توقيت القاهرة المحلي 00:21:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

باقون على هذه الأرض

  مصر اليوم -

باقون على هذه الأرض

بقلم - عزة كامل

يا شجرة الزيتون العظيمة، الريح الشمالية العاتية تتهاوى بين أغصانك، وجذورك الأصيلة متشعبة فى الأرض الجليلة، وشاهدة على كل الجرائم، تأنين فى صمت، وتشمخين بكبرياء، تجتازين الأيام والأزمان، تتعاقب الأجيال مبهورة بصمودك فى مهب الريح، عذبة تلك الحكايات التى تختزنها جذوعك، عندما تهب الريح العاتية تصبحين الرمز والأسطورة، تحتفظين بهدوء غامض، يقبع تحت أحزمة من اللهب الكامن، أيتها الشجرة التى تفيض قوة ونبالة عالقة بين انجذابها نحو الأرض وشموخها نحو السماء، تظهرين حكمتك، وتهمسين بحفيفك الناعم، تملئين ما حولك بأمل خالد، تقدمين ثمارك المشتهاة التى تصنع البهجة.

أيتها الملكة غير المتوجة، تحت جذعك يولد الأطفال كبارا، يدعسون ثمارك بأقدامهم الصغيرة، ويلهون، ويطلقون الضحكات، وأنت تسكبين لهم حبا ينعش الروح وتسردين حكايات الأجداد لتجعل الأرض تنتفض تحت أقدامهم وتغزلين بمهارة فائقة شباك حب الوطن، وصوت سريان نسغك يهددهم كاسرا الأصفاد القديمة، ويجعلهم متحررين من كل خوف، وفى الليل عندما تهب نسائم العشق على أغصانك، تنسجين قصص عشق لها رائحة زيتونك الخالد.

منذ ألف ألف عام والريح توشوش الفضاء من حولك، وأنت بشموخك تصرخين فى وجهها: هذه أرضى، أرض فلسطين العفية، وهؤلاء أطفالى، وهنا عاش ومات أجدادى الأوائل)، وتطلقين زفيرك المفعم برائحة الحياة والحب.

الآن أيتها الشجرة الجليلة أصبح الجو مفعما برائحة القتل والرعب، والحليب الذى اختلط بالدم فى بيت الله، إنه الجحيم الذى نزل على أرضك ونثر الموت نثرا فوضويا، وأنت الآن تقشعرين غضبا، فلقد توقف يسوع عن السير وإعطاء بلسمه الشافى، بينما السماء تمطر قنابل ورشاشات، وتقهقه الشياطين وهى تنفث دخانها الأسود، وأطفالك يتساءلون: لماذا امتلأ وجه القمر بالذئاب؟، لماذا اختزل العالم إلى كتلة من التوحش والابتذال والكذب؟، إنها لعنة الزمن وإبادة فاقت كل من سبقها.

يا شجرة الزيتون الحزينة: من يستطيع أن يعيد لك روحك العظيمة، وقصص العشق، والأغانى والسحر اللذين ينسابان من حكايات الناس والطير والحجر؟، من يستطيع أن يوقف تلك الريح المجنونة الممتلئة بنثار الشر والتوحش؟، وجعلت كل شىء يكتسى بوشاح الموت الأسود، والسماء محملة بالخوف، والضباب احتشد مبددا الدعاء الذى يصل إلى روح الأشياء، والأطفال والكبار والشيوخ يهرولون من حولك يبحثون عن أصواتهم وملامحهم وهوياتهم، الأطفال يا شجرة البقاء لم يعودوا أطفالا للأرض بل صاروا أبناء للسماء، والعشب البرى الأخضر اكتسى بلون الدم، تأتى الإجابة منك أسمعها بقوة: باقون على هذه الأرض الطيبة، باقون إلى يوم الدين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

باقون على هذه الأرض باقون على هذه الأرض



GMT 05:16 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

ولنا في الكويت عبرة يا أصحاب الشعبويات!

GMT 05:13 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

لا بديل في الحالتين

GMT 05:09 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

ديمقراطية الكويت إلى أين؟

GMT 05:08 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

«فتنة التكوين» اتسع الخرقُ على الراقعْ!

GMT 04:46 2024 الإثنين ,13 أيار / مايو

نيران صديقة فى مهرجان (كان)!!

النجمة درة بإطلالة جذّابة وأنيقة تبهر جمهورها في مدينة العلا السعودية

الرياض ـ مصر اليوم

GMT 10:34 2021 الأحد ,04 تموز / يوليو

إصابة بيريسيتش نجم منتخب كرواتيا بكورونا

GMT 04:40 2021 الأربعاء ,31 آذار/ مارس

طريقة عمل جلاش ملفوف بالمكسرات

GMT 09:35 2021 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

تصاميم فساتين جريئة من وحي لين أبو شعر

GMT 03:19 2021 السبت ,23 كانون الثاني / يناير

العلماء يحلون لغزا عمره 100 عام بشأن مرض "السرطان"

GMT 11:05 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

يوفنتوس يتحدى نابولي على كأس السوبر الإيطالي

GMT 15:58 2021 الثلاثاء ,05 كانون الثاني / يناير

شوبير يكشف سر استبعاد الشناوي من مواجهة الاهلي وبطل النيجر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon