجذرة فى الحركة الحزبية المصرية.

والحقيقة أننى أعجب بصفة شخصية من الذين يتساءلون ما العمل؟ وينعون على الآخرين ــ وخاصة فى الأحزاب ــ عجزهم، ولا يشاركون بأية صورة من الصور فى العمل السياسى المنظم من خلال الأحزاب؟ فالسماء لا تمطر ديمقراطية، ولا مشاركة، ولا تمويلا.

بالطبع فنحن ندرك ــ كما يدرك غيرنا ــ العقبات المفروضة على الأحزاب، والحصار المضروب عليها، والتشويه المتعمد لها ولقياداتها، كما ندرك ما يلحق بالنشطاء الحزبيين من تعنت ضد مصالحهم وأشخاصهم على المستويات المحلية، والوظيفية، والقومية، ولكن كل ذلك ليس إلا إحدى حقائق الحياة السياسية المصرية، وذلك بتعبير صريح من أحد أقطابها، وهو المهندس سيد مرعى، كما أشرت فى مقال هنا فى الشروق تحت عنوان «كتاب موسى ويوم سلماوى»، وعليه فإما أن نكف عن طلب التغيير، وإما أن نتعامل مع هذه الحقائق، مدركين أن حزبا أعضاءه بالملايين، ولديه من التمويل ما يكفى، سيكون أقوى أمام هذه العقبات من حزب أعضاءه عدة آلاف أو عدة مئات، ومن ثم يتمكن مع غيره من الأحزاب المماثلة من تغيير المعادلة التى سبقت الإشارة إليها، أو على الأقل تحسين موقف المجتمع السياسى فيها، بما يدفع «محتكرى أدوات التغيير» إلى مرونة الاستجابة.

أما عن علاج سلبيات الحركة الحزبية المصرية المزمنة، فقد سبق أن تناولناه أكثر من مرة، وهو فى عجالة، التحرر من العقلية الاحتجاجية، وعدم تعجل إحراز مكاسب انتخابية على حساب البناء التنظيمى والبرامجى، والاقتناع إلى حد العقيدة أن الشرط الأول لنجاح الديمقراطية هو قبول الهزيمة، لتفادى ظاهرة الانشقاقات أو الانسحاب عند كل استحقاق انتخابى داخل هذا الحزب أو ذاك.

وهنا تقع مسئولية تاريخية ضخمة على الأجيال الجديدة، فهى فى معظمها التى صنعت ثورة يناير، وكانت الطليعة والمحرك فى 30 يونيو، وهى أيضا الكتلة الأكبر بين المقتنعين باخفاق تجربة الحكم الوطنى السابقة كلها قبل يوليو 1952، وبعدها، ومن ثم فهى الكتلة الأكبر بين المطالبين بالتغيير، فكيف تبقى هذه الأجيال خارج الحركة الحزبية؟ فهل يعلم أولئك أن الذين قادوا أو مهدوا لثورة 1919 هم فى الحقيقة شباب الثورة العرابية المهزومة، ومنهم الشيخ محمد عبده، وسعد زغلول مثلا؟ ولكن بعد أن استوعبوا الدرس، وآمنوا بأهمية العمل السياسى المنظم، والنفس الطويل.

لصفرية المهيمنة على المجتمع السياسى فى مصر، وبعبارات اجرائية محددة، فسوف يحدث التغيير، عندما يدرك المطالبون به أهمية، وحتمية دور الدولة العميقة وفى قلبها القوات المسلحة فى الحياة السياسية، وفى المقابل عندما تدرك الدولة العميقة جدارة المجتمع السياسى بالمشاركة، وضرورة هذه المشاركة، لنجاح مشروع الدولة المتقدمة المستقلة، وعندما يقر الإسلاميون بالدولة الوطنية، مقابل حقهم الديمقراطى فى المشاركة، وعندما يرى الإخوان المسلمون أن لجمال عبدالناصر، بعض الإيجابيات، وفى المقابل عندما يعترف الناصريون بمظالم الإخوان، وغيرهم من ضحايا العسف والتعذيب، وكذلك عندما يكف أولئك الناصريون عن اتهام السادات بالخيانة، ويعترفون بأنه الرجل الذى قاد انتصار اكتوبر، والرجل الذى أوقف التعذيب، فى حين يكف الساداتيون عن رجم عبدالناصر وانحيازاته الاجتماعية جنبا إلى جنب مع الإخوان، ومع المتعالين والمستغلين طبقيا.

عندما يحدث ذلك سوف تحل قيمة الاعتدال محل التطرف، ويحل مفهوم النسبية محل فكرة المطلق، وهما معا أى الاعتدال والنسبية يشكلان جوهر الحكم الديمقراطى القائم على التعددية، والمشاركة، ومساءلة الحاكم، وتداول السلطة، وحكم القانون، وهذه كلها هى جوهر التغيير، الذى نتساءل مع كثيرين غيرنا غيرنا: ما العمل لتحقيقه؟!

نقلًا عن الشروق القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما العمل ما العمل



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

أجمل إطلالات نانسي عجرم المعدنية اللامعة في 2025

بيروت ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - مكالمة سرية تكشف تحذيرات ماكرون من خيانة أمريكا لأوكرانيا

GMT 20:14 2025 الخميس ,04 كانون الأول / ديسمبر

ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر
  مصر اليوم - ماكرون يعرب عن قلق بالغ بعد إدانة صحافي فرنسي في الجزائر

GMT 05:43 2025 الإثنين ,01 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الإثنين 01 ديسمبر/ كانون الأول 2025

GMT 01:38 2025 السبت ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتسلم المفتاح الذهبي للبيت الأبيض من ترامب

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 07:30 2025 الخميس ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية مدهشة لعام 2026 ستعيد تعريف متعتك بالسفر

GMT 10:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

كل ما تريد معرفته عن قرعة دور الـ 16 من دوري أبطال أوروبا

GMT 11:36 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

عبد الحفيظ يكشف انتهاء العلاقة بين متعب والأهلي

GMT 22:15 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الرياضة يكرم بطل كمال الأجسام بيج رامي الإثنين

GMT 18:12 2020 الخميس ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الشرطة المصرية تستعرض قوتها أمام الرئيس السيسي

GMT 22:53 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

إطلالات جيجي حديد في التنورة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday egypttoday egypttoday
egypttoday
Pearl Bldg.4th floor 4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh Beirut- Lebanon
egypt, egypt, egypt