توقيت القاهرة المحلي 18:00:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أسرار بيروت

  مصر اليوم -

أسرار بيروت

بقلم - سوسن الأبطح

هذه هي السنة الثانية والستون التي يعود فيها معرض الكتاب العربي إلى بيروت. ليس الرهج ذاته ولا القامات الكبار نفسها التي كانت تتجمع حولها المئات في طوابير تنتظر التوقيع. تغيرت الوجوه، وانقلبت المعايير وتحولت بيروت، من مقام وملتقى دائم لنجوم الأدب، إلى محطة سريعة لمثقفين يأتونها ويرحلون خفافاً. هذا لا يثني الناشرين اللبنانيين عن تخبئة ثمين ما لديهم لهذه المناسبة. لم يعد المعرض اللبناني موعداً للصفقات الدسمة، لكن رمزيته لم تحجبها الأحداث السوداء ومكانته في قلوب الناشرين لا تخبو. لهذا فمن بين المعارض كلها يخصونه بالمثير للضجيج إن وجد، ويخرجون من جعبتهم عشرات الكتب الجديدة التي تجتذب المئات يومياً يحجّون إلى وسط بيروت، وليس مهماً، بعد ذلك، أن يتوفر في الجيب ما يتيح الشراء. فالمعرض موعد لا غنى عنه أولاً. والتقليد أحياناً كثيرة يغلب المستجد.
عمل اللبنانيون دائماً وكأنهم يعيشون في سلام سويسري، ويتأففون كأنما بلادهم لا تدرّ فاكهة ولا تنبت ياسمين. وبين عدم الرضى المزمن الذي ربما ورثوه عن الفرنسيين، والرغبة في السير إلى الأمام ثمة حيوية نابضة، وحماسة فوارة لا تكبحها السفاهات السياسية التي باتت مضجرة أكثر مما هي مربكة.
بلد ينتظر حكومة لا تولد منذ سبعة أشهر وهيئات دولية تنذر بشر مستطير، وتحذر من انهيار كبير، لكنك ستجد دائماً من يقول لك، إن حكومات سابقة احتاجت إلى أطول من ذلك كما حكومة لتمام سلام، وأن بلداً عاش سنتين ونصف السنة من دون رئيس للجهورية قبل انتخاب عون، قد يكون بمقدوره أن يصمد.
بين الخوف من الأسوأ والأمل بالمستقبل، يتحدث اللبنانيون عن الأول وينهضون صوب الثاني. ها هو «مهرجان لبنان الوطني للمسرح» يولد في أحلك الظروف، والأعمال تتنافس في تحفيز للمسرحيين لتكون ثمراتهم أكثر نضجاً العام المقبل. قد يبدو الأمر فاتنا أن ترى إضافة إلى المهرجان، سبع أو ثماني مسرحيات متفرقات، تعرض في وقت واحد في أنحاء العاصمة، هذا غير الحفلات الموسيقية، والافتتاحات شبه اليومية للمعارض التشكيلية. كل سنة يشكو منظمو «مهرجان الرقص المعاصر» من ضيق شديد، لكن الراقصين يحطون من أصقاع العالم منذ أربع عشرة سنة، ويستمر المشوار. مهرجانات السينما المتعاقبة لا تهدأ ولا تعترف بالفصول، تماماً كما ينمو عدد الأفلام، التي لم يكن يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة في السنة وصار يصعب عدّها، وبالنتيجة، وفي هذه الظروف الرديئة المتقهقرة، فازت نادين لبكي في «مهرجان كان» بفيلمها «كفرناحوم» بجائزة لجنة التحكيم، كما لم يحدث منذ 27 سنة يوم نالها مارون بغدادي عن فيلمه «خارج الحياة» وكانت الحرب القاتلة تشرف على الانتهاء.
تشعر وأنت تعيش في لبنان بتراجع نوعية الحياة، من صعوبة التنقل بسلاسة بسبب أزمة السير إلى الطعام الذي تشك بسماده والمياه التي سقته وتخشى الهواء الذي تتنشقه، وسط الحديث عن التلوث، وتقارير مختبرات الجامعة الأميركية، التي تعاين عن قرب واحتجاجات جمعيات المجتمع المدني التي لا تغفل أعينها عن التجاوزات ومخططات تركيب المحارق. لبنان ليس الأسوأ حالاً في المنطقة، لكن الشكوى فيه متاحة، وإعلامه يحب الإصغاء. وهذا لا يعيق في شيء أولئك الذين قرروا أن يشعلوا الساحات غناء، والقاعات تجارب في «مهرجان بيوند للموسيقى الشرقية وأنغام الجاز».
بانتظار الانفراجات التي يعرفون أنها ليست بقريبة، ألف اللبنانيون معايشة الأخطار. يعلمون أنهم لو انتظروا هدوء الحرب لما ولدت أجمل روايات إلياس خوري ونجوى بركات ورشيد الضعيف وحسن داود. ولو استسلمت فيروز للخوف لما صمدت في منزلها تحت القصف وتحولت رمزاً للوطنية الجامعة، ولو خشي رواد معرض الكتاب اجتياز معابر الموت للوصول إلى شارع الحمرا حيث كان يقام، لتوقف أكثر من خمسة عشر عاماً. ولد لبنان على فوهة بركان، وهذا ليس أمراً جميلاً ولا مريحاً. وكما تدرّب اليابانيون على مكافحة الزلازل واخترعوا لذلك أنظمة معمارية، تمرّس اللبنانيون في ترويض القلق وتشذيب أجنحة الخوف.
من ثورات الأشقياء، إلى حروب الأشقاء، وقصف الاجتياحات الإسرائيلية، إلى المعارك الصغيرة المتنقلة، والفتن الحمقاء التي تغفو دائماً تحت رماد ضيق الأفق والحسابات السلطوية الأنانية، ليس ثمة في لبنان ما يشرع فضاء الأمل سوى هؤلاء المصرّين على جعل بيروت ورشة إبداع فوّارة، في المسارح والجامعات، وبعض المقاهي والغاليريات وصالات السينما التي تستقبل المهرجانات، ودور الفن الصغيرة، والمتاحف الفردية الأنيقة المتنامية، والمكتبات الخاصة الزاخرة بما لا يخطر على بال من كنوز، ومجمعي الأعمال التشكيلية الذين يحرسون ما يستحق احتفاء خاصاً، ومنشطي الجمعيات الفنية الموزعة في كل منطقة، بمشروعاتهم الطموحة.
وكأن لبنان، لبنانان اثنان لا جسر بينهما ولا صلة، واحد للسياسة التي تختنق كيداً وكمداً، بعد أن حشرت في عنق زجاجة، وآخر للفن والحلم فيه يتنفس الناس أوكسجين الانعتاق ويتعلقون بأهداب المستقبل.

 

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسرار بيروت أسرار بيروت



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

نجوى كرم تتألق في إطلالات باللون الأحمر القوي

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:59 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس
  مصر اليوم - أفضل أنواع الستائر الصيفية لإبعاد حرارة الشمس

GMT 03:33 2024 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

عمرو يوسف يتحدث عن "شِقو" يكشف سراً عن كندة علوش
  مصر اليوم - عمرو يوسف يتحدث عن شِقو يكشف سراً عن كندة علوش

GMT 22:56 2018 الثلاثاء ,24 إبريل / نيسان

إيدين دغيكو يصنع التاريخ مع روما

GMT 18:14 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

محمد هاني يتعرض لكدمة قوية في الركبة

GMT 02:04 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

اللقطات الأولى لتصادم 4 سيارات أعلى كوبري أكتوبر

GMT 16:20 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

مقتل 3 مواطنين وإصابة 4آخرين في حادث تصادم في المعادي

GMT 07:05 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

أجمل ديناصور في العالم بألوان مثل طائر الطنان

GMT 06:33 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار الحديد في الأسواق المصرية الثلاثاء

GMT 21:12 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

الأهلي يعترف بتلقي مؤمن زكريا لعرض إماراتي

GMT 00:34 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

أبرز النصائح الخاصة بإدخال اللون الذهبي إلى الديكور

GMT 12:51 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد ناجي يمنح محمد الشناوي وعدًا بالانضمام للمنتخب

GMT 14:37 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

الإعدام شنقًا لـ7 من أعضاء خلية "داعش" في مطروح

GMT 13:23 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

"الخطيب" يدعو أعضاء الأهلي لحضور ندوته الرسمية في الجزيرة

GMT 02:07 2017 الأحد ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الدولار الأحد في السوق السوداء الأحد

GMT 17:42 2014 الجمعة ,15 آب / أغسطس

حدوث هبوط أرضي في حي الكويت في السويس

GMT 14:50 2017 السبت ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب يطلب زيادة تذاكرة في مواجهة غانا

GMT 20:56 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إسبانيا تودع 2017 من دون خسارة وتحلم بنيل كأس العالم

GMT 10:06 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي يدخل السباق الرمضاني بمسلسل كوميدي

GMT 19:16 2015 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

العثور على سلحفاة ضخمة نافقة على أحد شواطئ بلطيم

GMT 23:56 2013 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

الأميركية روفينيلي تمتلك أكبر مؤخرة في العالم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon