توقيت القاهرة المحلي 05:24:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر الجديدة

  مصر اليوم -

مصر الجديدة

بقلم - إبراهيم عبدالمجيد

منذ أكثر من عشرين سنة تأتيني الفرصة للسفر إلي المغرب العربي. في المرة الاولي وكانت تقريبا عام 1992 عدت لأكتب مقالا مطولا عنوانه لماذا كسب الملوك وخسر الرؤساء. مثلي يعرف مشكلات الحكم في كل الدول العربية. بل كنت اعرف مثل غيري قمع المعارضة الذي كان في المغرب والسجن الطويل لأعلام من المعارضين. وهذا أمر شاركت فيه كل الدول العربية تقريبا. ملكية وجمهورية. لكن مالفت انتباهي في المغرب العربي. وفي تونس ايضا بالمناسبة لكن هنا في المغرب العربي أكثر هو الحفاظ علي الثقافة المادية التي عاشت من العصور الإسلامية ثم من العصر الكولونيالي. وأعني بالثقافة المادية المباني والطرق والحدائق وغيرها في الحياة. رأيت الأشجار تملأ البلاد وكثير منها من عشرات السنين وبعضها منذ أكثر من مائة سنة ورأيت الحدائق كماهي منذ عهد الاستعمار الفرنسي لا يتم اقتلاع اشجارها ولا ملؤها بأكشاك الباعة حتي أنني ذات مرة في مدينة الرباط كنت أنتظر صديقا أمام مبني مجلس النواب وأشعلت سيجارة فكانت حيرتي كبيرة بعد أن انتهيت من التدخين كيف وأين أتخلص من عقب السيجارة وليس حولي الا أشجار ورصيف عريض غاية في النظافة. انتهي الأمر بان أطفأت عقب السيارة ووضعته داخل علبة السجائر. زرت مدنا مثل كازابلانكا او الدار البيضاء والرباط وطنجة عبر السنين. بل وزرت بلدة صغيرة مثل بني ملال وفيها وجدت الحدائق وشلالات المياه في الحدائق. ولم يقل جمالها عن المدن الكبيرة التي ذكرتها او مدن اصغر من العاصمة مثل فاس ومكناس او مدينة عريقة مثل مراكش. الأشجار هي القاسم الأكبر بين البلاد والمباني الأوربية التي تراها لا تختفي مع الزمن. شارع مثل شارع محمد الخامس في الدار البيضاء كماهو ومبانيه علي الجانبين علي طريقة مباني شارع الريفولي في فرنسا. فالممرات أمام المبني وتحته وهو ماتراه في مصر الجديدة عندنا وقبلها في شارع كلوت بك ومحمد علي لكن اذهب الآن إلي شارع كلوت بك او محمد علي وقل لي كيف الحال وأدعو الله أن تظل مباني مصر الجديدة علي حالها. وإذا دخلت في المغرب في الأحياء الشعبية حيث البيوت الصغيرة فستكون دهشتك كبيرة من ألوان البيوت ومن الأرض البازلتية وهو ماكان لدينا لكن تم منذ السبعينيات هنا في مصر خلع البازلت الصغير من الشوارع وسفلتتها بطريقة غير صحيحة وتكون النتيجة إنه حتي الأسفلت يتم تدميره ويتحول إلي مطبات بمجرد مرور سيارات فوقه فالأمر لا يخلو من الغش في التنفيذ والتسليم. في المغرب رأيت الطرق لا يصيبها هذا العطب. ورأيت عبر أكثر من ربع قرن تعددت فيه الزيارات أرصفة في الشوارع الواسعة تتجاوز الخمسة أمتار ولا أراها تنكمش بعد ذلك لاي سبب. هذا التراث من العصر الكولونيالي او من العصور الإسلامية السابقة في بناء البيوت يتم الحفاظ عليه وتقام المباني العصرية حقا في مدينة مثل الدار البيضاء لكنها لا تشوه المناظر الأخري فكل شيء محسوب في الرؤية بين المباني. هذه ثقافة لا تتخلص منها المغرب رغم أنها طبعا تخلصت من الاستعمار الفرنسي. نحن للأسف هنا في مصر اعتبرنا ان ما ورثناه في عهد النهضة وتحت الاستعمار البريطاني شيئا يخص الاستعمار فحدثت ولا تزال أكبر عملية اعتداء علي المباني الأثرية وبالذات الفلل وطبعا علي البحيرات والترع وأخرها ترعة المحمودية في الإسكندرية. كما حدثت اكبر عمليات اعتداء علي الأشجار والحدائق من أجل بناء العمارات وكان طبيعيا ان يشمل ذلك الاراضي الزراعية. نحن نسمي الإبداع بكل تجلياته النظرية بالقوة الناعمة لكننا نعادي ونعتدي علي المظهر المادي للثقافة العالمية. ثقافة البحر المتوسط الذي تطل عليه مصر بأكبر مسافة في حدودها. اعتبرنا تحررنا من الاستعمار البريطاني طريقا لتدمير الثقافة المادية وهي لا علاقة لها بالاستعمار البريطاني بل هي ثقافة البحر المتوسط العالمية. صحيح أن الاستعمار البريطاني لم يكن في ذكاء الاستعمار الفرنسي ومن ثم لم يكن علي نفس الدرجة في التغلغل الثقافي لكن كل من يدرس تاريخنا الحديث يعرف انه رغم الاستعمار البريطاني كانت النهضة كلها تقريباً تأتي من العلاقة مع فرنسا في شكل البعثات العلمية والثقافية التي كانت لا تنقطع إلي فرنسا. فمن هناك عاد المصريون بفكرة الديموقراطية ومجلس النواب ،مباني القاهرة والإسكندرية القديمة التي لاتزال وغيرها. بل والحدائق وغيرها فحديقة الاورمان مثلا أقيمت علي طراز حدائق التويليري في فرنسا وطبعا لن احدثك عن الفنون والآداب بكل اشكالها. باختصار كانت فرنسا نبع النهضة منذ البعثات ومنذ استعان محمد علي بالسان سيمونيين لبناء القناطر والجيش وغيره واستمر أبناؤه يرسلون البعثات إلي فرنسا رغم الاحتلال البريطاني. فنلنا من الثقافة الفرنسية مانالته الدول الواقعة تحت الاحتلال الفرنسي فلماذا لم نحافظ ولا نزال مثلها علي هذا التراث الإنساني. هذا ما يدهشني منذ زيارتي الأولي للمغرب وهذا ما جعلني أتساءل في مقالي الأول بعد اول زيارة كيف كسب الملوك وخسر الرؤساء

 

 

نقلا عن الاخبار القاهريه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر الجديدة مصر الجديدة



GMT 03:16 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

الوضوء الوطني

GMT 03:14 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

مصفاة جديدة للنبوغ!

GMT 03:13 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

أرض الحرية.. ليست حرة

GMT 03:05 2024 الجمعة ,03 أيار / مايو

أصغر من أميركا

GMT 03:09 2021 الجمعة ,26 آذار/ مارس

طريقة عمل السلمون بالزبدة

GMT 23:17 2020 الأحد ,20 أيلول / سبتمبر

البورصة العراقية تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 01:33 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

"غوغل" تعلن عن 100 ألف منحة دراسية تعادل الشهادات الجامعية

GMT 10:57 2020 الثلاثاء ,16 حزيران / يونيو

3 طرق سريعة لتسليك مواسير مطبخك

GMT 10:22 2020 الأربعاء ,11 آذار/ مارس

قرار عاجل من محافظة القاهرة بسبب كورونا

GMT 02:06 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

أب يغتصب طفلته لمدة 4 أعوام في البرازيل

GMT 00:28 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

تخلص من اسمرار البشرة بمكونات طبيعية

GMT 22:30 2019 الإثنين ,24 حزيران / يونيو

مؤشر الأسهم البريطانية يغلق على ارتفاع الاثنين

GMT 14:23 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

مصر تتسلح لـ"أمم أفريقيا" بـ23 لاعبًا بينهم 7 محترفين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon