توقيت القاهرة المحلي 20:28:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بناء النموذج... السعودية مثالاً

  مصر اليوم -

بناء النموذج السعودية مثالاً

بقلم : د.محمد الرميحى

لا يستطيع مراقب أن يتجاوز رؤية مشروعين في الشرق الأوسط، يمكن تسمية الأول بالمشروع الإيراني، والثاني بالمشروع العربي، وقطبه الأساس المملكة العربية السعودية، ودول الخليج، في غياب أو انشغال بقية البلدان العربية في قضايا محلية، تشغلها عن «بناء النموذج»، لما أصاب المنطقة من فوضى، وتفصيل النقطة الأخيرة خارج سياق هذا المقال.

بناء النموذج فكرةٌ عُدت إليها كثيراً في متابعتي لشؤون الإقليم، فقد فشلت النخب العسكرية بشكل عام، والنخب «الثورية» أيضاً بشكل عام، والإسلام السياسي، في بناء النموذج الذي ينقذ البلاد ويخدم العباد، وأصر البعض على استخدام العنف في الداخل والخارج لتطويع الآخرين، أو حتى الشعارات الثورية، مع نتائج كارثية وتراجع ملحوظ.

المشروعان الإيراني والعربي (كما وصفت) متناقضان في الوسائل وفي الغايات، إلا أنهما يؤثران في بعضهما البعض بدرجات مختلفة. في فترات إصلاحية في إيران، بخاصة في فترة حكم محمد خاتمي (1997- 2005)، توجهت نخبة الحكم إلى الانفتاح على الجوار، وطبعت تلك الفترة بروح تصالحية، جعلت التعامل بين الضفتين الغربية والشرقية من الخليج أكثر يسراً، بسبب شخصية خاتمي نفسه، وقد كان وزيراً للثقافة في فترة طويلة، وخدم وهو شاب في الجيش الإمبراطوري، وأحاط نفسه بعدد من المعاونين ذوي البصيرة.

وقتها كانت هناك وفود ثقافية تزور المدن الإيرانية، وتلتقي بمثلها من الإيرانيين، وكان بعضهم يعتقد أن «الإصلاح» في دول الخليج جاء جزئياً من نتاج الثورة الإيرانية، وقتها انتبهت إلى «أهمية قوة التأثير». بعد سنوات، سمحت المملكة العربية السعودية بحضور المرأة إلى ملاعب كرة القدم، وكانت المرأة الإيرانية ممنوعة، وبعد أسبوع لا غير، سُمح للمرأة الإيرانية بحضور مباريات كرة القدم، مما عمّق الملاحظة التي أكدت فكرة «جاذبية النموذج».

بعد فترة خاتمي، دخلت إيران فترة تشدد معروفة، وتوجهت إلى «شتاء» مع الجوار، ساعد ما عرف بـ«الربيع العربي» على تصور أن ما يحدث هو تأثير إيران، وقد أكد الفكرة الأخيرة كتاب «صبح الشام» الذي أصدره وقت ذاك حسين أمير عبداللهيان، بالفارسية، وأخيراً تُرجم إلى العربية، فوصف «ربيع العرب» بأنه «ربيع إسلامي» اعتمد على فكر الثورة الإيرانية، إلا أن ذلك «الربيع» انتهى بكارثة.

من هنا كنتُ سعيداً عندما أرسل لي الصديق محمد السلمي كتيّباً من 24 صفحة نشره «مركز رصانة» الذي يديره، وهو من المتخصصين في الشأن الإيراني بعنوان «تأثير النموذج السعودي التنموي في الداخل الإيراني»، فالتقاط الفكرة مميز بحد ذاته، ويؤكد من جديد على أهمية بناء النموذج في خضم التنافس في منطقتنا، فأنت لا تحتاج إلى قوة أكثر تأثيراً من بناء نموذج ناجح أمام الجمهور العام في وسط هذا التفاعل العالمي، الذي لا يعترف بعوائق لا لغوية ولا معلوماتية، والنجاح في بناء النموذج هو مركز الاستقطاب.

بالطبع لا يمكن تجاوز بعض الحقائق في الجانب الشرقي من الخليج (إيران)، فهناك أولاً تعددية تنافسية في القوى السياسية، على الأقل بين مدرستين (إن لم يكن أكثر)، المدرسة الثورية والمدرسة الإصلاحية، كما أن هناك الكثير من القصور (وهو تعبير مخفف) في كل من الفضاءين الاقتصادي والاجتماعي في إيران، إضافة إلى نجاح نسبي في القوة الخشنة، إلا أن تلك القوة الخشنة، كما يعلمنا تاريخ الشعوب، إنْ لم تسندها في الداخل قوى اجتماعية ذات طبقة وسطى عريضة وراضية، واقتصاد متين، تصبح كالعملاق «بأرجل من خشب»!

لا يمكن أن نتجاوز قوة تأثير النفوذ الإيراني في الجوار الهش، كما في العراق أو لبنان أو اليمن، ولكن ذلك النفوذ هو «تابع» وليس صديقاً حراً، تابع لأسباب، إما سياسية أو مصلحية، ولكن تلك التبعية قادت إلى تقسيم النسيج الاجتماعي في تلك البلدان، كما أفرزت تلك التبعية قوى سياسيةً مضادةً، ترجع فشل دولها بسبب النفوذ الإيراني، الذي يدخلها في صرعات ويعمم القمع والفقر معاً.

كما شرح «كتيب رصانة»، بالتفصيل، أصبح هناك من النخب الإيرانية اليوم من يرى نجاح النموذج السعودي في العلاقات الدبلوماسية الدولية، التي استطاعت في السنوات الأخيرة أن تجمع على أرضها سلسلةً من لقاءات القمة الناجحة، الإقليمية والدولية، والقدرة على التبادل التجاري والصناعي مع القارات مع تجاوز القطبية، ثم النموذج الحداثي التنموي الذي يحقق نجاحات ملحوظة في تنويع الدخل وتأهيل رأس المال البشري وتمكين المرأة واستخدام عوائد النفط للسير في الحداثة الاقتصادية والتنموية، وترقية التعليم والخدمات الصحية، ما يعاكس الخطط التي تبنتها إيران وفشلها في تطوير الاقتصاد والخدمات، رغم ما تختزنه أرضها من موارد.

لذلك يرصد «كتيب رصانة» بدقةٍ تآكل السردية الإيرانية (الثورية) السابقة تجاه السعودية، وأيضاً دول الخليج، التي كان المتشددون يحملونها ويروجون لها، وظهور سردية أخرى تقارن أماكن النجاح ومواطن الفشل، فالسباق هنا مرهون للعقل وليس للعاطفة.

النموذج السعوي بما يمثله من مفارقة للماضي وابتكار أدوات حديثة للتطوير، لا يواجه تعنتاً من الجوار الإيراني المتشدد فقط، بل هو أيضاً يواجه مقاومة مما يمكن أن يعرف بالإسلام الحركي، وتُشن من تلك الجماعات حملات ضد ذلك النموذج، وهي حملات قد تبدو في ظاهرها للعامة متكئة على مقولات تراثية، ولكنها في جوهرها مضادة للحداثة والتقدم، وتستخدم في حملتها كل الأدوات المتاحة، من التضليل إلى المغالطة، إلى الشعوذة المنكرة، وتحت ذلك الغطاء يجهر بعضهم بشكل واضح أو آخرون بشكل خفي في محاولة تلطيخ صورة الإنجازات بالتصيد والتزييف، بسبب ما يعتقدون أنهم خسروا ساحة مهمة كانت تشكل ملعبهم الخلفي.

لذلك لا مناص من بذل الجهد لتأكيد المسار التنموي الحداثي، ورفده معنوياً بكشف زيف المتربصين من خلال تسويق يتسم بالفطنة يدلل إلى النجاح بالإنجاز.

آخر الكلام: ما تقوم به السعودية ليس أقل من اختراق إقليمي، في مقابل فرص سياسية ضائعة في الجوار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بناء النموذج السعودية مثالاً بناء النموذج السعودية مثالاً



GMT 19:49 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

في معنى «التنوير»

GMT 19:46 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

قراءة في مذكّرات يوسف حمد الإبراهيم

GMT 19:45 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

محاولة بعث الصدام الحضاري

GMT 19:14 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

‎ لماذا دخل نتنياهو رفح؟

GMT 19:13 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

دورتموند نصف الدراما وكل الحظ؟!

الملكة رانيا تتألق بإطلالة جذّابة تجمع بين الكلاسيكية والعصرية

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 20:11 2024 الأربعاء ,08 أيار / مايو

ماجد المهندس يعلن عن مشروع فنى جديد
  مصر اليوم - ماجد المهندس يعلن عن مشروع فنى جديد

GMT 00:46 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

خلطات طبيعية للشعر بمفعول الكيراتين

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,16 كانون الثاني / يناير

الإفتاء المصرية تؤكد أن إنفاق المرأة فضل منها

GMT 14:21 2012 الثلاثاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

فلنتعلم من الطبيعة

GMT 22:24 2021 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

تقارير تكشف حسم ريال مدريد صفقة ديفيد ألابا مجانًا

GMT 05:05 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بدء طرح كراسات شروط الإسكان الاجتماعي في مصر الأحد

GMT 18:08 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

رسميًا واتفورد يقيل فلوريس سانشيز من تدريب الفريق

GMT 15:07 2019 الأحد ,23 حزيران / يونيو

أحدث موديلات فساتين السهرة للمحجبات في 2019
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon