توقيت القاهرة المحلي 11:56:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الخليج يضيء

  مصر اليوم -

الخليج يضيء

بقلم : د.محمد الرميحى

في ظل العتمة التي تحيط بنا من كل جانب في هذه المنطقة، من فشل الدولة في مكان، الى حرب أهلية في مكان آخر تستنزف كل الطاقات وتخرب الأوطان، تستطيع أن تتوقف أمام شيء مضيء وهو مجموعة من الأحداث في منطقة الخليج قريبة الى صنع المبادرات، وهي مبادرات تجلب الفرحة للبعض، وتشيع الامتعاض والبحث عن النقائص، بل والتبجح لدى البعض الآخر، إلا أن المُشاهد يرى أن هناك قرارات تتخذ ما كانت لتتخذها إلا قيادات تعرف أن يكون الإنسان إنساناً.

نبدأ من قطر، فبعد أسابيع سيعقد في هذه الدولة أضخم تجمع رياضي دولي عجزت عن استضافته دول ومدن كثيرة، وأعد له الاستعداد المختلف عن كل السوابق لهذا الحدث، إلا أن النجاح يجلب معه الكثير من المنقصات، فبدأت قوى ومؤسسات إعلامية وجماعات تضرب على نغمة اضطهاد العمال الأجانب في قطر! وليس من العقل أو المنطق أن دولة تعرض نفسها لاستقبال أكبر حدث كروي مع ما يصاحب ذلك من إنفاق مالي ضخم واستقبال عدد كبير من المشجعين بكل أطيافهم، أن تعجز أو لا تقوم بواجبها تجاه العمال في أرضها. إن كان هناك تقصير في هذا الملف يمكن أن يعزى الى مقاولين تقاعسوا عن أداء واجبهم، ولكن بالتأكيد ليس الدولة.

ولما خفتت نار ذلك الملف تحول البعض الى إثارة ملفات أخرى تركز على من يُسمح له بدخول قطر ومن لا يسمح له، على خلفيته الجندرية، ومن سيسكن مع من؟ وملفات أخرى كثيرة وكأن العالم اكتشف فجأة أنه لا يجوز لبلد صغير تنظيم تلك التظاهرة الرياضية الكبرى، وكلها ملفات ظاهرها الرحمة للبسطاء وأهل الموقف المسبق، قائمة على معلومات مضللة ومتعمدة الإساءة، وهي ليست أكثر من فقاعة إعلامية، ولم تقم قطر بهذا المجهود لإرضاء تلك النفوس، فالمجتمع القطري مرحب بالحضور من أي مكان وبأي صورة وسيلقى كل من يأتي الى الدوحة كل احترام وتقدير، طبعاً ليس مطلوباً من أحد أكثر مما هو مطلوب من أي شخص يزور مجتمعاً متحضراً، وهو الالتزام بالقانون.

كرة القدم وجمهورها عادة ما يشيعان الكثير من الفوضى والاضطراب، وهناك تاريخ طويل في العواصم المختلفة، ومنها أوروبية، شهد العالم في ملاعبها ذلك الاضطراب، بل ووفاة عدد من أفراد الجمهور نتيجة سوء التنظيم، كل ذلك تحوطت له الدولة القطرية، ووضعت البرامج والموازنات لإنجاح دورة كروية متميزة، لا عزاء للمنتقدين إلا أنهم يريدون مأتماً يبكون فيه، ويسوؤهم أن تنظم دولة من دول الخليج هذه التظاهرة الرياضية الكبرى.

نأتي الى الحدث الثاني الكبير الذي وقع الأسبوع الماضي وهو حضور الحبر الأعظم الى المنامة والاستقبال الحافل له والكلمات التي تحدث بها الداعية الى السلام والخير، والأهم صلاة عشرات الآلاف من المؤمنين مع البابا وهم قلّة من المواطنين وكثرة من القاطنين القادمين للعمل من بقاع العالم. من جديد دولة خليجية يصل اليها البابا فرنسيس كما فعلت دولة الإمارات عام 2019 وأنتجت تلك الزيارة الأخيرة وثيقة وقعها شيخ الأزهر والبابا للإخاء الإنساني. تلك الزيارة صلى فيها البابا في مئة ألف كاثوليكي، والأخيرة الى البحرين صلى فيها ثلاثون ألف كاثوليكي، وهي تعني أن آلافاً منهم قد شاهدوا البابا واستمعوا إليه، ولم يكن هناك أي احتمال في حياتهم أن يحضروا مثل هذا اللقاء، يعني إسعاد الناس، وبخاصة المؤمنين البسطاء، وكلها ترسل رسالة تسامح وألفة وتعايش بين الأديان والمذاهب في وقت تشتد دعوات التعصب في المنطقة ككل، ويتمترس السياسيون الانتهازيون وراء نعرات الكراهية للآخر ونبذه في الوطن الواحد، ما يشق الصف ويثير الفتنة ويتيح للقوى الطامحة القفز من تلك الثغرات الى الإخلال بأمن الوطن.

أما مشروع التحديث السعودي الاجتماعي والاقتصادي فقد بانت أبعاده الحضارية واعترف الأبعد قبل الأقرب بأهميته ونتائجه المبهرة والإيجابية التي تظهر في سنوات قليلة، وهو مشروع واعد من محاربة الفساد بشكل منظم، الى تطوير التعليم، الى تمكين المرأة السعودية، الى بناء ترسانة اقتصادية ومالية، الى إنشاء مشاريع عملاقة، وحتى الى الصناعة الحربية، هذا المشروع الذي سينقل المملكة العربية السعودية الى آفاق جديدة ويلحقها بتنمية مستدامة على قواعد علمية رصينة ستصل ثماره الى دول الجوار.

مشروعا الطاقة النظيفة بين الإمارات والولايات المتحدة لاستثمار مئة مليون دولار من بين مشاريع ضخمة تنم عن أن الدولة عازمة، ليس فقط على السير في التنمية المستدامة وتمكين المواطنين من الرفاه من طريق الإنتاج، ولكن أيضاً خدمة الإنسانية، فالجوع للطاقة من جهة، وتسارع التلوث من جهة أخرى، هما السمة التي تهدد الحضارة الإنسانية، وبوجود طاقة نظيفة تنقذ الإنسانية من الدمار المتوقع في البيئة.

ويتطور مشروع إصلاحي في الكويت في الإدارة والمشاركة والعمل الجاد كي تعود الكويت الى مسارها الطبيعي بعد تعويق أصابها جراء الغزو العراقي وما تلاه من ارتباك، فهناك جهود لإنعاش المسرح والموسيقى وإعادة تعويم المشروع الثقافي، الى جانب الإصلاحات الإدارية والاقتصادية.

عُمان تتخذ من الإجراءات في الانفتاح ما هو لافت، وتبني اقتصاداً حديثاً وتدرب عمالة وطنية شابة تعمل في كل مجالات الاقتصاد، الى جانب إتمام مشاريع البنية التحتية من موانئ وطرق ومطارات تربطها بجيرانها والعالم. المشهد يقول لمن يريد أن هناك إضاءات في وسط العتمة المحيطة.

لا يعني كل ما تقدم أن ليس هناك مشاكل أو عقبات أو حتى منقصات في هذه المجتمعات، ولكنه يعني أن هناك وعياً بالتعامل مع المستجدات بجدية والتفاعل مع تلك العقبات إيجابياً من طريق الاعتراف بأن العالم يتحول وأن العتمة التي أصابت دولاً في المنطقة هي نتيجة التقاعس عن اتخاذ القرارات خارج الصندوق، لذلك فإن النموذج الذي يظهر في الخليج جلياً لكل منصف، أن هناك مشروعاً تنموياً وإنسانياً يمكن رؤيته رؤية العين، وفي الوقت نفسه هذا المشروع التنموي يحتاج الى تحصين، هو يحصن نفسه بنجاحاته، ولكن أيضاً يحتاج الى تحصين في أطرافه بالاهتمام بالأمن الجماعي، لأن النجاح يخلق بشكل تلقائي تحدياته ويفتح شهوات الآخرين في تعطيله.

مرض السياسة العربية التردد والخوف من المجهول والمزايدة، وواضح أن ما يحدث في الخليج من بعض ما أشير اليه سابقاً هو أن هناك مشروعاً يُطلق ذلك المرض الثلاثي، ويستبدل بعلّاته إيجابيات الإقدام والثقة مقرونة بالتواضع في قراءة الواقع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخليج يضيء الخليج يضيء



GMT 08:18 2024 السبت ,18 أيار / مايو

يا حسرة الآباء المؤسسين!!

GMT 00:12 2024 السبت ,18 أيار / مايو

دعوة للإصلاح أم للفوضى؟

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

قمّة المنامة!

GMT 00:12 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

عادل إمام ونصف قرن على عرش النجومية

GMT 16:07 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

الفساتين الطويلة اختيار مي عمر منذ بداية فصل الربيع وصولًا إلى الصيف

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:57 2024 الإثنين ,20 أيار / مايو

مفاجآت كبيرة في فيلم "الست" لمنى زكي
  مصر اليوم - مفاجآت كبيرة في فيلم الست لمنى زكي

GMT 18:57 2018 الثلاثاء ,26 حزيران / يونيو

فنانة لبنانية أنهكها العمر ولم تعد تستطيع الحراك

GMT 05:22 2018 الإثنين ,26 آذار/ مارس

سان جيرمان يُغري أنطونيو كونتي براتب ضخم

GMT 05:34 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

كايا جيربر تخطف الأنظار بإطلالة من "شانيل"

GMT 11:10 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

لورا ويتمور تجذب الأنظار إلى إطلالاتها السوداء

GMT 09:40 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

تعرفي على كيفيّة العناية بالشعر القصير لينمو بكثافة

GMT 22:12 2017 السبت ,30 كانون الأول / ديسمبر

الإنتاج الحربي يتخطى دجلة بهدفين دون رد فريق

GMT 17:30 2017 الثلاثاء ,05 كانون الأول / ديسمبر

لوكاكو يتطلع لتوقيع عقد رعاية مع إحدى الشركات الرياضية

GMT 22:34 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجمة مسرح مصر ويزو تحتفل بزفافها في التجمع الخامس الإثنين

GMT 08:47 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

ماركو رويس يكشف عن طموح ألمانيا في يورو 2016
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon