توقيت القاهرة المحلي 08:03:46 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تلفن عياش؟

  مصر اليوم -

تلفن عياش

بقلم - تمارا الرفاعي

ألعب مع أولادى لعبة «الأغانى المفضلة من أغانى فيروز» فنسمع خمس أغانٍ يوميا أطلب منهم أن يصنفوها بحسب إعجابهم بها. أحاول أن أنوع بين القديم والجديد، أى بإضافات لتوزيع زياد الرحبانى الذى تبع توزيعات أقدم. أغير ما بين هدير البوسطة وعيون عليا وبين أم سليمان وزوجها الذى يقطف الخوخ والرمان. أحاول مع طابع موسيقى الجاز رغم أن «السميعة» يرفضونها إذ لا تمثل عالم فيروز بحسب معرفتهم الموسيقية. أضيف أحيانا أغانى مصرية قديمة مثل «قلبى ومفتاحه» الأصلية وأخرى بتوزيع جديد، ثم يسمع أولادى «تلفن عياش» وأسألهم إن كانوا يعرفون من هو عياش فيجيبون بالنفى ولا أسمع فى نبرتهم أى فضول.
• • •
أصر أن يتآلف أولادى مع كلمات ونغمات لا مراجع تربطهم بها. فهم لم يزوروا قط عالما فرضته على خيالى وخيال جيلى مسرحيات فيروز منذ ستينيات وسبعينيات القرن الماضى. لا يعرفون معنى أن يكذب عياش وهو يحلف بدينه ولا يهتمون كثيرا لحالة ليلى التعبانة كما فى الأغنية. أما أنا فترانى أصر على فرض تفاصيل لا تعنيهم إنما تعنينى وترسخ ثقافة مجتمعية أريدهم أن ينشأوا عليها بل وأتوقع أن يرددوا معى كلمات الأغانى إذ أفترض أنهم بطور تكوين ذاكرة بصرية كتلك التى كونتها أنا حتى لو لم أتعرف على شادى الذى اختفى وغنت عنه فيروز.
• • •
البحث عن الهوية عملية مستمرة فيها بعض الترف. أتذكر نقاشات طويلة ومحتدمة بعض الشىء مع صديقة قررت أنها لا تريد أن يتعلم ابنها اللغة العربية بسبب رفضها هى لكثير من جوانب ثقافة بلدها ومجتمعها. كنت أصر (وربما ما زلت) أن أى لغة إضافية هى مكسب للإنسان فكيف تحرم طفلها من اللغة العربية حتى إن اختلفت هى مع مضمون الثقافة المجتمعية؟ كانت تشرح لى أن اللغة ملتصقة بالثقافة أو أحيانا وليدتها لذا فستضطر أن تشرح لابنها جوانب لا تريد أن تخوض فيها من مفاهيم نشأت عليها وقررت أن تتخلى عنها، فصديقتى رأت من الأسهل ألا تدخل فى كل هذه التفاصيل وأن تعطى ابنها خلاصة ما وصلت إليه من مبادئ تريد أن يتبعها، ورأت أن كثيرا منها مكبل باللغة العربية.
• • •
أتفهم ما تقوله فأنا أيضا أعيد النظر بمواقف ورثتها عمن سبقونى ثم تخليت عنها عبر السنوات لصالح مواقف جديدة ولم أجد فى اللغة مفردات جديدة. أتابع لغة الشباب وأرى فعلا محاولات لتوسيع رقعة المفاهيم وخلق مصطلحات تناسب المجتمعات الجديدة. أنا معجبة جدا باللغة التى تتطور لتشمل نقاشات جديدة وتشمل فئة الشباب والشابات الناطقين باللغة العربية. أتساءل إن كانت أغانى فيروز وغيرها ما زالت تعنى هذه الفئة أم أننى وأقرانى مصرون على توريث بعض ما نحبه لأولادنا رغم أنهم ينشأون فى أسوأ فترة تمر على المنطقة.
• • •
نحن فى فترة لم يمت فيها بعد القديم، والجديد ولادته متعسرة. لم أصر إذا أن أفرض مفهوم الضيعة والجبل ونسيم وهواء بلادى على أطفال لم يعيشوا أيا منها ولا علاقة لهم بها؟ أرى الحى الذى عشنا فيه فى القاهرة يتدهور حتى يكاد يختفى وما زلت أشير إليه بزهائه القديم الذى لم يعد واضحا للعين. يرى أولادى الحى بعيون جيل اليوم: حى شديد الفوضى لا أرصفة فيه للمشى، تملأ شوارعه النفايات بدل أن تملأه أوراق الشجر ويطلبون أن أوضح لهم أسرار جماله بعينى. هى أسرار فى مخيلتى وبعض منها فى الذاكرة. أظن أن ما فى ذاكرتى ربما جله مبنى على ما سمعته وليس ما رأيته بنفسى. أو على ما رأيته فى أفلام قديمة حاولت أيضا أن أحبب أولادى فيها لكنهم لم يفهموا معظم ما رأوه فيها وتأففوا من بطء أحداثها وقلة علاقتهم بما قاله ممثلوها.
• • •
هل أستمر فى محاولاتى فى صنع ذاكرة بصرية عند أولادى عن أماكن لم يزوروها وإن زاروها فهى لا تشبه ما أصفه؟ ألم تعطينى أغانى فيروز إطارا لصور ركبتها فيما بعد على الأغانى؟ هل من المبالغ فيه أن أتوقع أن يحب أولادى الحارة والحى والختيار وقصص الجيران وهاتف عياش الذى تلفن فى آخر الأمر، وكلها قصص لم يعيشوها بأنفسهم؟ لماذا أصر على فرض نماذج مجتمعية لا تعنيهم؟ هل فى ذلك محاولة منى أن أساهم باستمرار منظومة أرى أنها اختفت لكنى لا أتقبل رحيلها؟ ها قد سألت ابنى لماذا يعتقد أننى أصر على امتلاكه هو ذاكرة عن حارة وبيت وعائلة ممتدة وبقال لم يرَهُم قط، فيجيبنى ببساطة تناسب عمره وهو عمر ما قبل الفلاتر: لأنك تريدين أن تستمرى من خلالنا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تلفن عياش تلفن عياش



GMT 21:30 2024 الأربعاء ,24 إبريل / نيسان

بعد 200 يوم.. حرب بلا رؤية

GMT 00:03 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

عند الأفق المسدود فى غزة!

GMT 08:35 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

من رأس البر!

GMT 00:03 2024 الإثنين ,22 إبريل / نيسان

شاهد على مصر والقضية الفلسطينية (٦)

GMT 00:03 2024 الأحد ,21 إبريل / نيسان

أمٌّ صنعت معجزة

GMT 06:56 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

شهر مناسب لتحديد الأهداف والأولويات

GMT 14:29 2018 الثلاثاء ,09 كانون الثاني / يناير

مؤمن زكريا يتخلّف عن السفر مع بعثة الأهلي

GMT 05:35 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

شوبير يفجر مفاجأة حول انتقال رمضان صبحي إلى ليفربول

GMT 13:45 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

ماكينات الـ ATM التى تعمل بنظام ويندوز XP يمكن اختراقها بسهولة

GMT 02:15 2017 الجمعة ,15 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على سعر الدواجن في الأسواق المصرية الجمعة

GMT 17:17 2017 الإثنين ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الوطني يصل السعودية لأداء مناسك العمرة

GMT 16:08 2017 الثلاثاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

اكتشاف تابوت يحوي مومياء تنتمي للعصر اليوناني الروماني
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon