توقيت القاهرة المحلي 16:16:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أعطني بياناتك!

  مصر اليوم -

أعطني بياناتك

بقلم - سوسن الأبطح

أحسنت «الجامعة اللبنانية» صنعاً حين قررت أن تفتتح فرعاً تخصصياً جديداً هو «علم البيانات» وتحديداً في «كلية الإعلام». فقد أصيبت الصحافة في مقتل حين اعتمدت على الفقاعات الخبرية بدل المعلومات المفيدة، وقررت أن تخدع القارئ بالعناوين الجذابة بدل المضامين المبنية على المصدر العارف والمرجع الموثوق والرقم الدقيق. وقبل إغلاق «دار الصياد» العريقة بصحيفتها «الأنوار» ومجلاتها المتعددة، أسلمت جريدة «السفير» الروح، وكادت «النهار» تهوي، وما يستمر يبدو كأنه في النزع الأخير.

مشكلة الصحافة تتعدى محرريها إلى المجتمع الذي يسندها، والجامعات ومراكز الأبحاث التي لا تزال عاجزة عن تكوين كوادر خلّاقة وعلمية في آن واحد.

و«علم البيانات» ليس سوى فرع من مجموعة تخصصات يمكنها أن تبدّل المجتمعات وتغير الرؤية إلى الواقع، وتضخ الإعلام بمادة يمكنه أن يبني عليها. فالصحافي ليس مخترعاً ولا مبتكراً من فراغ، وإنما هو باحث شرس عما يوجد حوله، مما يستحق الكتابة عنه والإضاءة عليه.

وقديماً كان يقال إن الإنسان يُعرف مما يقرأ أو تبعاً لمن يعاشر. وهي جميعها مقولات ينتهي مفعولها أو يكاد بفعل تراكم المعلومات عن الفرد الواحد لا بل وتضخمها، حتى صارت تشمل ما يحلم به وما يخشى، لا بل ويمكن توقع ما سيفعل. وها هي الباحثة البريطانية ساندرا واشتر تخرج علينا من «معهد أوكسفورد للإنترنت» الذي يعنى بدرس البيانات ويستفيد من جمعها في شتى مجالات الحياة، معلنة عن محاضرة عنوانها «أرني بياناتك أقُلْ لك من أنت». وهي عبارة مختصرة، شديدة الدلالة عما يقوم به المعهد وغيره من مراكز أبحاث، تستطيع أن تعيد قراءة المجتمع بأدق تفاصيله من خلال المعلومات التي تُجمع آلياً، عبر التطبيقات ووسائل التواصل وحتى أجهزة اجتياز الركاب إلى المترو والحافلة أو استخدام بطاقة الائتمان. وكل حركة بات بالإمكان إحصاؤها، وإعادة استخدام المعلومة بمقارنتها بأخرى عن الشخص نفسه، في حال أريد الاستعلام عنه لارتكابه جريمة أو طلبه وظيفة. وربما الأهم مقارنة المعلومات بعضها ببعض لمعرفة إلى أين تذهب الحياة، وكيف يمكن تنظيمها في المستقبل.

فقد اكتشف البريطانيون مؤخراً أن العنصرية تضرب مؤسساتهم الاستشفائية ذات الـ750 ألف موظف، وأن الأقليات فرصهم في الترقي أقل من البيض، ورواتبهم أدنى بدءاً من الأطباء وحتى العاملين في النظافة، وذلك بفضل دراسة جديدة لبيانات المستشفيات. وكُشف أيضاً أن التعارف عبر الإنترنت بين الجنسين لا يزال يخضع بنسبة كبيرة -لم تكن متوقعة- إلى مبادرة الرجال في إظهار الود، وأن إمكانية استمرار العلاقة تبقى أكبر حين يبدأ التواصل بين امرأة مطلوبة ورجل هو الراغب والطالب.

دراسة أكثر خطورة، تتجاوز بريطانيا هذه المرة، وتعتمد على البيانات، تُظهر أن فضائح التأثير على الانتخابات الأميركية الأخيرة عبر وسائل التواصل لم تكن ظاهرة منعزلة؛ إذ إن عدد البلدان التي يحدث فيها التلاعب الرسمي في وسائل التواصل الاجتماعي ازداد بشكل كبير، من 28 إلى 48 دولة على مستوى العالم. ويأتي التزييف في غالب الأحيان من الأحزاب السياسية التي تنشر، بشكل مقصود، المعلومات الخاطئة والأخبار غير المرغوب فيها حول الانتخابات لاستقطاب المقترعين.

وإذا كانت الشكوى في العالم اليوم هي من كثرة ما يُجمع من بيانات، وكيف يمكن تنقية ما نحتاج إليه مما يتوجب إهماله فإن المشكلة في بلادنا هي أن الأرشفة (الصيغة الأقدم لجمع المعلومات) وحتى قبل الإنترنت، لم تكن مما تستسيغه النفوس أو تحبه الذائقة. وأن تطور التقنيات لم يغير كثيراً في الأمزجة ولم يغرِ أو يلقِ الحماس في النفوس.

وبمواجهة القدرة المتزايدة على جمع البيانات وتحليلها نحن أمام تحديات من أنواع مختلفة. فبياناتنا موجودة ونحن لا نعبأ بأن تكون في أيدي أيٍّ كان. وبينما قررت أوروبا حماية مواطنيها بقوانين فرضتها على الشركات الكبرى تطبقها أو تحتال عليها، نبقى نحن كمواطنين في انكشاف تام أمام كل من يحلو له أن يجمع أسرار حياتنا أو يعبث بخصوصياتنا. وثمة خبر يقول إنه بعد الاختراق الأخير الذي تعرض له «فيسبوك» فإن بيانات دخول الواحد منا على «فيسبوك» تُباع من قبل القراصنة في السوق السوداء، بنحو دولارين فقط، وبطاقة الائتمان بأقل من 14 دولاراً، أما مجموعة المعلومات التي تشكّل هوية الشخص الواحد فيمكن أن يصل سعرها إلى الألف.

ونتعرض كبقية أمم الأرض لهذا الوجه المظلم الذي تُستغل به أرقامنا وأسرارنا ومفاتيح حياتنا، ولا نتمكن في الوقت نفسه من الاستفادة من إيجابيات أن تكون هذه المعلومات متوفرة لدى مؤسسة وطنية أو حكومة تسعى لتحسين أنماط معاشنا، أو ترفع مستوى اقتصادنا أو على الأقل تدرس علمياً سلوكياتنا.

فالغد ليس لمن يمتلك البيانات فقط بل لمن يجيد هندستها وتنقية ما يحتاج إليه منها، وإقامة الدراسات عليها ومن ثم توظيفها واستخلاص النتائج. وهو توظيف قد يكون خيّراً أو شريراً. وأن لا تعرف سيجعلك عرضة لاستغلال وعبودية من نوع جديد، لم يشهد لها التاريخ مثيلاً من قبل.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أعطني بياناتك أعطني بياناتك



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

بلقيس بإطلالة جديدة جذّابة تجمع بين البساطة والفخامة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:13 2024 السبت ,20 إبريل / نيسان

مقتل مراسل عسكري لصحيفة روسية في أوكرانيا
  مصر اليوم - مقتل مراسل عسكري لصحيفة روسية في أوكرانيا

GMT 18:31 2020 الأربعاء ,30 كانون الأول / ديسمبر

آندي روبرتسون يخوض لقائه الـ150 مع ليفربول أمام نيوكاسل

GMT 06:47 2020 السبت ,19 كانون الأول / ديسمبر

ترتيب الدوري الإنجليزي الممتاز بعد نهاية الجولة الـ 13

GMT 02:10 2020 الخميس ,10 كانون الأول / ديسمبر

7 أسباب تؤدي لجفاف البشرة أبرزهم الطقس والتقدم في العمر

GMT 22:29 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

أحمد موسى يعلق على خروج الزمالك من كأس مصر

GMT 11:02 2020 الجمعة ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّف على أعراض التهاب الحلق وأسباب الخلط بينه وبين كورونا

GMT 03:10 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

زيادة في الطلب على العقارات بالمناطق الساحلية المصرية

GMT 22:14 2020 الجمعة ,18 أيلول / سبتمبر

بورصة بيروت تغلق التعاملات على انخفاض

GMT 12:08 2020 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

خسائر خام برنت تتفاقم إلى 24% في هذه اللحظات

GMT 17:36 2020 الأحد ,12 إبريل / نيسان

الصين تعلن تسجيل 99 إصابة جديدة بفيروس كورونا

GMT 12:34 2020 الأربعاء ,08 إبريل / نيسان

شنط ماركات رجالية لم تعد حكرا على النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon