توقيت القاهرة المحلي 12:45:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فؤاد لم يَمُتْ بعد

  مصر اليوم -

فؤاد لم يَمُتْ بعد

بقلم - عزة كامل

عيناى تغيمان، وتختلط الأشياء وتنقلب أمامى لصور كثيرة تتقافز أمامى، وتشوش ذاكرتى، أنظر إلى «اليافطة» المثبتة على واجهة محل البقالة، وأقرأ: «بقالة العائلة ياسين وأولاده»، المحل في مواجهة مقهى السعادة، ويشغل ناصيتين، يأتى صبى المقهى ثلاث مرات إلى محل ياسين ليقدم له كوب الشاى بالنعناع، ابنه البكر «فؤاد»، الذي لم يبلغ السادسة عشرة، قرر ترك الدراسة ليسافر إلى إيطاليا هجرة غير شرعية عن طريق البحر، بعد استيلائه على تحويشة العائلة ليسددها للسماسرة.

بعد ستة أشهر، جاءه خبر موت «فؤاد» غرقًا في عرض البحر هو وكل مَن معه، هرع كل سكان الشارع إلى عم ياسين، الذي وقف يتلقى العزاء، ويردد في نشيج مسموع: «فؤاد مامتش، فؤاد عايش، أنا مستلمتش جثته يبقى مامتش»، وعيناه تذرفان الدموع كأنها دم.

رجال ونساء الشارع يثرثرون عن الكذبة التي يعيش فيها عم «ياسين»، تقاسموا معه الحزن لعدة أيام، ثم شدوا رحالهم إلى تفاصيل حياتهم اليومية، لم يترك ياسين بابًا إلا طرقه، استهلك عدة سنوات في البحث اللامُجدى عن ولده، كان يحدق أمامه دائمًا كأنه ينتظر أحدًا ما، كانت دموعه الغزيرة كفيلة بجعل دموع الرجال تتدفق بغزارة، ودون حساب، سنوات طويلة مرت بظلمتها الحارقة، وبقى الحال كما هو لا يتغير بالنسبة لعم ياسمين، غير أن دموعه كانت قد جفت، وحلمه في رجوع ابنه بهت، وظل يلازمه الهَمّ، وثقلت خطواته كأن قدميه تجرجران أحزانه.

وحده أخى، الذي كانت تربطه بـ«فؤاد» صداقة قوية، وأتذكر عندما جاءه خبر الغرق ظلت عيناه تحدقان بالناس في ذهول، ثم أخذ يركض بغير هدى من شارع إلى شارع، حتى كلّت ساقاه، وأخذنا نبحث عنه في كل مكان، حتى عثر عليه أبى، بعد أن انتصف الليل، جالسًا بجوار سور الجامع، وهو يبكى بلا انقطاع بشكل مرير.

مرت الأيام، والأحزان تُغرق البيوت والمقهى، وتلقى بأنينها وصرخاتها على الكبار والصغار، ذات يوم، لمحنا سيارة تاكسى تقف أمام محل العائلات، وينزل منها شاب، وبصحبته فتاة شقراء، أصاب الجميع الذهول، إنه «فؤاد»، الذي عاد من الموت بعد عشر سنوات، وعندما رآه أبوه سقط مغشيًّا عليه فورًا، تكاثر المهنئون، وانطلقت الزغاريد في الشارع، و«فؤاد» في حالة نشوة، يتقبل التهانى مسرورًا، وتدفق شباب الحى كالسيل عليه وهم يحدقون في الفتاة الشقراء التي معه، والفضول يأكلهم، يريدون أن يعرفوا حكاية «فؤاد»، الذي نجا وحده من غرق المركب المنكوب

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فؤاد لم يَمُتْ بعد فؤاد لم يَمُتْ بعد



GMT 01:42 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

التوريق بمعنى التحبير

GMT 01:38 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

مَن يحاسبُ مَن عن حرب معروفة نتائجها سلفاً؟

GMT 01:34 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

كيسنجر يطارد بلينكن

GMT 01:32 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

غزة وانتشار المظاهرات الطلابية في أميركا

GMT 01:29 2024 الإثنين ,29 إبريل / نيسان

من محمد الضيف لخليل الحيّة
  مصر اليوم - أحمد حلمي يكشف أسباب استمرار نجوميته عبر السنوات

GMT 10:05 2017 الإثنين ,18 أيلول / سبتمبر

الثروة الحقيقية تكمن في العقول

GMT 13:33 2019 الثلاثاء ,12 آذار/ مارس

أفكار بسيطة لتصميمات تراس تزيد مساحة منزلك

GMT 00:00 2019 الأحد ,17 شباط / فبراير

مدرب الوليد يُحذِّر من التركيز على ميسي فقط

GMT 12:26 2019 السبت ,12 كانون الثاني / يناير

تدريبات بسيطة تساعدك على تنشيط ذاكرتك وحمايتها

GMT 20:58 2019 الإثنين ,07 كانون الثاني / يناير

مؤشر بورصة تونس يغلق التعاملات على تراجع

GMT 16:54 2018 الإثنين ,03 كانون الأول / ديسمبر

"اتحاد الكرة" يعتمد لائحة شئون اللاعبين الجديدة الثلاثاء

GMT 15:16 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

وزارة "الكهرباء" تستعرض خطط التطوير في صعيد مصر

GMT 19:26 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أمن الجيزة يكشف عن تفاصيل ذبح شاب داخل شقته في منطقة إمبابة

GMT 22:47 2018 الجمعة ,31 آب / أغسطس

أمير شاهين يكشف عن الحب الوحيد في حياته

GMT 00:49 2018 الجمعة ,29 حزيران / يونيو

أيتن عامر تنشر مجموعة صور من كواليس " بيكيا"

GMT 04:18 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

اندلاع حريق هائل في نادي "كهرباء طلخا"

GMT 22:56 2018 السبت ,02 حزيران / يونيو

فريق المقاصة يعلن التعاقد مع هداف الأسيوطي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon