توقيت القاهرة المحلي 00:05:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحقد الطبقي وحقد الأجيال

  مصر اليوم -

الحقد الطبقي وحقد الأجيال

بقلم: عادل درويش

 

تناولنا من قبل ظاهرة الاستقطاب في الرأي العام والمؤسسات الأكاديمية والثقافية ووسائل التعبير في الديمقراطيات الغربية (وخاصة بريطانيا وأوروبا)، التي بدأت تظهر أيضاً بكثرة في بلدان قراء صحيفة «الشرق الأوسط» الغراء، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بجانب الوسائل الصحافية والعامة التقليدية باللغة العربية، وكنا أشرنا إلى الظاهرة «بالحرب الثقافية».

التعبير ظهر في عشرينات القرن الماضي مع الصدام الفكري بتبادل المناظرات الحادة بين التقليديين بأفكارهم المحافظة، والتحديثيين والليبراليين المنادين بتطوير المجتمع والأنماط الاقتصادية نحو الأفضل. وكانت المصادمات اتخذت طابع العنف في بلدان الثورات الشيوعية، كالصين بالثورة الثقافية للقضاء على الثقافة المخالفة للديكتاتورية الحاكمة وتصفية الخصوم الفكريين جسدياً. ما حدث في الصين، هو ما يثير القلق اليوم، لأن تعريف «الحرب الثقافية» تطور منذ ظهوره الأول قبل مائة عام لينعكس إلى مائة وثمانين درجة في القرن الواحد والعشرين، بعد تحول القوى التي عُرفت تقليدياً «بالتقدمية»، وهي اليسار والليبراليون، إلى كتائب «الرجعية»، التي تلغي الرأي الآخر، و«اللامنبرة» في قاعات المحاضرات والحرم الجامعي، والإذاعة والصحافة، التي يسيطر عليها الجناح الليبرالي، بمنع أي رأي مخالف للأرثوذوكسية المسيطرة على الرأي العام، خاصة في مجالات ادعاء مسؤولية العالم الغربي فقط عن التسخين الحراري وقضايا كالإجهاض ودعم الحركات الراديكالية.

أعود لتناول الموضوع، ولكن من منظور جديد، لسببين، أولهما لانتشار الظاهرة بقوة في بلدان منطقة قرائنا الأعزاء، حيث تسيطر الأصوات العالية على هوس جماعي يخرس الأقلية من الأصوات العاقلة الداعية للسلام والساعية للتهدئة، وعدم تحويل الصراع السياسي المسلح إلى كراهية الآخر، وتطويره إلى صراعات دينية وطائفية وعرقية. وثانيها أن هذه الحرب الثقافية، بدأت تتحول، هنا في بريطانيا (وعدد من بلدان أوروبا) إلى حرب أجيال أو صراع أجيال، بعد استهداف مؤسسات صناعة الرأي العام اليسارية الليبرالية المسنين والمتقاعدين (أصحاب المعاشات)، وادعاء أن كبار السن تسببوا في ازدحام مستشفيات الخدمة الصحية العامة بسبب أمراض الشيخوخة، وأيضاً تلفيق تهمة مسؤولية المسنين عن أزمة الإسكان، بتضخيم قيمة عقارتهم، وهي في الحقيقة مساكنهم التي اشتروها بالتقسيط قبل عقود، فازدادت قيمتها بارتفاع معدلات التضخم. لكن التقييم مزيف لاستحالة تحويلها من أصول ثابتة إلى نقدية سائلة تساعدهم على رفع مستوى معيشتهم. ولا تزال الدعوات تتصاعد لفرض ضرائب عالية علي قيمة العقارات، وليس على الدخل، رغم أن كبار السن ليس لديهم دخل آخر غير المعاش المحدود، وبالتالي لن يكون بقدرتهم دفع هذه الضرائب، أي سياسة تسعى لإجبارهم على ترك مساكن بعضهم عاش فيها لسبعة أو ثمانية عقود، وإخراجهم منها سيكون مثل إخراج سمكة من الماء.

سن التقاعد في بريطانيا هو ستة وستون عاماً، ويبلغ عدد المتقاعدين فيها الذين يتلقون المعاش هذا العام 12.6235.000 (حوالي ربع عدد السكان).

أحدث هجمات قوى اليسار الليبرالي على جيل المتقاعدين واستفزازها الجيل الأصغر لمزيد من «حقد الأجيال» (كتطور للحقد الطبقي) هو استهداف المعاش البسيط الذي يعيش عليه الشخص المتقاعد.

هذه التيارات تحتج على سياسة قديمة وهي ربط الزيادة السنوية في المعاش بنسبة تعكس غلاء المعيشة، وهي نسبة أقل من معدلات التضخم، لأن تحديد النسبة يسبق بداية السنة المالية، أبريل (نيسان) من كل عام بحوالي ثمانية أشهر، (أي عند إعلان الميزانية). سبب غضبهم أن الزيادة في المعاشات أقل من العلاوات التي يحصل العاملون عليها، إذ ليس للأخيرة آلية ثابتة لزيادة الأجور، وإنما حسب إمكانية تفاوض اتحاداتهم المهنية مع أصحاب العمل، والغالبية ليس لها تمثيل أي «كل شخص وشطارته».

تقدير الميزانيات واقعي، وهو أن المتقاعد المسن نادراً ما يكون بقدرته زيادة دخله، في حين أن الشباب الأصغر سناً، لديهم القدرة على أعمال إضافية، لزيادة الدخل. إلى جانب أن المتقاعدين دفعوا الضرائب طوال حياتهم المهنية.

المتقاعد يتلقى معاشاً أسبوعياً يساوي 172 دولاراً، سيزيد (عشرة في المائة) إلى 190 دولاراً أسبوعياً. وللمقارنة مثلاً - ثمن قدح القهوة خمسة دولارات وثمن البيضة دولار والخبز دولاران.

وهناك أقلية من المتقاعدين، حوالي ثلاثة ملايين، يتقاضون حداً أعلى من المعاش دفعوا ضريبة المعاش (وهي إضافية غير ضريبة الدخل العادية) لأكثر من ثلاثين عاماً، يحصلون على المعاش «الممتاز» الحد الأقصى منه يساوي 224 دولاراً أسبوعياً، من المقرر أن يرتفع في السنة المالية القادمة إلى ما يساوي 247 دولاراً أسبوعياً.

أيضاً للمقارنة، حوالي 44 في المائة من الشعب لا يدفعون ضرائب لأن دخلهم أقل من الحد الأدنى لدفع الضرائب (12.275) جنيهاً إسترلينياً سنوياً أو مقابل 298 دولاراً أسبوعياً، ويعتبرون «فقراء» حسب مستوى متوسط الدخول في المملكة المتحدة وهو 34 ألف جنيه سنوياً (ما يساوى 654 دولاراً أسبوعياً) - أي أن المتقاعدين في بريطانيا دخلهم من المعاش، في مجمله أقل من دخل «الفقير» إحصائياً بما يساوي 126 دولاراً (بثلاثة وسبعين في المائة)، ورغم ذلك ترتفع الدعوات لإلغاء قاعدة الزيادة السنوية لغلاء المعيشة للمتقاعدين بدافع حقد الأجيال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحقد الطبقي وحقد الأجيال الحقد الطبقي وحقد الأجيال



GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

GMT 22:47 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حرب القرن

إطلالات عملية ومريحة للنجمات في مهرجان الجونة أبرزها ليسرا وهند صبري

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:44 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك
  مصر اليوم - البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 08:16 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة
  مصر اليوم - نصائح للعناية بنظافة المنزل لتدوم لأطول فترة ممكنة

GMT 00:04 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تنفي بشكل قاطع وجود أي تعاون عسكري مع إسرائيل
  مصر اليوم - مصر تنفي بشكل قاطع وجود أي تعاون عسكري مع إسرائيل

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تعود لدراما رمضان 2025 بعد غياب 3 سنوات
  مصر اليوم - هيفاء وهبي تعود لدراما رمضان 2025 بعد غياب 3 سنوات

GMT 02:13 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

دافيد دي خيا يغير موقفه من التوقيع إلى نادي ريال مدريد

GMT 23:13 2020 الثلاثاء ,08 أيلول / سبتمبر

بورصة الكويت تغلق تعاملاتها على ارتفاع

GMT 07:00 2020 الثلاثاء ,07 تموز / يوليو

تعرف على موعد عرض مسلسل 'هوجان' لمحمد إمام

GMT 05:54 2020 الإثنين ,20 إبريل / نيسان

تعرفي على طريقة إعداد وتحضير ساندويتش التركى

GMT 00:13 2020 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

حسام حبيب يعلن تراجع شيرين عن اعتزال السوشيال ميديا

GMT 02:27 2020 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

أحمد شوبير يستفز أندية الدوري برسالة مثيرة بسبب الأهلي

GMT 20:15 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مارتن سكورسيزي على أعتاب رقم قياسي بحفل "غولدن غلوب" 2020

GMT 03:36 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

نوسيلة إسماعيل تنفعل على أحمد موسى بسبب واقعة "إطلاق النار"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon