توقيت القاهرة المحلي 18:30:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التفكير التركي بالمتغيرات والتأثيرات على سوريا

  مصر اليوم -

التفكير التركي بالمتغيرات والتأثيرات على سوريا

بقلم - رضوان السيد

قبل أسبوع شاعت الأخبار عن اجتماع بين وزير الخارجية التركي ونظيره السوري في إحدى المناسبات الدولية. وكان الرئيس إردوغان قد مضى إلى روسيا قبل أسبوعين واجتمع بالرئيس بوتين لأسباب عدة، منها سوريا. وقد شاع بعد الاجتماع أن الرئيس الروسي اقترح على إردوغان التواصل مع الرئيس السوري بعد قطيعة طويلة، وأنّ الرئيس التركي أجابه بأنّ الظرف غير ملائم، واقترح بالمقابل اتصالاتٍ بين استخبارات البلدين. لكنّ المحادثات بين وزيري خارجية البلدين - وهي بالطبع سياسية - تدلُّ على أنّ رغبة بوتين بدأت في التحقق. وقد عمّت المظاهرات في إدلب وشمال حلب احتجاجاً على التحول التركي، وبدء التخلي عن المعارضة السورية التي لم تعد موجودة إلا في مناطق الوجود العسكري التركي في الشمال السوري!
العلاقات الروسية - التركية شديدة التشابك ومتعددة الموضوعات ذات الاهتمام والمصلحة المشتركة. إنما منذ أشهر عدة يقول الرئيس التركي إنه يخطط لعملية عسكرية ثالثة للاستيلاء على بلدتي تل رفعت ومنبج آخر جيبين للأكراد في غرب الفرات. وهو يريد من وراء ذلك زيادة تأمين حدوده من حزب العمال الكردستاني (التركي) الذي يقاتل ضد قوات تركيا في سوريا والعراق انطلاقاً من مناطق الأكراد في البلدين. وعلى هذه العملية المُراد تنفيذها عاجلاً هذا العام اعترض الأميركيون حماة الأكراد في سوريا، كما اعترض الروس والإيرانيون. ولأنّ إردوغان مقتنع أنّ الاعتراض الأميركي على الحملة الجديدة يمكن تذليله بسبب شدة حاجة الأميركيين إلى تركيا العضو في «الأطلسي» في الحرب الدائرة على أوكرانيا وفي التوسط والتمرير لإمدادات الغذاء والطاقة. أما الاعتراضان الروسي والإيراني فقد حاول تجاوُزَهما في الاجتماع الثلاثي بطهران بين بوتين وإردوغان ورئيسي الرئيس الإيراني. إنما بعد جدالاتٍ طويلة ظلّ الخلاف قائماً وظلّ الرئيس التركي مصرا على القيام بالعملية.
لماذا يرى الرئيس التركي ضرورة العملية العسكرية؟ هو يعلن عن سببين؛ الأول حفظ الأمن القومي التركي من حزب العمال الكردستاني الذي له في مناطق الأكراد بشمال شرقي سوريا قوات ضاربة، والسبب الآخر: إعادة مليون لاجئ سوري ممن هربوا إلى تركيا في السنوات الماضية من مناطق سيطرة الأكراد ومناطق سيطرة النظام السوري. والطريف، أنه بعد اجتماع طهران قامت المسيّرات التركية بقتل أحد قادة حزب «الحياة الحرة» الكردي الإيراني. وكأنما أراد الأتراك تنبيه إيران إلى أن المعزلة الكردية بشمال سوريا وبحماية أميركية، تؤوي إرهابيين أكراداً ليسوا ضد تركيا فقط، بل ضد إيران أيضاً!
يحاول الروس أكثر من الإيرانيين إقناع إردوغان بعدم القيام بالحملة الجديدة؛ لأنها ستدفع الأكراد إلى أحضان النظام السوري هرباً من التغول التركي. والمعروف أنّ النظام السوري ضد الانفصالية الكردية بالطبع وله مصلحة في التوافق مع تركيا لهذه الناحية. وسيضمن الروس الاتفاقيات. لكنّ الرئيس التركي يقول لهم: في المنطقة التي تسيطر عليها بسوريا قرابة الملايين الثلاثة ومعظمهم مهجَّرون أكثر من مرة. وقد توسطتم في المصالحات بالجنوب السوري (مناطق درعا) ولم تفوا لا أنتم ولا النظام. ومناطق المصالحات المزعومة اليوم تحفل بالاضطراب والاغتيالات المتبادلة، وعلى مسافة منها باتجاه الجولان يحاول الإيرانيون إرسال ميليشياتهم بحجة الحشد ضد إسرائيل - ومن الناحية الأخرى على الحدود مع الأردن تنتشر عصابات مسلحة لتهريب المخدرات عبر الأردن إلى دول الخليج بالقوة. ولا يخلو أسبوع من اشتباكات بين المهربين والجيش الأردني، الذي اكتشف أنهم حفروا أنفاقاً أيضاً!
إردوغان مستعجل لأنّ عنده انتخابات ويريد أن ينجز شيئاً في ملف اللجوء السوري بالذات لتصاعد التذمر بتركيا من كثافة اللجوء السوري الذي يتجاوز الثلاثة ملايين. لكنه كما لا يطمئن إلى الوعود الروسية إذا تواصل مع النظام، لا يطمئن أكثر في مسألة اللجوء وإمكان استقبال النظام (ولو سوعد دولياً) لمليون سوري أو أكثر، وشاهده على ذلك ما جرى مع الأردن ولبنان ورفض النظام إعادة بعض المليونين الذين هجَّرهم النظام إلى البلدين!
إردوغان مضطر إلى مجاملة روسيا، إنما لديه ضغوط الناخبين بالداخل، ولديه أعباء ملايين السوريين في تركيا وفي مناطق سيطرته بسوريا. وإردوغان ورغم التهويل بعثمانيته الجديدة، ليس عنده مشروع سيطرة واستيلاء آيديولوجي ومذهبي مثل إيران. ويثير الأتراك تذمر السوريين المعارضين فيما يسمى مناطق خفض التصعيد منذ سنتين لأنهم يكررون إرادتهم الانسحاب إذا اطمأنوا إلى أمن الحدود، وإلى عودة اللاجئين. وفي حين لا تأبه إيران لمجاعة شعبها وتريد النووي والاستيلاء على البلاد العربية وتشييعها، يرتاع المسؤولون الأتراك لإقدام مؤسسة «موديز» للاستشارات المالية الدولية على تخفيض الائتمان على الليرة التركية لأدنى مستوياته!
يريد إردوغان إذن الاستفادة من الحرب الأوكرانية ومن الأزمة العالمية الجديدة. والميزة التي يراها لبلاده ليس موقعها الاستراتيجي فقط؛ بل وقدرته على جعل كل الفرقاء محتاجين إليه تدخلاً أو وساطة. وقد سبق له التدخل في ليبيا ومحاولة الإفادة من بحارها وبترولها، كما أراد التدخل في مياه اليونان ومياه قبرص، وتدخل قبل سنتين لصالح أذربيجان ضد أرمينيا. يكسب هنا ويخسر هناك، لكنه يظل محركاً وفاعلاً حتى في القضية الفلسطينية؛ فقد لجأت إليه «حماس» أخيراً ومن إيران وليس من إسرائيل! إنما هذا كله «كوم» وتدخله في سوريا كوم (!).
وعلى هذا وذاك وذلك، تبقى المشكلة عندنا نحن، حيث جرى اجتياح بعض الدول الوطنية العربية من الداخل أولاً ثم من الخارج المجاور... والبعيد! لا حياة لنا إلا في دولٍ وطنية نتبادل التأييد مع شعوبها وتمارس السيادة والمناعة تجاه الخارج ضمن النظام الدولي؛ وفي استقرارٍ وتنمية.
إنّ هذا لا يعني إذناً بالتدخل إذا صار هناك اختلال داخلي. لكنه يعني إذا أردنا ترميم الدولة الوطنية السورية أو الليبية أو اللبنانية، أن يتكون إجماع عربي على القرارات الدولية ذات الصلة بكل بلد. لقد كان الخوف من الدولة، ومن زمان صار الخوف على الدولة. والله المستعان.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التفكير التركي بالمتغيرات والتأثيرات على سوريا التفكير التركي بالمتغيرات والتأثيرات على سوريا



GMT 00:26 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

«حماس» والأردن... والمراهقة السياسيّة!

GMT 00:26 2024 الخميس ,02 أيار / مايو

يا وزيرة الثقافة!

GMT 00:04 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

«الفيتو» الأمريكى؟!

GMT 19:39 2024 الثلاثاء ,30 إبريل / نيسان

غزة وتحديات ما بعد الحرب

GMT 00:04 2024 الأربعاء ,01 أيار / مايو

العكس بالضبط

GMT 04:22 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

تسريحة الشعر المبلل في المنزل في 5 خطوات فقط

GMT 23:38 2017 الأربعاء ,09 آب / أغسطس

اختطاف مدرعة وضابط أمن مركزي في قنا

GMT 15:51 2015 الأربعاء ,23 كانون الأول / ديسمبر

حلاوة المولد .. طريقة عمل البندقية

GMT 02:18 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

غاريث ساوثغيت يؤكد إصابة نجم "توتنهام" هاري كين

GMT 00:41 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

تعليق محمود كهربا بعد مشاركته الأولى مع الأهلي المصري

GMT 10:33 2019 الثلاثاء ,10 أيلول / سبتمبر

دنيا سمير غانم تحتفل بعيد ميلاد زوجها رامي رضوان

GMT 21:35 2015 الإثنين ,26 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي على ابتكارات يوسف الجسمي التي أطلقها بفاشن فورورد

GMT 02:05 2021 الإثنين ,24 أيار / مايو

أحذية رياضية لصيف 2021
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon